بعد أيام قليلة بمشيئة الله تعالى سنتقبل ضيفًا عزيزا علينا، إنه شهر الصيام والقرآن، وهو فرصة سنوية للاستفادة والاجتهاد في موسم الخير الذي منَّ الله تبارك وتعالى به علينا، فلا بد من تطهير القلوب كي تقبل على الله تعالى بوجه جديد، وتتطهّر من شتى الموبقات، وتتخلص من دنس الذنوب والمعاصي راجيةً عفو ربها، وعلينا أن نرفع أكف الضراعة راجين الله تعالى أن يكشف الغمة عن بلاد المسلمين. فهلا جهزنا العدة للاستفادة والتعرض لنفحات موسم الخيرات، فهذا ضيف عزيز وشهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو شهر البركات والخيرات، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العسرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتُصفّد فيه الشياطين. فلا بد أن نستقبل رمضان بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه، والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات وعن كل ما يؤثر على صيامنا من اللهو واللغو والعبث وارتكاب المحرمات، وينبغي لنا أن نستغل كل دقيقة منه بالإكثار من الأعمال الصالحة، كتلاوة القرآن والذكر والصلاة والصدقة والدعاء وسائر العبادات، فهذا شهر عظيم جعله الله ميداناً لعباده يتسابقون إليه بأنواع الطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات وهو شهر واحد في السنة، أفنبخل على أنفسنا بالاجتهاد فيه والإكثار من الطاعات والعبادات، إن الصيام الشرعي ليس مقتصراً على تجنب الطعام والشراب كما يظنه البعض، بل لابد من إمساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي فليتنبه الإنسان لذلك وليبتعد عما ينقص الصوم ويضعف الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر الذنوب والمعاصي كالتهاون بالصلاة وأكل الربا والظلم وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والتدخين وسماع الغناء ومشاهدة المحرمات من الأفلام غير المنضبطة وغير ذلك مما نهى الله عنه، ليتحقق بذلك معنى الصيام بمفهومة الصحيح. لا بد أن نستقبل شهر رمضان ذلك الشهر الكريم المبارك الذي أنزل الله تبارك وتعالى فيه القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]. هكذا بين الله تبارك وتعالى فضله فمن أعظم فضائله إنزال القرآن فيه وجعله آيات بينات تتضمن سبيل الهداية والفرقان بين الحق والباطل بين الطاعة والمعصية، بين الإيمان والكفر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بفضائله، فيذكر لنا الكثير والكثير: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب السماء"، إشارة إلى استجابة دعاء الداعين، وهكذا تعددت أسباب المغفرة وتنوعت، كأنها تدعو العبد أن يقبل على ربه ويعاهده ويغير من منهاجه ومن سلوكه المعوج طيلة السنة، فجعل الله هذا الشهر فرصة ربما لا تتكرر، ولهذا فمن ضيعها كيف يطمع في فرصة غيرها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجنَّة"، اللهم ارزقنا صيامه وقيامه، وتقبل دعاءنا فيه، وبلغنا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، واكشف الغمة عن بلاد المسلمين، اللهم فرج كرب أهل اليمن والعراق وسوريا وفلسطين وليبيا، ولا تدع لنا ضالا إلا هديته، ولا مظلوما إلا نصرته، ولا جائعا إلا أطعمته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا فقيرا إلا أغنيته، ولا عاريا إلا كسوته، إنك ولي ذلك والقادر عليه. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر