الشعب البريطانى "أسود يقوده حمير" رأى حزب المحافظين فى حزب العمال الحاكم. "المحافظون يغامرون بتدمير الانتعاش الذى بدأ الاقتصاد ينعم بعد أزمة جراء الركود العالمى". الصورة التى يخيف بها العمال الناخبين من المحافظين وهم حالمون بأنهم البديل القادر علي استعادة ثقة الناس في السياسة وانقاذ الاقتصاد'.... هذه هي الصورة العامة الشائعة عن حزب الديمقراطيين الأحرار ثالث أكبر أحزاب بريطانيا السياسية. تلخص هذه المواقف الكثير من تفاصيل معركة انتخابات بريطانيا العامة التي ستجري في السادس من الشهر المقبل. فالمحافظون الذين ترجح استطلاعات الرأي كفتهم بفارق5 في المائة علي الأقل لا يجدون معاناة كبيرة في اقناع الناخب باخفاق حزب العمال في الوفاء بوعوده خلال الثلاثة عشر عاما الأخيرة: فرغم تعافي اقتصادات الدول الكبري من الأزمة المالية والاقتصادية فإن بريطانيا لا تزال تعاني. وينعكس ذلك بوضوح علي تردي الخدمات العامة. وهنا يتحمل جوردن براون رئيس الوزراء البريطاني المسئولية الرئيسية لأنه كان وزيرا للمالية منذ عام1997 ثم رئيسا للوزراء منذ يونيو2007 وحتي الآن. أما الوعد العمالي بسياسة جديدة تبدأ تغييرا شاملا في بريطانيا فقد ذهب أدراج الرياح. وآخر المؤشرات هو فضائح نفقات نواب البرلمان والفساد السياسي الذي أفقد البريطانيين الثقة في سياسييهم وأحزابهم الذين أجبر144 من نوابهم يشكلون نحو خمس إجمالي عدد النواب بالبرلمان إلي التقاعد وعدم الترشح في الانتخابات المقبلة. ووطوال الأيام الماضية ظلت مشكلة العجز في الميزانية أكبر القضايا المسيطرة علي الحملة الانتخابية. فالمحافظون يرون أن العجز بين الموارد والنفقات في الميزانية البالغ170 مليار جنيه استرليني( تشكل12 في المائة من إجمالي ناتج بريطانيا المحلي) يجب أن ينخفض بوسيلة رئيسية هي خفض الإنفاق الحكومي بما في ذلك الانفاق علي الخدمات. ويعد بأن يتمكن من تخفيض العجز بمقدار6 مليارات جنيه استرليني خلال السنة الأولي لو فاز بالسلطة كما ستخفض حجم العجز بمقدارالنصف خلال أربع سنوات. ويرافق هذا الوعد وعد آخر بعدم زيادة الضرائب بل وبتخفيض ضريبة الضمان الاجتماعي. ويرد المحافظون علي التساؤلات عن وسيلة تدبير المواد البديلة بأنهم سوف يقلصون حجم الحكومة ونفقاتها كما سوف يزيدون رسوم المخالفات مثل مخالفات المرور والخدمات التي لا تؤثر علي حياة الغالبية من البريطانيين مثل صف السيارات. ولقي المحافظون تأييدا مهما من جانب مارك سيروتوكا الأمين العام لاتحاد نقابات عمال قطاعي الخدمات العامة والتجارية الذي قال إنه خلال السنوات الأربع الأخيرة خسر مائة ألف عامل وظائفهم بسبب سياسات الخصخصة. أمثال هؤلاء يقول ديفيد كاميرون وغيرهم من الطبقة المتوسطة والكادحة والشباب هم' العظماء الذين يعانون الإهمال' كما أنهم هم بعض' الأسود' الذين يقودهم العمال الذين وصفهم وزير خارجية حكومة الظل المحافظة المعارضة ويليام هيج بأنهم' حمير'. وفي المواجهة يحذر العمال من أن مثل تلك الخطط الاقتصادية ليست سوي وصفة تعرض بريطانيا للخطر. وحسب البرنامج العمالي فإنه لا يمكن خفض الإنفاق العام قبل عام2011. فزعيمهم براون يري أن الاقتصاد يشبه ويني روني نجم نادي مانسشتر يونايتيد ومنتخب انجلترا لكرة القدم المصاب حاليا. وقال براون في رسالة بالفيديو علي موقع مقر الحكومة بالانترنت إنه مثلما يحتاج روني إلي عناية وحرص بالغين قبل التعافي الكامل والنزول إلي الملعب فإن الاقتصاد في مرحلة حساسة وسيضار بشدة لو لم تعززه الحكومة باستمرار الإنفاق. ولو خسر العمال الانتخابات وجاء المحافظون للحكم فإنهم مغامرون' يخاطرون ليس فقط بالانتعاش الاقتصادي بل وبمستقبل البلاد'. لم يشرح العمال بشكل كاف حتي الآن خطتهم لتنظيف صورة السياسة والسياسيين من أوساخ الفضائح. وكل ما فعله براون حتي الآن هو الوعد ب' خطة لجعل السياسة أكثر شفافية وديمقراطية وخضوعا للمحاسبة' أمام الشعب. وكرر ذات الشعارات القديمة: نحن حزب العدالة ونصارع طوال عمرنا من أجلها. ويجد براون من يميل لقبول تحذيراته من' المحافظين المغامرين'. فمعظم أعضاء الحزب البارزين ووزراء حكومة الظل بما فيها رئيسها وزعيم الحزب ديفيد كاميرون لا خبرة لهم في السياسية. فالحزب كله بعيد عن السلطة منذ13 عاما. الديمقراطيون الأحرار في موقف أصعب. فالحزب لم يذق طعم السلطة منذ عام1922, ومع ذلك فإنه لا يتوقع من زعيمه الحالي نيك كليج بطبيعة الحال أن يعلن مشاركة الحزب في المعركة فقط لنيل شرف المحاولة. صحيح أنه لم يقل يوما أنه سيفوز بأغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة لكنه يساوره أمل كبير في أن يقفز بنصيب حزبه البالغ62 مقعدا حاليا قفزة كبيرة. وبرنامج الحزب يستند إلي ما يتصور أنه ضجر الناخبين من الحزبين الكبيرين وهو ضجر تبديه استطلاعات الرأي الأخيرة التي لم تظهر شعبية قاطعة لأي من العمال أو المحافظين. فهو يفاخر بأنه الحزب الوحيد الذي عارض حرب العراق باعتبارها غير مشروعة وهو أول من شم رائحة ثم حذر من رائحة عطن وفساد البرلمان البريطاني. ويرفع كليج لافتة انتخابية كبيرة تقول' السباق ليس بين الحصانين العجوزين العمال والمحافظين' و' نحن القادرون علي التغيير الحقيقي في بريطانيا' و' الديمقراطيون الأحرار مؤهلون للاستجابة لصراخ البريطانيين المطالبين بشئ مختلف'. وإذا كان العمال من وجهة نظر كليج هم المسئولون عما يراه سلسلة أخطاء كبيرة في ال13 عاما الأخيرة ويجب أن يدفع هو وزعيمه الثمن بأن يتقاعد ويترك لغيره فرصة فإن المحافظين ليسوا كما يتهمهم كليج أقل مسئولية عن تعطيل مشروع الديمقراطيين الاحرار لاصلاح بريطانيا سياسيا. فمعظم النواب الملوثين بفضيحة المصاريف هم من المحافظين الذين تحالفوا بالمواقف وليس بالاتفاق الرسمي علي اجهاض اقتراحي الديمقراطيين الأحرار باصلاح نظام تمويل الأحزاب لتحقيق المزيد من الشفافية ومشروع تغيير النظام الانتخابي إلي التمثيل النسبي. لكن برنامج كليج لا يعطي إجابات شافية علي تساؤلات بشأن كيفية انقاذ الاقتصاد الحالي وكيف يمكن تحسين الخدمات دون زيادة كبيرة في الضرائب. ورغم هذا المناخ السياسي الغامض فإنه أيا تكن نتائج الانتخابات فإنها ستكون تاريخية. فلو فاز المحافظون فسيكون كاميرون43 عاما أصغر رئيس حكومة بريطاني في المائتي عام الأخيرة( منذ حكومة لورد ليفربول بين عامي1812 و1817). كما سيكون المرة الأولي التي يزيح فيها المحافظون العمال من السلطة خلال الثلاثين عاما الأخيرة( منذ أطاح المحافظون بزعامة إدوارد هيث بحكومة العمال بزعامة هارولد ويلسون في انتخابات عام1964). بالاضافة إلي ذلك سيكون أكثر من نصف نواب المحافظين بالبرلمان من الوجوه الجديدة. ولو فاز العمال فإنه سيكون إنجازا كبيرا لبراون الذي لم تتوقف محاولات الإطاحة به من زعامة الحزب لافتقاده كما يقول معارضوه من العمال للقدرة علي قيادة الحزب الي الفوز. كما أنه سيكون انتصارا تاريخيا أيضا أن يستمر العمال لفترة رابعة في ذروة أزمة وركود اقتصاديين هما الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية رغم تغيير الزعامة( في عام2007) من توني بلير المغضوب عليه شعبيا وحزبيا إلي براون الذي طالما اشتاق للزعامة. أما لو لم يفز أي من الحزبين الكبيرين بالأغلبية(326 مقعدا من بين إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها650 مقعدا) فإن البرلمان سيكون معلقا وهذا لم يحدث منذ عام1974 وهو ما يعني أن كل شئ سيعلق. وهنا ستزيد القيمة السياسية للديمقراطيين الأحرار الذين سيرجحون كفة أي من العمال والمحافظين بتحالفهم معه. لكن مثل هذا التحالف في الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية في بريطانيا لن يكون سهلا ويجمد الأوضاع لحين الاتفاق علي شروط التحالف وهو ما يثير المخاوف خاصة من جانب المستثمرين والقطاعات الاقتصادية.