«الفرصة الأخيرة».. إغلاق موقع تنسيق الشهادات الأجنبية 2024 اليوم (رابط تسجيل الرغبات)    مجانا من بريطانيا.. الصحة: منحة للأطباء للحصول على ماجستير (الشروط ومواعيد التقديم)    عاجل - تحديثات أسعار العملات العربية الأجنبية اليوم    سي إن إن: إسرائيل تقف وراء انفجارات البيجر في لبنان    البيجر.. جهاز حزب الله الآمن يتحول لقنبلة في يد أعضائه    بالتزامن مع تفجيرات البيجر.. إصابة 14 شخصا في سوريا    أعضاء في الكونجرس الأمريكي يدعون لضمان الحماية الرئاسية لترامب    «وهبَّت تتواصل» مدينة السلام (29)    تشكيل باريس سان جيرمان المتوقع أمام جيرونا في دوري أبطال أوروبا    فاروق جعفر يهاجم مجلس الزمالك بسبب نجله    السيطرة على حريق شب في مضرب أرز بحلوان    حبس مسجلين خطر لسرقتهم بطاريات السيارات بمصر القديمة    السفيرة الأمريكية بالقاهرة تعلن عن شراكة مع مصر لحفظ التراث الثقافي    مصرع شاب في حادث تصادم سيارة ودراجة بخارية ببورسعيد    متهم بالتحرش وأتباعه من المشاهير.. من هو الشيخ صلاح الدين التيجاني وماذا فعل؟    الليلة.. الشاب خالد ضيف «بيت السعد» على MBC1    طبيب يحذر: المضادات الحيوية تكافح البكتيريا ولا تعالج الفيروسات    وزير التعليم العالي يعلن صدور عدة قرارات جمهورية بتعيين قيادات جديدة    جهاز تعمير سيناء ينفذ 9 مشروعات بالإسماعيلية بتكلفة 185.5 مليون جنيها    نادي الألعاب الرياضية بدمنهور يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف    بينهم سيدة.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالوادي الجديد    رفع 366 حالة إشغال طريق بالدقي| صور    بعد قليل.. بداية خسوف القمر في 10 مناطق ضمنهم مصر- تفاصيل    محافظ الوادي الجديد يُكرم أوائل الثانوية العامة 2024- صور    موعد مباريات اليوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    محامي رمضان صبحي يكشف تفاصيل استئناف منظمة مكافحة المنشطات ضد براءته    حفلة أهداف.. الشباك تهتز 28 مرة في أول أيام منافسات دوري أبطال أوروبا    موعد مباراة مانشستر سيتي وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    ملف رياضة مصراوي.. أول ظهور لفتوح.. برنامج شوبير.. والمنشطات تصدم رمضان صبحي    خسوف القمر 202: اللهم اجعل هذا الخسوف رحمة علينا ولا تجعله غضبًا يا رحيم    50 جنيها زيادة جديدة في سعر أسطوانات البوتاجاز المنزلي، والتجاري 100%    أولى فعاليات مبادرة بداية بكفر الشيخ.. المحافظ يناقش 10 شكاوى فى لقاء المواطنين    ملخص وأهداف مباراة مانشستر يونايتد ضد بارنسلى    محافظ الإسماعيلية يوجه بضم فرقة القلوب البيضاء لذوي الهمم إلى عروض المهرجان الدولى للفنون الشعبية    عادات ستجعلك أكثر نجاحًا..أهمها التخلي عن وهم السعادة    محافظ أسيوط يشهد احتفالية تدشين المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الانسان".. صور    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 بعد تراجعه بمستهل تعاملات الاربعاء 18 سبتمبر 2024    د.حماد عبدالله يكتب: ممكن من فضلك" التنحى " عن الطريق !!    مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة يؤكد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية    نظام غذائي يزيد من خطر الإصابة بالسكري    عواقب صحية خطيرة للجلوس على المكاتب..تجنبوها بهذه التمارين البسيطة    "الأسرع انتشارا".. متحور جديد من فيروس كورونا يضرب دول العالم    حظك اليوم| الأربعاء 18 سبتمبر لمواليد برج الحمل    وزير الأوقاف يستقبل رئيس مجلس المتحف الدولي للسيرة النبوية لبحث التعاون المشترك    شاهد اللقطات الأولى من حفل زفاف بينار دينيز وكان يلدريم (فيديو)    أحمد أيوب لإكسترا نيوز: مبادرة "بداية" فكر وعهد جديد يتغير فيه مفهوم الخدمة المقدمة للمواطن    محافظ الغربية: أعمال التوسعة بحي ثان طنطا ستساهم في إحداث طفرة مرورية    هل يدخل تارك الصلاة الجنة؟ داعية تجيب: «هذا ما نعتقده ونؤمن به» (فيديو)    احتفالية دينية في ذكرى المولد النبوي بدمياط الجديدة.. صور    إصابة شخصان إثر انقلاب دراجة بخارية بالمنيا    اليوم.. انقطاع المياه لمدة 10 ساعات بمدينة الفيوم    آداب عين شمس تطلق دورة للإرشاد النفسي للأئمة والواعظات بوزارة الأوقاف    تساعية البايرن وفوز الريال.. نتائج مباريات دوري أبطال أوروبا    وزير الخارجية اللبنانى: نتحضر لرد انتقامى ضد إسرائيل    محافظ قنا يشهد انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان    مع بدايته الأربعاء.. كيف تؤدى صلاة خسوف القمر والأدعية المستحبة؟    رئيس الوزراء يلقي كلمة في احتفالية إطلاق المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية "بداية"    فضل دعاء الصبر على البلاء وأهميته في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أسامة الأزهرى فى ندوة ب «الأهرام»:
العشوائية وغياب الرؤية سمة مبادرات تجديد الخطاب الدينى
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2016

فى مسألة تجديد الخطاب الدينى حمل رئيس الجمهورية العلماء المسئولية أمام الله، وفى لقاءات وخطابات متكررة طالب المؤسسات الدينية بمضاعفة الجهود لتصويب هذا الخطاب وتصحيح صورة الإسلام.. كيف يرى الرئيس حجم الإنجازات فى هذا الملف؟
نحن أمام قضايا حقيقية مشتعلة فى حاجة إلى رصدها ومعرفة واقعها ووضع رؤية سديدة وتحويل الإرادة إلى إدارة، وإذا اختلت هذه الخلفية ستكون هناك مجموعة أعمال عشوائية، وقد تعلمنا أن الوعى قبل السعي، والإمام البخارى يقول فى الجامع الصحيح باب العلم يسبق القول والعمل. والرئيس مهموم بهذا الملف إلى ابعد حد وهذا ملموس وواضح فى انه قد لا تكون هناك قضية ألح على الكلام فيها وطرقها فى كل خطاب مثل قضية تجديد الخطاب الديني، والسبب فى ذلك أن هناك معادلة مكونة من قضايا محددة ووقت زمنى ومطلب وطنى ملح على أن يكون هناك انجاز فى هذه القضايا وفى الوقت نفسه وجود تأخر كبير فى صناعة انجاز ملموس فى تلك الأمور. والتكليف المباشر الذى شرفنى به الرئيس: هل هذه المؤسسات تحتاج إلى دعم؟ هل تنقصها رؤية؟ هل تحتاج إلى تنسيق أو سند تشريعى من البرلمان أو تمويل أو خبرات معينة فى النواحى الإعلامية والإدارية؟ ولأرفع له رؤية واضحة فى هذا الأمر حتى نتحول جميعا إلى الانتقال من اللوم والعتب إلى المصارحة وتوفير كل المتطلبات التى ربما تكون قد تسببت فى التأخير، وبالتالى فمهمتى استعراض عمل المؤسسة والوصول إلى كل نقطة تعوق وتعثر وتؤخر الانجاز والبحث عما يمكن تقديمه لكل مؤسسة على حدة بما يجعلها تنهض.
ألا ترى أن مبادرات التجديد ومحاولات تفكيك الفكر التكفيرى ما زالت مرتبكة وعشوائية ومتكررة ولم تحقق أثرا ملموسا على أرض الواقع؟
هذا توصيف صادق، فكل المبادرات التى تم تقديمها إلى الآن لتجديد الخطاب الدينى لم تملأ الفراغ، فما زال الفراغ أكبر بكثير من كل ما تم تقديمه الآن من مختلف الشخصيات والمؤسسات والجهات المنوط بها القيام بهذا الأمر، مع تأكيد التقدير والاحترام لكل من قدم أطروحة أو رؤية، لكننا ما زلنا ندور فى فلك الاشتباك مع الفكر المتطرف، ولم نجن إلى الآن ثمرة واضحة فى محاصرته أو تفكيكه أو انحساره أو وزواله، ما زالت أطروحات ورؤى وأحلاما وأمانى لم تتحول بعد من حيز الإرادة إلى حيز الإدارة، و ما زال الخطاب الديني- على يد كل القائمين به- يدور فى فلك المجابهة والرد والتفنيد والتفكيك لهذا الفكر، فى حين أن الفكر المتطرف مازال يسبق بخطوات كثيرة وسرعة فائقة ويحرز انتصارات كبيرة فى الفراغ الالكترونى والسوشيال ميديا على وجه الخصوص، وينجح كل يوم فى اختطاف وسرقة عقول مصرية أصيلة وتحويلها إلى قنابل موقوتة.
من تقدموا بأطروحات التجديد، هل وجدت لهم أطروحات جاذبة ومنطقية ومتجددة دائما، أو استطاعوا تقديم هذا المحتوى على السوشيال ميديا وتويتر؟
أقول بكل ثقة: لم يتم هذا الأمر الآن، نحن أمام مؤسسات كبيرة على رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر ومشيخة الطرق الصوفية ونقابة الأشراف، ومع ذلك لم نر الأثر الملموس لكل هذه المؤسسات الجليلة الكبيرة فى الميدان الحقيقى للصراع على السوشيال ميديا وتويتر، وتلك المؤسسات تضع أيديها على كنز كبير من العلوم والمعارف لكن لم يتم تحويل هذه العلوم والمعارف والذخائر إلى سلاح فعال فى وجه تيارات التطرف إلى الآن. وكل هذا ونحن ما زلنا فى إطار المجابهة والتفنيد وإطفاء نيران التطرف بينما التجديد الحقيقى للخطاب الدينى يتمثل فى قفزة أخرى بعيدة الأمد لم يبشر أحد بها ولم تطل برأسها إلى الآن.
وما تلك القفزة المأمولة؟
عودة عقل الإنسان المسلم إلى صناعة الحضارة، فلا بد من الفراغ سريعا من قضية تفنيد الفكر المتطرف وإطفاء نيرانه والانتقال سريعا إلى إعادة تثبيت أركان وأعمدة شخصية الإنسان المصرى التى تعرضت فى العقود الماضية إلى كم كبير من التجريف والتصحر وبهتت فى نفوس قطاعات عريضة. وأهم خطوات التجديد جلاء وإبراز معالم وأعمدة شخصية الإنسان المصري، ذلك الإنسان المتدين تدينا يصنع الحضارة، والرائد والعبقرى الشغوف بالعلم والمعرفة، والوطنى شديد الوفاء والانتماء، والمبدع فى العلوم فى شتى المجالات والتى انتهت بتشييد الهرم الأكبر ومسجد السلطان حسن وسور مجرى العيون، حيث إن إعادة بناء شخصية الإنسان المصرى تجعله غير قابل للتطرف أو أن يخترق أو يحتل من أى تيار متطرف، إذن نحن أمام مهمة كبيرة لم نبدأ فيها بعد ولم نر إلى الآن أحدا يضعها فى بؤرة الاهتمام وهى إطفاء نيران التطرف كخطوة أولي، ثم الانطلاق السريع نحو تثبيت دعائم الشخصية المصرية، ثم القفزة الكبيرة إلى إعادة تشغيل مصانع الحضارة فى عقل الإنسان المسلم وكيف يستطيع أن يحول آيات القرآن الكريم إلى مستشفيات ومراصد فلكية ومدارس تعليم ووقفيات لرعاية الإنسان وانطلاقة هائلة فى التعليم والبحث العلمي.
ولماذا يغيب التنسيق بين المؤسسات الدينية فى هذا الشأن حتى أننا نرى توصيات متكررة ومتشابهة ووثائق متعددة من مؤتمر إلى آخر وتبقى جميعها حبيسة الأدراج وتعزف كل مؤسسة لحنا منفردا عن الأخرى حتى فى مسألة تسيير القوافل الدعوية، بماذا تفسر ذلك؟
كان الشاعر قديما يقول بيتين من الشعر وكان صادقا فيهما: درجنا على فوضى أضاعت جهودنا وغالوا بترتيب الجهود وأقدموا. وقد يرجع الحق المشوش خائبا وينتصر البطلان وهو منظم. ولاشك أن هناك بعدا مفتقدا أدى إلى هذه النتيجة التى تفضلتم برصدها والتى صارت واضحة لا تخفى على العيان نحن أمام مؤسسات شامخة وعريقة وكبيرة لكن نعم تعمل فى الأعم الأغلب فى جزر منعزلة نتيجة عدد من الأمور، منها الرؤية التى هى مرتكز الإدارة الصحيحة لأى ملف أو مشروع أو عمل، وأى عمل فى أى مشروع لم يخطط له تخطيطا صحيحا ولم توضع له رؤية من البداية متقنة يتحول إلى عمل عشوائي، والانطلاق إلى نمط من الأنشطة والندوات والفعاليات والمؤتمرات دون وجود رؤية مسبقة واضحة ومتقنة ومدروسة يحول هذه الأنشطة الى عمل عشوائي، ومن ضمن أسس هذه الرؤية وجود ما يسمى بالمنظومية التى معناها توزيع المهام وتنسيق الجهود وتوزيع العبء الكبير على عدد من الأكتاف التى تستطيع أن تنهض به، وقيام كل مؤسسة بجزء يفضى فى النهاية الى تحقيق الرؤية الكاملة التى جلسنا واتفقنا عليها، اين هى هذه الرؤية؟ هل هذه الرؤية تم الانطلاق منها. إن خبراء الإدارة الانجليز يقولون “وضع الرؤية قد يستغرق سنة والتنفيذ قد يستلزم يوما”، وفى الحالة المقابلة فان الاستسهال وعدم الإتقان فى وضع رؤية واضحة يؤدى الى التخبط لمدة سنة ثم لا نصل إلى شيء.
ومؤسساتنا الدينية بكاملها فى اشد الحاجة إلى رؤية منظومية شاملة وواسعة وجامعة ربما أمكن الوصول إليها بورش عمل وجلسات علمية رصينة او من خلال رؤية خلاقة إبداعية تحظى بالقبول فنعتمدها ونزيدها اتقانا ثم ننتقل بها إلى التنفيذ والتطبيق، والعلماء الكبار عبر التاريخ الذين شيدوا تاريخ هذه المؤسسة كانت عندهم رؤية واضحة تماما، والإدراك السليم للواقع ورصد تضاريسه الكاملة بصورة كاشفة وصادقة ما زال متأخرا إلى حد كبير، ويجب أن نحدد أولا ما هو حجم تيارات التطرف وما هو مقدار التحديث اليومى الذى تقوم به من استخراج مقولات وأفكار لاختطاف الشباب؟ والتحديث يتم عند تلك التيارات على مدار الساعة. فى المقابل هناك “نفس” من الإلحاد يسرى بين قطاعات مختلفة من الشباب لم يتم رصد أبعاده وأحجامه ومنطلقاته وأفكاره ومقولاته وكتاباته، وهناك تجريف لمعالم شخصية الإنسان المصرى لم يتم رصد درجاته وأبعاده وعمقه ودوائر اتساعه، هناك صدأ كثيف خيم على عقلية الإنسان المسلم فصار يمارس التدين مختزلا فى الشعائر ولا يصنع منه حضارة أو حرفة، أمثال هذه المفاتيح والنقاط نصنع منها رؤية واضحة للاشتباك القوى بالواقع ورصده وتقنينه.
وما رؤيتكم لوثائق التجديد التى صدرت؟
كل ما صدر من وثائق وتوصيات نشكرهم عليه، لكن يبقى سؤال محدد لا ثانى له المعيار الوحيد لنجاح برامج وخطط العمل الدينى فى مصر أن يشعر الناس بانحسار تيارات التطرف الدينى وان الأطروحة الاخوانية التى ما زالت تشوه مصر فى الداخل والخارج قد تم تفكيكها بالفعل. أن تشعر بأن الإنسان المصرى قد بدأ يعود إلى حالته وتماسكه النفسى وإذا لم يتم تحقيق انجاز على هذا المستوى فكل البيانات والتوصيات والوثائق تظل أوراقا مكتوبة، ولم يتم إلى الآن الشعور الحقيقى بعمل يثمر تفكيك الأطروحة الاخوانية.
معنى ذلك أن أيا من مبادرات المؤسسات الدينية لمواجهة التكفير لم تحقق النجاح المطلوب حتى الآن؟
فى تقديرى ان المؤسسة الوحيدة التى يمكن أن تكون قد قطعت شوطا فى هذا الميدان وأخذت خطوة فى هذا الاتجاه دار الإفتاء المصرية، نتيجة أنها قامت بإنشاء مرصد للفكر التكفيري، وتلك كانت نقطة البداية، معناه ان الميكروسكوب قد صار مسلطا على التيارات التكفيرية يراقبها عن قرب، هذا المرصد هو الذى يفرز لنا الإشكالات المحددة التى تحتاج إلى إجابة وعمل، ثم بدأت دار الإفتاء تطلق مرصد “الاسلاموفوبيا”، ثم أطلقت صفحة داعش تحت المجهر بالانجليزية، فضلا عن الصفحة المصرية التى تقدم فيها الفتاوى التى فيها عدة ملايين من المتابعين ويبذل فيها مجهود لا بأس به، ومن هنا فإنه يمكن وضع رؤية وبرنامج عمل ثم يتم توزيع برنامج العمل على كل المؤسسات القائمة حتى تتحول الأنشطة المبعثرة إلى رؤية منظومية ثم الى عمل تراكمى ويمكن خلال بضعة أشهر قياس جودة أداء العمل، ولعل هذه الخلفيات تقرب ما أريد أن أقول من أننا أمام مؤسسات عريقة لها جذور ضاربة فى أعماق التاريخ المصرى ووجدان الناس لكن ما زال يفصلها عن الواقع مسافات هائلة. وهذا الواقع يزداد تعقيدا كل يوم وما زالت مؤسساتنا إلى الآن لم تبذل الجهد الكافى لتصوير الواقع على ما هو عليه فضلا عن صناعة رؤية لكيفية التفاعل معه.
وماذا عن القوافل الدعوية التى يسيرها الأزهر والأوقاف فى مختلف المحافظات لمواجهة الفكر التكفيري؟
تجديد الخطاب الدينى ليس مجرد قوافل أو برامج فى الإعلام بل هو عمل علمى من الوزن الثقيل يشتمل على صناعة علمية ثقيلة وتحويل فلسفة التعليم حتى تكون قائمة على أساس من الإبداع والثقة فى الذات وامتلاك مفتاح المعرفة والقدرة على الاشتباك مع الفلسفات فى العالم دون خوف وعدم الاستسلام لنظرية المؤامرة، وعدم الاستسلام للتدين المغلوط الذى جعل صورة هذا الدين فى نظر العالم فى غاية القبح والسوء. وأقول ما لم نبدأ العمل على ملاحقة ومحاصرة ومطاردة الفكر المتطرف فى السوشيال ميديا فلن نصنع شيئا؛ لأنه الميدان الحقيقى الذى يتم من خلاله اختطاف العقول، وكل أعمال محاربة هذا الفكر خارج هذا الميدان تعد خارج نطاق المواجهة الحقيقية. وهناك عتب كبير على مؤسساتنا الدينية كاملة أنها ليس لها أى مجهود يلحظ على السوشيال ميديا ولم تبدأ المواجهة الحقيقية باستثناء دار الإفتاء التى أشيد بتجربتها وشاركوا فى مؤتمرات بالأمم المتحدة. وعندما يطلق الأزهر صفحات موازية تضم كل صفحة على اقل تقدير 30 مليون متابع وتكون الصفحة بالعربية والانجليزية وتطلق مثلها وزارة الأوقاف وجامعة الأزهر ومجمع البحوث تكون هناك مواجهة حقيقية للفكر الإرهابي.
إذا كان دعاة الإرهاب تسيدوا السوشيال ميديا فلماذا لا تستعين هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث بشباب الأزهر الأكثر الماما بوسائل الاتصال الحديثة، وإذا كان اقل الأعضاء سنا تجاوز 65 عاما فبماذا تفسر غياب الشباب والمرأة أيضا عن عضوية تلك الهيئات العلمية الجليلة، خاصة ان عدد أعضاء هيئة كبار العلماء الذى ورد بقانون تأسيسها لم يكتمل بعد؟
الشباب المصرى يمثل طاقة جبارة وطموحا واسعا وحالة من التوقد النفسى والذهنى والمعرفى والقدرة على القراءة والمتابعة والمشاركة والتدوين والانفتاح على العالم، وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث إذا كان هناك أى رؤية علمية لتشكيلهما ووضعهما فلابد من وجود مكتب مساعد وهيئة باحثين مساعدين لهيئة كبار العلماء من الشباب، لا اعتراض على قضية السن لا اعتراض على الوضع الحالي. والهيئة من المفترض أن يكون تشكيلها أربعين الآن عددهم 22 لا بد من إكمال هيئة كبار العلماء. كما أنه لا بد من تحويل كل واحد من كبار العلماء الأربعين إلى رأس مؤسسة بحيث يكون موجودا بجواره نماذج من العبقريات الأزهرية الشبابية النابغة التى أثبتت نبوغا باهرا ويتم تشكيل مكتب لهم، بحيث انه إذا كان حول كل واحد من العلماء الأربعين عشرة من الشباب الأزهرى النابغ نحن إذن سنكون أمام 400 شخصية شابة تصلح ان تكون هى القيادات الأزهرية المستقبلية. ان تكون هى هيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث فى المستقبل، ومن الممكن أن يمثل هؤلاء الشباب المساعدون الباحثون حلقة الربط بين كل واحد من كبار العلماء وعالم السوشيال ميديا ومقولات داعش اليومية، والجسر الذى يصور الواقع ويرفعه ويستفيد من هذه الخبرة العميقة لكبار العلماء فى كيفية معالجة هذا الواقع. هل اعتبرها توصية تنطلق من جريدة “الأهرام” العريقة، هل اعتبرها رؤية أو مقترحا، سمها ما شئت لكن هى حلقة مفتقدة بلا شك. وكذلك دور المرأة فى هذا الفريق المساعد لهيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث لا بد أن تكون حاضرة. وعدم وجود السيدات الأزهريات فى مجمع البحوث علة غير صحيحة. وتاريخ المسلمين يذكر بكل اعتزاز نماذج الدور النسوى فى خدمة العلوم.
بدا لنا من حديثك عن منابع وأصول الفكر الإرهابى والإلحاد أن هناك مجموعة متناقضات وكأنهم كلهم تجمعوا فى سلة واحدة لتخريب العقل المصري، هل الركون إلى نظرية المؤامرة دائما يتعلق بالإسلام وانه مستهدف دائما، بينما الآخر يتهمنا بالتخلف ويقول أليست المشكلة فى المنهج بجذوره؟
نظرية المؤامرة وتحميلها العبء نمط من التفكير المتهرب من الواقع العاجز عن المواجهة الذى يريد شماعة ليعلق عليها الإشكالية، والقضية ليست فى مجموعة أمور متناقضة من الإخوان إلى داعش إلى الإلحاد بل إن القضية هى نفس المنهج الذى نتكلم عنه منذ قليل. حينما نريد أن نرصد رصدا دقيقا ما حدث فى عقلية ونمط تفكير المصريين والتدين فى مصر على مدى ثمانين سنة مضت سنلاحظ أنه عند نقطة معينة بدأ ظهور نمط من الخطاب موصوف بثمانى صفات، وله عدد من السمات بدأ أولا بالحماس الأهوج، ثم الاندفاع الطائش، وغياب أدوات فهم الوحي، والتباس الواقع بصورة شديدة، وغياب مقاصد الشرع عن الأفق ومنظومة التعليم، ثم اللامعقولية. وبدأ هذا النمط من الخطاب يولد مجموعة أطروحات صادمة للعقل ومفعمة بالعنف والقبح والدماء والاحتقار والوحشية والفظاظة، ثم انتهى هذا التعقيد المبنى على كل الأسس الماضية إلى توليد خطاب موصوف بالقبح، الذى جعل الخطاب فى مجمله صارخا وصادما ودمويا وعنيفا، مثل هذا الخطاب المبنى على أطروحات حسن البنا وسيد قطب وأبى الاعلى المودودى روج للجهاد وأحداث الفنية العسكرية، نحن أمام ماكينة هائلة تعمل على مدى ثمانين عاما لتوليد أفكار وأطروحات وأدبيات وقصائد ومواقف حتى جعلت الثقافة الشائعة فى الفكر الدينى شديدة القبح، ثم ازدادت حدة الأمر فى الأربع سنوات الأخيرة مع صعود التيارات الإسلامية واشتعال الأمر بصورة حادة وبدأ هذا القبح يتحول من وجود فكر كامن إلى شيء صارخ وصادم يطل على المصريين كل صباح ومساء، ثم جاء فشل الإخوان وسقوطهم بما زاد الأمر اشتعالا وجعلهم يندفعون إلى إخراج العنف الكامن فى بنية الفكرة عند سيد قطب وأبى الأعلى المودودى وحسن البنا وقد وصفهم القرآن الكريم “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” فقد وصف لنا القرآن الكريم نمطين من التدين، الأول موصوف بقوله تعالى “فبما رحمة من الله لنت لهم”، فجعل الفقه والفكر الذى أتى به هذا الدين ملخصا فى كلمة الرحمة واللين، وفى المقابل نجد نمطا آخر من التدين المزيف يتلخص أيضا فى كلمتى الفظاظة والغلظة: “ولو كنت فظا غليظ القلب” ثم بين انه يترتب على الفظاظة والغلظة أثر مباشر، لانفضوا من حولك.. وانفضوا من حولك هى بداية ظاهرة الإلحاد، والتى تدور حول 70 إشكالية، جعلتنا امام أربع شرائح من الملحدين، الأولي: ملحد مطلق ينكر وجود الله تماما، الثانية: ملحد ربوبى يعترف بوجود الربوبية ولكنه يجحد الرسالات والوحي، والثالث: ملحد لا أدرى الذى وصل إلى حالة من الحيرة المطلقة التى جعلته يأخذ قرارا بتجميد قضية الدين بالكلية إلى أن يصل إلى شيء، والشريحة الرابعة: ليس ملحدا فى الحقيقة، لكنه إنسان وصل إلى حالة من الانفجار النفسى مدمر نفسيا لا يجحد وجوده لكنه تحملت نفسيته أعباء فى أربع أو خمس سنوات ماضية دمرت تماسكه النفسي، فصد عن كل شيء، وهذه الشريحة قد تكون الأكبر، ثم هى ليست قضية مؤامرة بل قضية حراك علمى معرفى نحن غائبون عن الاشتباك معه على مستوى فلسفى عميق يستطيع أن يقدم أطروحة علمية معقولة منطقية دقيقة رصينة تستطيع ان تفكك هذه الأطروحات الفلسفية وان تثبت موضع قدم لفكرة الإسلام وعقائده ومبادئه وقضاياه، وعند إرادة وجود خطاب دينى حقيقى وعمل تجديد حقيقى لا بد من وجود بنية علمية تصنع العقل المسلم بحيث يكون قادرا على الانفتاح على تلك الفلسفات، ليس موقف الإنسان المتقوقع الخائف من وجود مؤامرة بل عقلية الإنسان العلمى الواثق الواسع الأفق القادر على أن يكون منفتحا على تلك القراءات الفلسفية ويقرأها بعمق، وان يقدم رؤية مقابلة لها وزن ومصداقية.
معنى ذلك أن العلم سيكون طريقنا إلى الإيمان وفهم الإسلام. وان العلم الإسلامى يجب أن يقدم بديلا للعلم والفكر الغربى الذى بشرت بعض أدبياته إلى صدام وصراع الحضارات؟
بلا شك فى ذلك فضلا عن انه إذا بدأنا نأخذ خلاصة رسائل حسن البنا فى المؤتمر الخامس سنجد أنها هى بعينها أطروحة سيد قطب فى ظلال القرآن، وأنها هى بعينها أطروحة داعش فى كتاب إدارة التوحش، وأنا ما زلت أؤكد قضية الربط والنسب المعرفى العلمى بين تلك الأطوار الثلاثة، البذرة التى وجدت عند حسن البنا والتى نفخ فيها النيران سيد قطب فى ظلال القرآن والتى دخلت إلى حيز التنفيذ عند داعش.. اذا قرأت هذه الأطروحات الثلاث ستجد أننا أمام رؤية يمكن أن تلخص فى كلمة واحدة ويعبر عنها سيد قطب بوضوح ألا وهى “حتمية الصدام”، وهى بعينها نفس الأطروحة التى يتحدث عنها صمويل هنتنجتون فى صدام الحضارات والتى تبناها جورج بوش، إذن نحن أمام نمط فلسفى يرى أن الكون قائم على الصراع، بينما القرآن الكريم بين لنا أن علاقة الحضارات والشعوب والأمم قائمة على التعارف، فرب العزة يقول “ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا “ وهذا الفكر المخالف جاء ليقول جعلناكم شعوبا وقبائل لتتصادموا. ولو نزعنا غلاف صمويل هنتنجتون ونزعنا غلاف حتمية الصدام عند سيد قطب وقرأنا هذا وذاك سنجد أننا أمام فكرة واحدة لكن هذا يدخل إليها من مدخل فلسفى وهذا يدخل إليها من آيات وأحاديث بفهمه السقيم المغلوط. اذا وضحت هذه الأطروحة المعقدة المتشابكة التى تطل بوجهها على فكر التيارات المتطرفة عندنا، والتى تفضى فى مسارها الأخير إلى داعش والتماس مع فلسفة الحداثة فى حتمية الصدام وتولد فى المقابل فكرة الإلحاد، فأين عقلية التدين الرصين عند الإنسان المصري؟ إنها الصنعة المعرفية العلمية التى كان الأزهر يصنعها فى نفوس أبنائه عبر ألف سنة قبل ان تولد مرحلة الثمانين سنة كل هذا النتاج المشوه.
وماذا عن اللجنة الدينية فى مجلس النواب وما برنامج عملها؟ وهل نحن بحاجة إلى تشريعات جديدة تنظم عمل الفتوى وتنهض بالمؤسسات الدينية؟
الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية شارك فى المؤتمر الأخير وقال كثرت المبادرات والمؤتمرات والاحتياج فى هذه الفترة إلى وجود عمل ملموس، وهذا الكلام من الدكتور أسامة العبد ليس مجرد رأى شخصى منه بل هو معبر عن اللجنة الدينية، ومهمة اللجنة الأولى المنوط تحقيقها هى دراسة خطط العمل كما فعلت فى برنامج الحكومة وبرامج الوزارات وخطط العمل ومدى إتقانها وتنفيذها ثم متابعة دورية للتنفيذ و الأداء، وفور تشكيل اللجنة الدينية وضعنا خطة عمل تشتمل على 15 عنصرا هى مجال العمل خلال المرحلة المقبلة تضع المؤسسات الدينية أمامها بصورة كاملة، ومنها دار الإفتاء وهى فى حاجة ملحة إلى دعم تشريعى كبير وقد يأتى فى آخرها عدم وجود آلية آمنة ودقيقة وقناة واضحة ومحددة يصل بها صاحب الفتوى إلى إجابة محددة من مرجعية علمية أصيلة وكيف يمكن ضبط العشوائية فى الفتوى وتحديد الآليات التى توصل المواطن إلى هذه الرؤية. وسننظر هل يكون بقانون يحظر الفتوي، وقد يوجد التشريع وتظل فوضى الفتاوى قائمة لأن الأزمة 90 % منها ترجع إلى الإدارة الإعلامية فى المقام الأول، والملف المؤلم هو قناة الأزهر الفضائية التى تم الإعلان عنها منذ 3 سنوات والى الآن لم تر النور ولسبب غير معلوم وغير مفهوم. هذه القناة إذا كانت قد رأت النور وحظيت بالقامات العلمية الكبيرة التى تستطيع أن تصنع منها نجاحا كانت ستتحول بالتدريج إلى مرجعية علمية أصيلة يتضافر على تغذيتها دار الإفتاء ومشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف بحيث تقدم للمواطن المصرى وجبة مأمونة من الفهم والفكر والموعظة والفتوى لكن لم تخرج هذه القناة إلى النور وما زالت متعثرة إلى الآن، ولذلك فى تقديرى الشخصى أن الأمر إذا أردنا ان نتكلم عن وجود انضباط فى الفتوى نعود مرة أخرى إلى مشيخة الأزهر والنداء الحار الذى نقول فيه أين قناة الأزهر الشريف المعطلة إلى اليوم؟!
وماذا عن مبادرتك بتأليف كتاب عن الشخصية المصرية؟
عكفت على مدى شهور ممتدة فى دراسة دقيقة متأنية لشخصية الإنسان المصرى للوصول إلى العناصر والأعمدة الرئيسية لهذه الشخصية وما الذى طرأ عليها فى الخمسين سنة الأخيرة، وهذه العناصر مرت بأطوار من التجريف والتصحر، أوصلت الإنسان المصرى إلى حالة مزمنة من الاكتئاب والإحباط واللامبالاة وهدف الكتاب الذى انتهيت من تأليفه هو إعادة ضخ وبث معنى الثقة والقوة والقدرة على النهوض مرة أخرى وإخراج الإنسان المصرى من هذه الأزمة النفسية التى لم يحدث فى التاريخ أن مر بها، وكل هذه الدراسة صغتها فى كتاب تحت عنوان “الشخصية المصرية.. خطوات على طريق استعادة الثقة” لأن المفتاح فى كل شيء هو قضية الثقة فى الوطن والكتاب جاهز الآن للنشر.
المشاركون:
سمير الشحات عزت إبراهيم
عصام هاشم إبراهيم عمران
خالد المطعني إسماعيل جمعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.