لا أعرف سبب رد الفعل الشديد والانزعاج من تسرب امتحانات الثانوية العامة إلكترونيا، وهو أمر يحدث كل عام، وأصبح ظاهرة منتشرة منذ 5 سنوات تقريبا، مثلها مثل الدروس الخصوصية التى انتشرت وتوغلت داخل النظام التعليمى أيضا منذ سنوات طويلة، ولا حلول لها حتى اليوم. ولا أعرف ماذا تعنى الدهشة التى أراها على وجوه الجميع، بالرغم من أنه لا يختلف اثنان على أن التعليم ليس له أثر فى المجتمع، ومنظومته متهالكة، ومخرجاته سيئة، ولا يتناسب مع العصر الذى نعيشه. هل نسينا أن الطلاب لا يحضرون، ولا يتابعون الدروس فى المدارس التى أصبحت شبه مهجورة، ولا يتعلمون أى شىء من السلوك والانضباط، وهما من الأدوار والوظائف الرئيسية والمهمة داخل المدرسة. ولماذا نتغافل حقيقة أن المعلمين هجروا المدارس أيضا، وخلعوا عنهم كل شىء بداية من الإحساس بالوظيفة وآدابها، ودور المعلم التربوى وتخريج أجيال صالحة للمجتمع. كلنا نعلم حقيقة أن المدرس أصبح يمد يده للطالب، ليحصل على مقابل الدروس الخصوصية، ولم يعد المثل الأعلى له، وجميع من يعملون في المدرسة من مديرين ونظار وموظفين وعمال ضاعت منهم الهيبة والأمان، ولم تعد هناك منظومة تعليمية حقيقية بعد أن أهدرتها الدروس الخصوصية، وأصبحت منهارة ولا دور لها فى المجتمع. لسنا ضد معاقبة المخربين مسربى أسئلة الامتحانات، فلا بد من محاسبتهم، ليكونوا عبرة لغيرهم، وفى الوقت نفسه يجب العمل على إزالة أسباب تلك الجريمة التى يعانى منها المجتمع منذ سنوات. وبعيدا عن التهليل وحالة الصخب والبكاء والعويل المنتشرة على صفحات الجرائد والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية وداخل أروقة الدولة ودواوين الحكومة والشارع يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا للتعليم الذى يشهد حالة انحدار منذ 64 عاما؟ وماذا فعلنا به غير أننا نتحدث عن تطوير لا يحدث، وبرامج فاشلة، واستراتيجيات ومشاريع قوانين فى الأدراج فقط، وميزانيات ضعيفة؟ إستراتيجيات الأدراج! لم تشهد أنظمة التعليم خلال تلك السنوات أى تطوير حقيقى، فالقانون لم يتغير، ويتم ترقيعه بمواد ليس لها صلة من قريب أو بعيد بالتحديث ومواكبة العصر. كما أن الإستراتيجيات فى الأدراج دون تنفيذ، والمناهج ظلت على نمط واحد دون تطوير، وأسلوب التدريس اعتمد اعتمادا كليا على الحفظ والتلقين واسترجاع المعلومات. وامتحانات نهاية العام يتحدد على أساسها وحدها مستقبل الطالب دون قياس باقى مهاراته وقدراته خلال العام الدراسى. وهكذا انتشرت السلبيات والظواهر التى تنخر فى جسد النظام التعليمى لقدمه وعدم مواكبته الزمن والتكنولوجيا التى أصبحت تؤثر تأثيرا كبيرا فى وسائل التعليم. إن العالم يعتمد حاليا أنظمة الساعات المعتمدة التى تفسح المجال لاختيار المواد لدى الطالب والتخصص الدقيق والتقييم على مدار العام الدراسى وليس مرة واحدة مع نهاية العام، وتتعدد المناهج الدراسية لتناسب مختلف المناطق، دون توحيدها على مستوى البلد، وغيرها من النظم التى أصبحنا بعيدين عنها وليست فى حساباتنا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن بعض المعلمين احترفوا تدريب الطلاب خلال الدروس الخصوصية على "فهلوة" حل الامتحانات، فجاءت ظاهرة ارتفاع المجاميع بشكل مخيف فى جميع المراحل خاصة الثانوية العامة والتى لا تعطى أى مؤشر حقيقى عن نظام تقييم الطلاب والدرجة الفعلية لهم. منظومة "الطباشير" لا ينبغي أن نضع رؤوسنا فى الرمال، فعدم التصدى بأساليب علمية لما يحدث من تسريب للامتحانات يشجع على "ظواهر أخرى" ستنخر أكثر وأكثر فى منظومة التعليم، لأنها منظومة قديمة غير موجودة إلا فى بلدنا فقط والدول المتخلفة تعليميا، في الوقت الذى تغير فيه العالم منذ سنوات طويلة، وأصبح يتعامل مع التعليم الإلكترونى والتقنى والتكنولوجى ونظام الساعات المعتمدة.. والمكتبات الحديثة للبحث تعمل بأحدث الوسائل التعليمية التى تخاطب العقل وتكشف عن المواهب وتصقل المهارات والقدرات.. ونحن مازلنا فى مكاننا لا نتحرك وليس لدينا رغبة حقيقية. بكل بساطة نحن نستقل مركبة بأربع عجلات متهالكة صنعت منذ 70 عاما ونريدها أن تتسابق مع مركبة حديثة وتكنولوجيا جديدة فى عام 2016 ونسينا أن الأطفال والشباب يتعاملون مع تكنولوجيا متقدمة على الموبايلات فى أيديهم وأجهزة كمبيوتر وإنترنت فائق السرعة يدخلهم عالما آخر يتحدث لغة أخرى لا يعرفها نظامنا التعليمي الذي مازال يتحدث بالطباشير والعصا والتلقين واختبار الذاكرة ومعلومات انتهت وأصبحت ذكرى فى مكتبات العالم لمن يريد إعداد البحوث للمقارنة بين عالم الأمس وعالم اليوم والغد. من الجانى؟ تعليمنا مازال يعيش فى عام 1952 والعالم الذي تقدم وكان وراءنا لسنوات يعيش تعليمه فى عام 2016 ويستعد من الآن لعام 2050.. نضيق على أنفسنا وننظر تحت أقدامنا دون أن نسأل لماذا تهرب بعض الأسر بأبنائها إلى الدراسة بمناهج شهادات إنجليزية وأمريكية وألمانية وإيطالية وكندية وتتزايد الأعداد كل عام وانتشرت المدارس التى تعلم هذه المناهج فى عدد من المحافظات. لقد انتشر تسريب الامتحانات منذ سنوات طويلة جدا من غش جماعى بالميكروفونات من حول المدارس وتهديد المراقبين والملاحظين للغش وعقد امتحانات بالمستشفيات وبعض الشقق تحت حجج عديدة وطبع الامتحانات على الملابس الداخلية وتحويل طلاب لمحافظات أخرى بعيدة عن الأنظار وغيرها حتى جاء التسريب والغش الإلكتروني الذي جعل الغشاشين يغتصبون أماكن المتفوقين بالجامعات.. وأصبح المجتمع هو "الخاسر" الأكبر. ما أصاب نظام التعليم أصاب المجتمع وأصاب النظام الاقتصادى لأن الضمير أخذ إجازة وأصبحت السرعات مختلفة بين أجيال تتعامل بالتكنولوجيا ومجتمع يكتب بالطباشير والقلم الرصاص.. ولا يزال البعض يتساءل: أين المشكلة ومن الجانى؟!.