في ضاحية بيشتكاش الشهيرة باسطنبول, وعلي ربوة بدا معها البوسفور وكأنه لا نهاية له, مثله مثل المناسبة التي استضافها واحتضنها حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض, طوال ثلاث ليال . والتي أختار لها عنوان تغير الفصول ومسيرة الشعوب العربية نحو الديمقراطية والحرية, إنه إذن الربيع العربي, وتداعياته التي مازالت ترج أركان بلدانه, فالقناعات هنا في المدن الكبري بالاناضول خصوصا لدي القطاعات العريضة من المثقفين والكتاب, ذهبت إلي أن الثورات ربما تحققت, إلا أنها تعاني إخفاقات جمة, وإحباطات تنوء بها الجبال. صحيح أن الشعب الجمهوري, حزب علماني, وبالتالي فقد يكون لديه من الأسباب التي تدفعه إلي القلق والتوجس في آن, بشأن التطورات العاصفة, وتحديدا في تونس وبدرجة أكبر مصر, إلا أنه حرص علي دعوة رموز وأطياف يمثلون التيارات الرئيسية الفاعلة, إسلامية بتدرجاتها الوسطية والمتشدة, وكذلك الليبرالية بموجاتها المتعددة, سواء التي تسعي إلي التزاوج بين العقيدة ومتطلبات العصر من قيم حداثية وتنويرية وتلك ذات الطبيعة الإقصائية, التي تضع فواصل حادة وقاطعة, بين ما هو ديني وما هو دنيوي. ورغم أن الربيع, مازال بعيدا جدا عن سوريا, فإن القائمين علي تجمع تغير الفصول, تعمدوا دعوة أطراف الصراع, أنصار النظام الأسدي وخصومه لكي يدلي كل منهم برأيه وكيفية انتشال بلدهم من السقوط المروع في أتون حرب أهلية ستقضي علي الأخضر واليابس. لكن الملاحظة التي تدعو إلي الحيرة, هي أن شخصيات ذات مرجعيات دينية تم دعوتها إلا أنها راوغت ولم تلب الدعوة بحجج انشغالها, والحقيقة أنها قررت مسبقا بينها وبين نفسها ألا تشارك حتي لا تزيد من ثقل العلمانيين الأتراك, وربما كي لا تثير حفيظة العدالة والتنمية الحاكم, الذي تولي مريدوه, خوفا أو طوعا, من إحكام سيطرتهم علي الميديا مقروءة ومرئية, كي لا تتسرب أنباء مؤتمر الخصم رغم أهميته لدي الرأي العام. في هذا السياق ظهرت أشياء بدت شديدة الدلالة, لرمزيتها فضلا عن ما تحمله من إسقاطات علي الحياة السياسية التركية, في تجلياتها الاردوغانية أن جاز التعبير, ففي الوقت الذي كان فيه المجتمعون يبدون مخاوفهم حيال تحقيق حلم الديمقراطية الذي يتلاشي شيئا فشيئا في بلادهم, تتعاظم الشكوك وتتزايد حول ما إذا كانت حرية التعبير مكفولة أصلا في الدولة التي يتحدثون علي أرضها. ورغم أن هذا ليس موضوع المؤتمر فإن تساؤلات وجدت طريقها لفضاء وريثة الامبراطورية العثمانية هل مازالت, تركيا, نموذجا يحتذي؟ المثير أن الاجابة سرعان ما حاءت بنعم, ولكن ليس تركيا الكمالية وإنما في صورتها عندما كانت موطن الخلافة, والاخيرة لم يعد هناك شك في إنها باتت إلهاما يداعب الآلاف من مريدي السلف الصالح. ويالها من سخرية فالمفارقات لا تنتهي عند هذا الحد, فدون قصد حذر عبد الفتاح مورو, المحامي التونسي مؤسس حركة النهضة التونسية, الذي تواري جبرا وقصرا, في مداخلته من إنتكاسة عظمي تعيد الجميع إلي نقطة الصفر, مشددا علي الافق ملبد بغيوم الاستبداد الإسلامي. وفي مصادفة عكست الحيرة وجددت في الوقت ذاته الإشكال الأعظم ألا وهو أين تتجه الشعوب التي إنتفضت هل للحداثة أو للتراث, هنا لم ينتبه الحضور أنهم حينما كانوا يتصايحون حول الناجع والمفيد لامتهم, أن صرخاتهم أنطلقت من مكان بدا رمزيا وكأنه في الوسط تماما من جسر الفاتح الذي يربط شطري إسطنبول الاوروبي والاسيوي, أي لا مناص سوي بالتوفيق بين هذا وذاك. وقبل أن يختتم المؤتمر فعالياته كان لابد من الحديث عن الإعلام ومدي حياده وإستقلاله, غير أن السؤال الذي فشل المجتمعون في إيجاد إجابة عنه, كيف يكون هناك ميديا حرة في بقاع لا تمت للحرية بصلة ؟ البعض اجتهد وأجزم أن الأمر مخطط له بعناية لتحقيق أهداف بعنيها, والتي إن تحققت لن يكون لهذا الاعلام والكيانات التي تبثه والداعمة له اي وجود علي الخارطة!!