منذ أن اختطفت مصر إخوانياً على إثر تداعيات الثورةالانتقالية الأولى صبت تهديدات مجلس شورى الجماعة الارهابية فى خانة واحدة وهى اما أن يكونوا أو أن تحرق مصر،كانت تلك استراتيجيتهم تاريخيا. لقد بدأ الاخوان تنظيمهم بارتداء نقاب الدعوة ، و تحولوا لرفع السلاح فى مراحل تالية وعاشت الجماعة منذ حلها المتتالى فترات كمون مرحلى نشط دعوياً وتنظيمياً ويمكن تلخيص تاريخهم منذ نشأتها حيث لم يتوقف نشاطهم الارهابى وكانت الضربة الحديدية الأولى فى عهد عبدالناصر 1964 وبعدها غيروا من استراتيجيتهم وكان الكمون من أهم ملامحها عبر المراحل التالية : حيث بدأ الكمون الأول وعنوانه ( الانزواء والعمل السرى ) وكان الأخطر فى تاريخ الجماعة حيث فروا الى الخارج وأعادوا تمركزهم فى بلدان عربية وآسيوية وأوروبية، وكان حراكهم نشطا على المستوى الدولي، واستطاعوا تجميع التمويل المادى والبشرى وتعزيز انتشارهم فى كثير من المؤسسات التعليمية عربيا والمالية دولياً . جاء الكمون الثانى وعنوانه ( المهادنة والاستقطاب الدعوى ) خلال حكم السادات، حيث فتح مع قوى الاسلام السياسى صفحة جديدة استغلوها لخرق مؤسسات الدولة المختلفة ، وتعاملوا بمبدأ التقية فى استراتيجيتهم وتبنوا كافة الجماعات المتطرفة حتى استطاعوا اغتيال رأس الدولة، ولم يتعلم مبارك الدرس ودعاهم الى السياسة وتحالفوا مع الأحزاب المتناقضة فكرياً، وعندما جاءتهم الفرصة تحركوا بصلف وغرور مع كل القوى السياسية بعد فوزهم فى انتخابات المجلس التشريعى 2005م الذى فتح لهم آفاق الحراك الدولى عبر القنوات الرسمية وشهدنا قياداتهم فى سفارات بريطانيا والولايات المتحدة وحتى وصلوا إلى واشنطن، وكانوا من أهم أدوات الفوضى المدمرة واختطفوا الثورة واستولوا على السلطة 2012م، وبعد فشلهم الذريع فى الحكم عادوا مجدداً الى العنف والارهاب وهى المرحلة التى نعيشها الآن، وأرى أن هزيمة جماعة الاخوان ليست النهاية والتسليم بذلك اهانة للعقل وتجاهل للتاريخ، خاصة ونحن نرقب محاولات التلون والتجمل الجارية فى تونس ولندن. وفى هذا السياق تجدر الاشارة الى صور التهديدات من حيث المدى الزمنى : الاولى فعلية ومرئية والثانية محتملة ومتوقعة وكلتاهما عادة فى ظل حالة اليقين والثالثة كامنة ومستترة والرابعة متصورة والاخيرتان فى ظل حالة عدم اليقين لذا يتطلب الكشف عنهما جهد معلوماتى لتحديد موقع ظهورهما الزمنى. وفى هذا الاطار أتصور أن الجماعة رغم نشاطها الارهابى المهزوم فانها بدأت مرحلة جديدة هى الكمون الثالث بين صورتين للتهديد هما الكامن والمتصور وتلك الحالة هى الأخطر لأنها تستتر تحت عباءات متعددة الأطياف الدين احداها، بدأت مؤشراتها بهروب قيادات الاخوان الى العديد من البلدان العربية والاسلامية ، لتقييم تجربتهم الفاشلة وتصعيد قيادات شابة الى ادارة التنظيم وتكتب مؤلفات دينية جديدة نواتها تطوير الفكر القطبى والداعشى فى مجالات هدم مؤسسات الدولة دون استخدام الأسلحة التقليدية المتعارف عليها وقد نشهد آليات ما بعد الجيل الرابع للحروب وسوف تكون رؤيتهم مستحدثة لارهاب معلوماتى واقتصادى مستفيدة من التجربة الداعشية، ولما كانت هذه المرحلة خداعية الوسائل والأدوات وروافدها فى داخل الدولة العميقة المخترقة وفى الخارج مع التنظيم الدولى للارهاب والمتعاون مع مخابرات دولية وبطبيعة الحال لن تغيب عنهم الرعاية الأمريكية والبريطانية والصهيونية، بالاضافة الى أنه فى كل مرحلة من التجارب السابقة التى مر بها الاخوان كانت هناك خلايا نائمة يتم ايقاظها فى لحظة تاريخية ضد الدولة لاثبات الوجود، كما أنها لن تكف محاولاتها لاختراق الأجهزة الأمنية التى كانت يقظتها ووطنيتها سببا فى فشل مشروعهم الارهاب القادم بعد الكمون الثالث والمتوقع أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون ليتغير شعارهم من أن يحكمونا أوأن يقتلونا الى التكيف والتعايش وسوف تكون رؤية مستحدثة للارهاب بآليات وتقنية الشبكات المعلوماتية. نؤمن بأن المواجهة الأمنية جزء من الاستراتيجية الشاملة لمواجهة التطرف والارهاب الا ان الأمر يتطلب تطوير استراتيجية المواجهة الوطنية عبر ثلاثة محاور هى : الأول: إنشاء لجنة تقصى حقائق موسعة لمراجعة وتقييم الفترات الانتقالية الثلاث (فترة ادارة المجلس العسكرى ، وفترة حكم الإخوان ، وفترة تنفيذ خارطة الطريق) ، على أن تتسم بالشفافية والعلانية الثانى: إنشاء هيئة وطنية لمكافحة التطرف والارهاب من خلال استراتيجية مستدامة ترصد التطرف الدينى ونماذجه المستحدثة وصوره وممارساته المحتملة ، والاستعداد لإخوان جدد قد يطلوا علينا قبل منتصف الألفية الثالثة. الثالث : وهو المحور العربى فلا يجوز أن يظل التدخل الأجنبى هو الفاعل الرئيس فى ادارة قضايا بلادنا ، فلابد من وقفة ضد من يخرج عن الالتزامات العربية التى حددت فى ميثاق جامعاتها ومعاهداتها وخاصة الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب وأزعم ويؤيدنا حكماء العرب فى أنه الو رفرف جناحى بعوضة فى مصر لثارت عاصفة فى العالم العربى. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار الدويك