نادرا ما نري أو نسمع أحدا يتحدث عن المصلحة الخاصة بشفافية ووضوح لكن دائما ما تكون المصلحة العامة هي محور الحديث والتأكيد. كما نسمع أن المصلحة الخاصة ليست محل الاعتبارا سواء كان ذلك سلوكا فرديا او مؤسسيا ورغم أن المصلحة الخاصة واقع وموجود وهو دافع للحركة علي مستوي الافراد والمؤسسات, كل ما في الأمر أن هناك تغليفا للمصلحة الخاصة بالمصلحة العامة التي عندها تختلط الاوراق وتنبت علي ارضها بذور الفساد. ونمو الاقتصاد ينمو ويتراجع بمقدار ما تسانده أو تعترضه الايجابيات والسلبيات كما تؤثر فيه وتخفي عن معالمه عوارض المرض أو مقدمات الشفاء, كما يؤثر فيه ما يقدم له من حلول وازاحة ما يعترضه من العثرات. ومن اخطر ما يتعرض له نمو الاقتصاد أن تنهش في جسده المصالح الخاصة التي أحيانا ما تكون ظاهرة بلا حياء واحيانا اخري باطنة كل ما فيها لا علاقة له بالصالح العام. ومن أخطر ما في تعارض المصالح أنها في غالبها يحدث فيها ترتيب وتنسيق علي المستوي الجماعي سواء كانت منظمات أو جمعيات أو تجمعات مصالح وهو ما لا يحدث بنفس الدرجة من تنسيق وتعاون واداء جماعي للصالح العام. واللافت للنظر هذه الايام أن الصالح الخاص هو المسيطر علي مستوي الافراد والجماعات والفئات. وباستعراض كل المنظمات والتجمعات في مطالبها نجدها تتحدث عن أهداف عليا للصالح العام دون أن تقدم لهذا الصالح العام ما يجب أن تؤديه وتريد دائما أن تأخذ ولا تريد أن تعطي, وتشكو دائما ولكنها لا تشكر. وتأتي خطورة تعارض المصالح من أنه خيط رفيع قد لا تراه رغم وجوده واحيانا غليظ واضح للعيان دونما تحرك لازالته. تعارض المصالح هو سرطان ينهش في المجتمع ويدمر اقتصاده وعدم تعارض المصالح معيار دقيق تستخدمه كل الدول خاصة عالية النمو الخالية من الفساد, ففيها قوانين تمنع كل فرد وكل مؤسسة وكل تجمع وكل وظيفة من ممارسة تعارض المصالح فلا يجب لهذه الوظيفة كبرت أو صغرت أن تؤدي عملا وتقيمه أو أن تشارك في تقييم عمل تسفيد منه أو أن تشرع وتستفيد من تشريعها أو أن تسهم فيما يقع في حوزتها ونطاقها. كما يجب أن يحظر الالتفاف علي تعارض المصالح كالتنازل عن إدارة المؤسسات لآخرين قربوا أو بعدوا ويظل يمارس الشخص أعمالا بما يفيدها أو تستفيد مع آخرين منه, فالتعارض موجود وصارخ ومدمر عندما يكون منتشرا كما هو الحال حاليا. تعارض المصالح أخطر من الرشوة لأن الرشوة سهلة الثبوت, بينما دائما ما يكون تعارض المصالح مغلفا غير واضح لكنه مدمر. ونمو الاقتصاد هو محصلة ما يتم بشفافية ونظافة وفي ظل معايير تبعد عنه كل مظاهر الفساد والافساد لان الفساد هو اكبر داع لمزيد من الافساد. وتعارض المصالح قد يتبادر إلي الذهن أنه يقتصر علي ما هو مرتبط بالمال فقط بل هو يمتد إلي ما هو قد يكون أخطر من الاستيلاء علي المال. ولا يقتصر ذلك علي مجتمع الاعمال فهو في كل مجال, فالمعمل الذي يختبر ويقيم نتيجة اختباره ويحكم عليها هو نوع من تعارض المصالح والمفتش الذي يأخذ عينات ليختبرها ثم يقوم بفحصها بذاته وتقرير نتيجة لها فيه أيضا تعارض المصالح. وما أكثر القضايا التي يفلت منها الغشاشون بسبب هذا التعارض في المصالح والذي يكلف الاقتصاد مئات بل آلافا كثيرة من الملايين, والمدرس الذي يستفيد من ضعف مستوي تلاميذه الذين يدرس لهم في مدارسهم ليعطيهم دروسا خصوصية هو تعارض صارخ للمصالح يكلف الدولة والمجتمع مليارات الجنيهات التي هي جزء من الاقتصاد, والخبير أيا كان تخصصه عندما يعطي رأيا فنيا مقابل أجر من صاحب المصلحة هو تعارض في المصالح تضيع فيه الحقوق والاموال والاكثر من ذلك اهتزاز ثقة المجتمع في نفسه وفي صلاحه والانتماء إليه. واللافت للنظر لبرهان كل ذلك أن الدول ذات النمو الاقتصادي الهائل هي أقلها في تعارض المصالح وأكثرها شفافية علي عكس الدولة مريضة الاداء الاقتصادي يرتع فيها الفساد المبني علي تعارض المصالح في مجال العمل وتوافق المصالح بين المستفيدين. إن مقاومة الفساد دون سن قوانين تحكم وتمنع تعارض المصالح كمن يقاوم تلوث المياه بعد أن تسقط فيها الاحبار. إن الاداء الاقتصادي وما يبذل فيه من جهود من اعتبارات اقتصادية بحتة أمر ضروري ومطلوب لكن لا يؤتي كل ثماره إذا كان النحر فيه مازال ساريا تحت حجج مختلفة وشعارات تتغني بالصالح العام وتظل المصلحة الخاصة هي محور اللف والدوران. ولا يقتصر ناتج المصالح الخاصة علي نثر بذور الفساد بل تنمو مراكز القوي ككرات الثلج فقد يتمثل ذلك في البداية في شخص ما يلبث أن يصبح في فئة أو جماعة حين يصعب عند ذلك فك هذه المراكز وتتضاءل فرص الاصلاح والمقاومة لانها عند ذلك الحد تكون قد اصبحت نتائج وليست من الأسباب. ومراكز القوي قادرة في أي وقت علي مقاومة الاصلاح ومحاربة المصلحين لأن شباكهم تظل ممتدة تحت سطح الواقع بعيدا عن الحقيقة, وقد تلجأ مراكز القوي من فرط قوتها إلي أن تعمل في العلن وتجد لها من المدافعين من ضحاياهم لا لأنهم مضللون ولكن لكونهم متورطين وعندها يصبح نهب الاقتصاد فريسة في كل المراحل من تعارض المصالح والفساد والافساد ومن مراكز القوي التي يصبح عندهم هذا النهب متاحا ومباحا وظاهرا وكلما هوجموا ازدادوا شراسة وعندها أيضا يري الضعفاء ما يؤذيهم وما ينهب حقوقهم دون ما يستطيعون من مقاومته حتي ولو بالشكوي في السر أو في العلن. إن الحاجة إلي اعادة رسم الخطوط وحمايتها بين ما هو عام وخاص وبين ما هو باطل وما هو صحيح دعوة لازمة وضرورية لكشف الغطاء عن كل من يلبسون ثيابا ليست ثيابهم واصواتا لا تعبر عن نياتهم وعندما ينكشف هذا الغطاء عن المجتمع سوف نري اقتصادا ينمو بقدر ما نخلصه من تعارض المصالح وازدواج المعايير والفساد والافساد المقنع ومن مراكز القوي التي تجيد السباحة في اعماق البحار فتلدغ حسني النية والضعفاء والفرصة سانحة الآن عن اي وقت مضي أو يكون, فما أحوجنا الآن إلي تشريعات توصف تعارض المصالح وتجرده سواء كان ظاهرا أو باطنا لا لكونها عقوبات فقط, ولكن لأنها اكبر معوق في وجودها لنمو الاقتصاد.