هذه هي كارثة الأحزاب الدينية أيا كان اسمها, وهي شعورها ويقينها أنها تملك الحقيقة المطلقة حتي لو تغاضت أحيانا عن الإعلان المباشر عنها أو نفيها, لكن سلوكياتها وتصرفاتها وأفعالها تشي بالضرروة عنها. وصاحب الحقيقة المطلقة لا يقبل نقدا أو انتقادا, سواء كان صائبا أو مغرضا, بينما السياسة تقبل كل أنواع النقد والاختلاف في الرأي والهجمات السياسية, والأحزاب الدينية بطبيعة تكوينها ديكتاتورية, فالرجل الكبير له السمع والطاعة والبيعة, بينما الديمقراطية تعارض السمع والطاعة والبيعة, فهي تؤمن بسوق حرة للأفكار والأخبار, مهما حادت عن الصواب, لأن المجتمع قادر علي فرز الغث من السمين, وإسقاط الكذب وتعلية شأن الصدق, ولهذا يستحيل أن نسمع في أي كيان ديمقراطي عبارة تصف الصحفيين المخالفين في الرأي أو المعارضين أو المنتقدين بأنهم سحرة فرعون, وهي عبارة فاسدة جملة وتفصيلا, فمن هو فرعون مصر الآن؟ مصر الآن بلا فرعون..ولن يعاد صناعته فيها بأي شكل من الأشكال إلا عن طريق الدين وباسم الخليفة أو أمير المؤمنين, لأن من يعارض الخليفة فهو يعارض الدين, ومن يقف أمام أمير المؤمنين فهو يعادي الدين, وإذا تذكرنا من أين أتي فرعون الأول, فسنجد من ربط اسمه بالدين والألوهية.. ولا أريد أن أروي مئات الحكايات التاريخية عن اللعب بالدين وبيع الأوهام للبسطاء في تاريخ الإنسان, وكلها كانت عمليات سرقة للسماء, وقد توعد الله الذين يتاجرون بأيات الله بأثمان بخس بالعقاب العسير. والإخوان المسلمون منذ أن حازوا علي الاغلبية البرلمانية وهم يسبون الإعلام عامة والصحفيين خاصة, طبعا الإعلام والصحفيون الذين لا يمشون في ركابهم, وهو ما كان يصنعه كبار كهنة الحزب الوطني في عصر الرئيس السابق, مع أن الإخوان لهم قناة تليفزيونية وجريدة يومية, يمكن أن يوضحوا فيهما كل الحقائق المرادة, فصاحب الحقيقة أقوي ألف مرة من صاحب الأكاذيب, لأن الكذب كما نقول مالوش رجلين, أما الضيق بالكلام المعارض فهو يدل علي شئ مهم أنهم لا يملكون الحقيقة! المزيد من أعمدة نبيل عمر