يعيش العالم العربى مناخاً مأزوماً بعد الثورات والانتفاضات التى وصلت الى الحروب الأهلية والفتنة الكبرى وانعكس ذلك على وسائل إعلامه التى باتت فوضوية مشتتة تفرق أكثر مما تجمع وتفرغ معنوياً بدلاً من أن تصلح فئوياً وتثير العنف الترفيهى بدلاً من الترابط العربى الأسرى وتشيع التعصب المقيت بدلاً من إذكاء روح التضامن والإخاء العربى، وتفشى الصراعات المذهبية بدلاً من تأمين الموائمات العرقية وتعبث بثوابت الأمة بدلاً من تثبتها. وفى تقديرى إن أهم عمليات إصلاح الإعلام العربى ترتكز على ركيزتين أساسيتين وهما التشريعات والسياسات الإعلامية وكذلك الممارسات الإعلامية فنحن على أعتاب أن يتحول المشاهد العربى إلى متفاعل عربى وعلينا أن نعيد وبسرعة زيارة وثيقة الفضائيات العربية ونعمل أسوة بما فعله الأوروبيون فى وثيقة الفضائيات الخاصة بهم (AVMSD) فى تحديث هذه الوثيقة وهى ليست وثيقة«استرشادية» ولكنها وثيقة «توجيهية» أى أن هناك امتثالاً لتوجيهات هذه الوثيقة والتزاماً من البلدان الأوروبية لتطبيق بنودها نحن لا نخترع العجلة من الانفلات إلى التنظيم ومن الفوضى إلى الانضباط وعندنا وثيقة تم أعمال العقل العربى فيها سواء من قطاع الإعلام والاتصال بالجامعة العربية أو اتحاد الإذاعات العربية أو من اللجنة الدائمة للإعلام العربى وكذلك من الجماعة الإعلامية العربية وشخصياً أطالب باعادة صياغة للوثيقة وتنقيحها وتقديمها فطالما كان هناك مجهودات بينية عربية قامت وعلى مستوى رفيع سواء من الممارسين أو الأكاديميين العرب أو الخبراء فمن اللازم عدم هدرها والبناء عليها. أن مسألة ضبط الفضاء العربى تحتاج إلى تدخل فورى من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لأنها مسألة أمن عربى قومى لا تستطيع أن تغيب ضمائرنا أو مسئوليتنا فيه أو العبث بمقدراته. أما فيما يتعلق بالممارسات الإعلامية السالبة والأداء الإعلامى المتدنى والمهنية الصحفية الغائبة فعلينا أن ننظر فى مواثيق الشرف الإعلامية والبينية العربية وكيفية تفعيلها، وكذلك مدونات السلوك الملزمة سواء للصحفيين أو الإعلاميين من خلال وسائلهم الإعلامية وكيفية استقرارها وتعظيم فاعليتها، وبالتالى على منظومة الإصلاح أن تنظر فى البعد البيئى العربى الإعلامى وكيفية تنمية وسائل إعلامه وكوادره ومؤسساته وصناعاته وأعماله وكذلك محتواه. نحن ندعو إلى اعتماد معايير مهنية وأخلاقية واضحة فى العالم العربى من أجل وضع حد لهذا الفراغ سواء فى المعايير أو فى الضوابط وقد لاحظنا ولاحظتم جميعاً أن الإغراق الهائل المتواجد الآن على الساحة الإعلامية له تأثير سلبى على الجانب المهنى ومدى الالتزام بالمهنية الواجبة والاحترافية الغائبة. إننا نعيش عصر الاقتتال والفتنة الكبرى ومن هذا المنزلق الإعلامى يصبح التشكيك هو سلعة الإعلام. وعلينا أن ننظر إلى مسئوليتنا تجاه شعوبنا العربية والى تضامنا مع أفرادها وواجبتنا المستقبلية للأجيال العربية الناشئة وعلينا أن نتبين ماهو حقيقة الخطاب الفضائى العابر للحدود والقوميات بين توظيفه السياسى والعقائدى وبين طرحه للتنمية والتنوير كذلك على واقع السوق التليفزيونية وتمويل الفضائيات فى المنطقة العربية ومابين عادات المشاهدة ومقتضيات الجودة. إن أردنا أن نطور منظومة الإعلام العربى فعلينا أن نعيد الثقة فى إعلامنا المحلى ونحاول أن نستعيد مشاهدينا من كافة الأعمار الذين تسربوا إلى منافذ الإعلام الأجنبى الهوية العربى اللسان. وإن أردنا أن نطور من منظومة إعلامنا العربى علينا أن نعيد التدفق الإعلامى البنى العربى ونكثر من مشاريع الانتاج العربى المشترك وإقامة صناعته. نحن على أعتاب الدخول إلى عصر معرفى لا يمكن إلا وان نكون فاعلين فيه مضيئين ملامحه مشاركين فى نموه داركين لاخطاره وناظرين لفوائده وعلينا أن نصر على تقديم مشروعات معرفية ومعلوماتية تبقى للأجيال اللاحقة. لقد أصبحنا نسابق الزمن لنتبين كيف نتعامل مع التحول من صحافة الحكومة إلى صحافة المواطن وكيف نعمل العقل العربى من الإعلام الى الاتصال وكيف نرسى القواعد العامة من الإعلام التقليدى إلى الإعلام الجديد وكيف نرى إشكالية الإعلام التنموى فى ظل الإعلام الترفيهى وكيف نسهم فى إدارة وتوجيه الدولة فى ظل تنام لوسائل التواصل الاجتماعى ونحاول أن نتعلم كيف أن نخرج من العزلة الإعلامية العربية للمشاركة الدولية العولمية والذهاب من سيطرة المرسل إلى خيار المتلقى والبعد عن الشعارات الواهية وترسيخ الممارسات والأعمال الإبداعية والبعد عن الزائف والتطلع للصادق. إننا نتطلع إلى إعلام أفضل حتى فى ظل قيود وبيئات متغيرة وقاسية. أن الإعلام معرفة والمعرفة قوة والقوة معرفة. أن هذا القرن هو القرن القصير فى عالمنا العربى لتسارع إيقاعاته واحتواء مطلعه على سلسلة فندفعه من الهدم وعدم الاستقرار... نرى أنها بدايات جديدة وفجر مشرق نأمل أن تكون لمستقبل واعد لسرد جديد لثقافتنا العربية التاريخية. أن تحديات ما بعد الثورات العربية والأرهاب وعدم الأستقرار الذى يعيشها العالم العربى يعكسها إعلام المنطقة وقد عرفت بالفوضى الإعلامية التى تؤدى الى تردى الأوضاع وتفضى إلى أسوأ العواقب ونحن نوصى بالآتى: أولا: على الإعلام العربى أن يتوخى منهج الأحترافى والذى يتخذ من المصداقية طريقا والحيادية نبراسا، كما أن الأنفلات الحادث فى الإعلام العربى وخاصة الإعلام الفضائى لا سبيل إلى وقفه وترتيبه إلا من خلال التنظيم والتشريع والضوابط. ومن الضرورى مراجعة قرار اعتبار وثيقة الفضائيات العربية «استرشادية» وجعلها كما كانت «توجيهيه» ومراجعتها وتفعيلها واعتبار ذلك أمرا حتميا وليس وجوبيا فقط. ثانيا: فرض تشريعات قمرية بالغرامة ثم الاستبعاد من القنوات المخالفة وعمل كونسورتيوم فضائى يضم الأقمار العربية لدعم ولتقوية موقفها ومكانتها فى البث الفضائى فى المنطقة العربية. وتفعيل الجهات المدنية الشعبية العربية ومراقبة المحتوى الفضائى والألكترونى وتقوية لجان المجتمع المدنى العربى ودعم تنظيمها الداخلى والإدارى. وإقامة مؤتمر سنوى لتقييم الفضائىات العربية والإعلامية وسبل تنمية الإعلام العربى. وتعزيز الأهتمام ببحوث المشاهدين ومراجعة أهم دراساته وإصداراته وتطويره بما يتلاءم مع ما يتماشى فى قياساته الدولية الحادثة الآن. فضلا عن تعظيم فرص استغلال المشاريع العربية الإنتاجية الإعلامية المشتركة بين مختلف المؤسسات وتشجيع الاستثمار فيها. ثالثا: الاستمرار فى توطين تكنولوجيا الاتصال والإعلام وخاصة فى المجال الإعلامى الرقمى ودراسة معوقات تنميته. ودراسة ما يترتب من آثار على الثقافة العربية واللغة العربية كأحد أهم مكوناتها وتعزيز مداخيل الأخلاقيات الإعلامية فى المنتجات الإعلامية لصيانتها من أى تشويه. وتأمين سياسات الاتصالات وسياسات صناعة المحتوى وسياسات التنمية الإعلامية العربية أسوة بما يحدث فى المنظمات المثيلة. وتأمين السياسات الأعلامية وكذلك سياسات البنية الاقتصادية وكذلك سياسات الموارد البشرية. علاوة على الاستثمار والتوسع فى أرشفة ورقمنة التاريخ الإعلامى وذاكرة لازمة العربية من خلال المشاريع المختلفة. رابعا: الأستعداد لدخول العصر الرقمى بكافة مناحيه والدفع فى الاستثمار وربط شبكات الألياف الضوئية وتعظيم استخدامات التطبيقات الذكية ومواكبة التطور العالمى الحادث وتأهيل الدول العربية من خلال القطاع الحكومى والخاص للدخول إلى المجتمع العربى المعلوماتى وعصر المعرفة. وإعادة تأهيل والنظر فى الاستثمار فى مركز التدريب العلامى العربى على أعلى مستوى عالمى ووضع الخطط والآليات لذلك. خامسا: دفع التعاون والتنسيق ببين الأمانة العامة وقطاع الإعلام والاتصال واللجنة الدائمة للأعلام العربى واتحاد الإذاعات العربية إلى أعلى مستوياته وخاصة فى الوقت الحالى ليتصدى مع وسائل الأعلام العربية إلى الفتنة الكبرى الحادثة الآن ووئدها وتشجيع التكتلات الإعلامية العربية والاندماجات والتحالفات الإعلامية بين مؤسسات إنتاج الإعلام العربى وشركات الاتصالات العربية بكافة أشكالها. والعمل على تقليل الفجوة الرقمية والمعلوماتية وذلك من خلال توحيد الغايات والإمكانات العربية فى مشاريع شبابية إعلامية معلوماتية. لمزيد من مقالات د. حسين أمين