ماهو الشيطان الأشر الذى حاول أن يوحى للعالم بأن مقولة «فاقد الشىء لايعطيه» تنطبق على رحلة مولانا الإمام الأكبر شيخ الأزهر؟ صحيح ان مولانا رئيس مجلس حكماء المسلمين وصل إلى الفاتيكان الاثنين الماضى للقاء البابا فرانسيس..لتجديد الدعوة للحوار والسلام بين الأديان فى العالم، وهو نفس اليوم الذى خرجت النار فيه من تحت الرماد فى قرية الكرم بالمنيا، لكن أحداث قرية الكرم جريمة جنائية ولا علاقة لها بالفتنة الطائفية وان كان أحد أهداف تسويقها إعلاميا هو إظهار بلد شيخ الأزهر بصورة تفتقد ادارة الحوار بين عنصرى الأمة المصرية، وتثبيت التهمة التى ذهب شيخنا الجليل لمحو آثارها فى العقل الغربى، وهو شيطان الفتنة يحاول حصار مهمة شيخ الأزهر والإيحاء بأن فاقد الحوار بين عنصرى الأمة فى بلده لا يستطيع أن يعطيه بين الأممالغربية! وقد سالنى سائل مستغربا اليس ماحدث فى المنيا هو ماحدث فى الكشح والزاوية الحمراء وكنيسة القديسين وغيرها من اعراض الفتنة الطائفية المزمنة، النائمة تحت الرماد والجاهزة تحت الطلب فى أى وقت؟ فأجبته: ومن قال لك إن ماحدث فى المنيا فتنة طائفية؟،إنها حادثة شرف _ كما سجلها يوسف إدريس فى إحدى رواياته _ تحدث فى كل قرى مصر، وجريمة جنائية، قدمت للعالم على نار طائفية هادئة. فالعلاقة التى قيل إنها بداية الأزمة بين أشرف «المسيحى» ونجوى «المسلمة» علاقة عاطفية بطلها الفقر وسوء التربية، يمكن أن تحدث بين مسلم ومسلمة أو بين مسيحى ومسيحية ،وما أكثر حالات الحب والغرام التى انتهت بزواج ناجح بين شاب مسلم وبين فتاة مسيحية أو يهودية، لكن العلاقة هذه المرة سلط عليها الضوء وقدمت على نار طائفية حارقة، أما مشهد السيدة التى جردت من ملابسها جزئيا أو كليا فهو العار بعينه على كل المجتمع، وقد شعر المصريون (مسيحيين ومسلمين) بالإهانة لأنها تجسد حجم الأزمة الأخلاقية والقيمية التى وصلنا إليها، لكن من سوء الحظ أن هذه الأزمات التى يختلط فيها الحق بالباطل يتنفسها المجتمع الصعيدى كل يوم، واجهها المسئولون ببنفس الأسلوب القديم وهو جلسات البوس والقبلات بين قس مسيحى وشيخ مسلم وأيضا دون الخروج عن إطار مثلث الاستسهال! فما معنى مثلث الاستسهال؟ أى أن الجريمة إذا كان طرفاها مسلما ومسلما فالعلاج الشائع بالقانون ، وإذا كانت بين مسيحى ومسيحى فالعلاج من اختصاص الكنيسة، أما إذا كان طرفا الأزمة مسلما ومسيحيا كما حدث الأسبوع الماضى فالعلاج كما كان دائما من اختصاص أمن الدولة التى تقود حتما الى جلسات الصلح والبوس، وتدفن الازمة كل مرة بعد سباق محموم لوضع الرءوس فى الرمال لنصحو بعد أيام على فتنة جديدة! يحدث هذا بعد ثورتين ودستورين وترسانة تصريحات ووعود بان الكل امام القانون سواء ! استغرب صديقى محسن من ابو قرقاص عندما طلبت منه أن نسافر معا الى الكرم ضمن وفد الأهرام لإطفاء النار فيها قبل استفحال الأمر، ولنؤكد دعم الأهرام للدولة المصرية وضد الطائفية، وفوق القبلية، فاستغرب محسن بدهشة، وحكى : حين كنت طفلا صغيرا كانت هوايتى أن ألقى على الكنيسة قراطيس التراب، وكانوا يكتفون بتوبيخنا وحين كبرنا وعرفنا اللعب فى الشارع كنا نلعب فريقين فريق مسلم وفريق مسيحى، وتكرس هذا الانقسام حين كانت المدرسة تنادى على إخواننا المسيحيين بالخروج فى أثناء حصة الدين ، وعندما صار لى صوت انتخابى شاهدت أمام عينى شيخ البلد يسأل صديقى المسيحى: انتخبت من يا سيف؟ فيرد سيف: انتخبت عمى وهدان، فيتلقى صفعة على خده الأيمن مصحوبا بركلة وأمر أن يغور بعيدا عنه، فيدير خده الأيسر وينصرف باكيا لا يلوى على شىء! والفرق بين محسن وبين الذين أشعلوا النار فى بيوت الكرم أنه سافر وتعلم ووجد فرصة عمل بالقاهرة وتعاملت بوعى ومصلحة مشتركة مع إخوته المسيحيين ،أما إخوانه فى الكرم فهم كبروا وتناسلوا وتكاثروا فى نفس الحارة الضيقة لكن البيوت طالت، وبعد أن كانت من دور واحد صارت بالمسلح من أربعة وخمسة أدوار، الأعداد زادت وبقيت التقسيمات كما هى، فالحل يكمن فى مواجهة من الجذور، تجديد الخطاب التربوى والقضاء على ثقافة اللعب بالتقسيمات سواء لعبنا بقراطيس التراب أو انعزلنا فى حصة الدين أو لعبنا بالكرة الشراب، وتوفير فرص العمل التى تستوعب الطرفين، وتحكيم القانون على الجميع دون تمييز أو تبويس، فماحدث فى الكرم الأسبوع الماضى مجرد تقسيمة من هذا النوع، تنتشر فى القرى الضيقة والمجتمعات الفقيرة، ولا علاقة لها بالفتنة الطائفية التى أريد بتأجيجها تشويه مهمة شيخ الأزهر! فالدكتور أحمد الطيب ذهب الى أوروبا يدافع عن سمعة المسلمين التى تلاحقهم تهمة الإرهاب أينما وجدوا فى أنحاء العالم عامة وأوروبا خاصة، التى فتحت لهم ذراعيها للعمل والعلم إقامة ومهجرا، ذهب لترميم علاقة الأزهر بالفاتيكان وإحياء الحوار بين الأديان بعد قطيعة مع البابا السابق منذ أن استغل حادث كنيسة القديسين بالاسكندرية عام 2006 وطالب العالم المتمدين بانقاذ المسيحيين فى الشرق من ارهاب المسلمين، ومايكاد امامنا الأكبر يستأنف حوار التعايش والسلام وينتقل إلى فرنسا داعيا المسلمين باحترام ثقافات الشعوب والإندماج فى مجتمعاتهم إلا و نار الفتنة تشتعل بقرية الكرم وتحرص فضائيات الفتنة وزماروها فى مصر وشياطين الأنباء الغربية على تسويق الحادث على أن تعرية سيدة أشد ضررا على السلام العالمى من رفض أوباما الاعتذار عن إحدى جرائم بلاده ومنها جريمة مقتل سبعين ألف يابانى فى هيروشيما ونجازاكى بقنبلة نووية قبل سبعين سنة! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف