على الرغم من أن الشياطين تصفد فى هذا الشهر الكريم وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، فإن بعض الصائمين لا يمتنعون عن الذنوب فيه، كما أن تصفيد الشياطين فى رمضان ليس على الجملة والعموم لأن من الشياطين من هو مرسل لإغواء العباد فى كل وقت، وقد حذرنا منه القرآن الكريم فى قوله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) فالمسلم يجب أن يجاهد الشيطان فى كل وقت، سواء فى رمضان أو غير رمضان، بالإضافة إلى أن الذنوب والمعاصى التى يقترفها المسلم، ليست كلها بفعل الشيطان وحده، فهناك الهوى الذى يتبعه الإنسان والذى يجب عليه أن يخالفه، والنفس الأمارة بالسوء، وشهر رمضان يجب أن ينهى عن ارتكاب أى معصية، ومن لم يتب فى رمضان فمتى سيتوب ويرجع إلى الله؟، وأكد العلماء أن الإصرار على المعصية أشد خطرا على الإنسان، لأنها كبيرة من الكبائر، أما الوقوع فى المعصية فيجب الإسراع بالتوبة إلى الله وعدم الإصرار عليها. ويقول الدكتور عاصم قبيصي، مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف، إن شهر رمضان من أشهر الله المعظمة فى الإسلام له قدسيته وله حرمته فالواجب على المسلم أن يُعظّم ما عظَّم اللهُ عز وجل، فيعظِّمَ شعائرَ الله وشرائعَه، ويعظِّمَ حُرماتِ الله، ويعظِّمَ حُرمة شهر رمضان، فقد ورد عن أبى سعيد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(من صام رمضان وعرف حُدودَه، وتحفظَّ مما كان ينبغى أن يتحفظ منه، كفَّر ما قبله) رواه أحمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقى بسند جيد. حرمة الشهر وأضاف، إن من تعظيم هذا الشهر تعظيم حرمته باجتناب الذنوب والمعاصي، وان وقوع البعض فيه فى الذنوب والمعاصى فإنما يأتى ذلك لضعف إيمانهم وجهلهم بحرمة الشهر وعظمته وقدسيته، وربما يتساءل البعض إذا كانت الشياطين صفدت فى شهر رمضان فكيف يقع الإنسان فى المعصية، بل إن البعض يجد فى نفسه إصرارا على ارتكابها. فإن مما اقتضته حكمة الله تعالى وسنته الكونية من وقوع المعاصى فى الحياة الدنيا، حتى من المسلمين المؤمنين، فكل إنسان خطاء إلا من عصمه الله تعالى، كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). حسنه الألباني، ويحذر من الإصرار على المعصية، لأنها أشد من الوقوع فى الخطأ، ويقول: إن المصيبة الكبرى والداهية العظمى أن الناس ينقسمون إلى (تائبين وإلى مصرين) فأما من أذنب واستغفر وأناب وتاب واعترف بما اقترف غفر له ما قد سلف، وأما من أصر على معصيته وأقام وأدام عليها فهذا الذى يخشى عليه، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وعن عبد الله بن عمرو، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:(ارحَمُوا تُرْحَموا، واغْفِروا يُغْفَرْ لكُم، وَيلٌ لأقْماعِ القولِ، وَيلٌ للمُصِرِّين الذين يُصرون على ما فعلوا وهُمْ يَعْلَمون). أخرجه أحمد. الإصرار كبيرة وأضاف: إن الإصرار على المعصية كبيرة من كبائر الذنوب كما قال الهيتمى رحمه الله فى كتابه الزواجر عن ارتكاب الكبائر الكبيرة الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: الْإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وإن من الناس فى زماننا من زين له الشيطان سوء عمله، فأصر على خطئه، ومضى فى غيه، غافلا عن حرمة هذا الشهر العظيم، ولم يفكر أن يتراجع أو يتوب إلى الله، وهذه قسوة القلوب وقلة الفقه والمعرفة بالله عز وجل، والذى ابتلى بها من بعد عن العلم وأعرض عن ذكر الله، كما قال الله تعالى: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِى مَن يَشَاءُ) وقوله: (وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لهم الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ). خطر شياطين الإنس وفى سياق متصل يقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، إن الابتعاد عن الذنوب والمعاصى وتركها واجب على الإنسان فى كل زمان ومكان وأوجب ما يكون تركها فى هذا الشهر العظيم، فإن لم يتركها فى هذا الشهر فمتى يتركها؟ فرمضان هو شهر التوبة، ومن لم يتب فى رمضان فمتى سيتوب ويرجع إلى الله؟! والمصر على المعصية كالمستهزئ بربه، والمعاند والمحارب لأوامر الله عز وجل. وأضاف: إن شياطين الإنس أشد خطرا على الإنسان من شياطين الجن، بل وكل المؤثرات السابقة، وكما قال أحد الصالحين: إن شيطان الإنس أشد عليَّ من شيطان الجن، لأن شيطان الجن حين أستعيذ بالله منه ينصرف عني، أما شيطان الإنس فهو ملازم لى إلا إذا اجتنبته. فإذا كانت مردة الشياطين تصفد فى رمضان، فإن هذا لا يعنى أن يكون الإنسان بلا ذنوب ولا دوافع للمعصية، فالإنسان قد تغويه نفسه وأطماعه ورفقته وتحرضه على المعصية، وإن صفد الشياطين، ويجب أن ننتبه إلى أن رمضان أيام معدودات سريعة الانقضاء، وهو موسم يتطلع فيها الصالحون لرحمات الله تبارك وتعالى، وينتظرون فيها فرجه ومدده، وحسن عطائه لمن أطاعه، وصبر على أوامره، وابتعد عن نواهيه، أما الغافل المتبع لهواه غير المتفكر فى آلاء الله ونعمه، فيوشك أن يخسر خسارة قد لا تعوض، إلا أن يتوب، فرب رمضان هو رب سائر العام، من جاءه تائبًا نادمًا تقبله وغفر له، ومن أراد أن تغتنم هذا الشهر وان يجالس العلماء وأن يكثر من ذكر الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فيجب اجتناب أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصى له ويرغبونه فيها، وفى المقابل اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).