التقادم.. مبدأ قانوني أصيل يعرفه فقهاء القانون ودارسوه.. ولكن الشعب المصري لم ينتبه إليه إلا عندما اكتشف أنه طوق النجاة الذي تم إلقاؤه لمبارك ونجليه.. للخروج من دائرة العقاب علي جرائم إستغلال النفوذ. فالمحكمة فاجأت الجميع بإعمال هذا المبدأ لمرور عشر سنوات علي هذه الوقائع.. ولكن بالعودة إلي نصوص قانون الإجراءات الجنائية.. ولتفاصيل مبدأ التقادم.. وجدنا حماية من المشرع للمال العام وإستثناءات لتطبيق التقادم علي الموظف العام. النص القانوني يؤكد بشكل واضح وصريح أن مبدأ التقادم لاينطبق علي جرائم مبارك ونجليه.. هذا ما أكده الدكتور أسامة قايد أستاذ القانون الجنائي وعميد كلية حقوق بني سويف في حديثه عن المادة رقم(15) من قانون الإجراءات الجنائية التي تستثني جرائم التربح من الوظيفة العامة أو الاختلاس.. من تاريخ التقادم, الذي جعله القانون بالنسبة لهذه الجرائم يبدأ من تاريخ إنتهاء الخدمة أو زوال الصفة الوظيفية ما لم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك ويفسر د. أسامة بسبب إستثناء المشرع لهذه الجرائم لأنها جرائم يرتكب أغلبها في الخفاء, ويكون من العسير إكتشافها حال وجود الموظف أو المسئول علي رأس العمل, وبالعكس بعد خروجه من منصبه تبدأ تتكشف جرائم الفساد والتربح المالي, وبالتالي يسهل إثبات الجريمة علي مرتكبيها. إعادة المحاكمة إنقضاء الدعوي الجنائية تجاه حسني مبارك, وعلاء, وجمال, وحسين سالم, بانقضاء المدة المسقطة للدعوي الجنائية في تهم إستغلال النفوذ والحصول علي فيلات بشرم الشيخ بأقل من أسعارها, حيث مر علي هذه الواقعة أكثر من عشر سنوات, هذا هو ما أنتهي إليه الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة وهو ما يراه المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق محل نظر لأن هناك ما ينص علي عكس ذلك في الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد, من عدم سقوط الجرائم المتعلقة بالفساد بالتقادم, وكذلك الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي تشير أيضا لمنع السقوط بالتقادم, إضافة إلي ذلك يكمل المستشار الجمل هناك المادة(17) من الدستور المؤقت التي قضت بأن كل إعتداء علي الحريات أو الحقوق العامة للمواطنين التي يكفلها الدستور والقانون, جريمة لا تسقط الدعوي الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم, وهو نفس النص الذي كان موجودا في الدستور المؤقت الصادر عام1971, كما أن هناك مبدأ قضت به أحكام محكمة النقض بشكل متواتر يقضي بأنه لاتسري مواعيد السقوط إذا كان هناك حائل قهري مادي أو معنوي علي سريان هذا التقادم ولاشك أن شغل مبارك منصب الرئيس كان مانعا معنويا قويا. ولذا يؤكد المستشار الجمل أن الحكم الصادر ضد مبارك ونجليه. عندما يحال إلي محكمة النقض فمن المتوقع أن يتم إلغاؤه وإعادة المحاكمة بالنسبة للقضايا المتعلقة بالتقادم إلي دائرة جنايات أخري.. ويمكن عندما تثبت جرائم التربح استغلال النفوذ متابعة إجراءات استرداد الأموال المهربة بالخارج وفقا للشرط الذي تستلزمه الاتفاقية الخاصة بمقاومة الفساد. الظلام حمي الفساد كابوس ليل مظلم أخلد لثلاثين عاما من ظلام دامس حالك أسود.. أسود. أسود إسوداد ليلة شتاء قارص.. هذه كانت جزءا من كلمات المستشار أحمد رفعت في مقدمته الممهدة للنطق بالحكم.. وهي كلمات يعتبرها المستشار الدكتور حسن عمر خبير القانون الدولي وحدها كافية لتعطيل مبدأ التقادم في جرائم إستغلال النفوذ والتربح.. إذ كيف يكون الفساد مستشريا بهذا الشكل, ويمكن لأحد أو لجهة أن تقيم دعوي علي مبارك أو نجليه؟ إذ يفترض أن مثل هذا الظلام والسواد الذي عبرت عنه المحكمة كان حاجبا لصوت الحق, وساترا يحمي كل أفعال الفساد.. ويضيف.. إعمال المحكمة لهذا المبدأ فيه تشجيع لكل موظف عام علي أن يفعل ما يشاء طيلة سنوات وظيفته ونفوذه.. وعندما ينتهي به النفوذ الوظيفي تكون قد انقضت دعاوي كثيرة ضده, ولا يكون من حق أحد محاسبته علي ما أخذه لنفسه بدون وجه حق. وبصفة عامة يري المستشار حسن عمر أنه كان يتعين علي المحكمة عندما رأت تعدد الوقائع أن تلجأ لإعمال المادة(11) من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص علي إنه: لمحكمة الجنايات إذا نظرت الدعوي وتبين لها وجود وقائع جديدة أو متهمين جدد أن تعيد الأوراق للنيابة العامة لاجراء التحقيق وكشف تلك الوقائع.. ثم تتنحي المحكمة عن نظر هذه الدعوي ويتم نظرها أمام دائرة أخري.