قالها يوسف إدريس بوضوح: أني أتمني أن أستمر في امتلاك القدرة علي أن أحلم, فلقد قضيت الحياة منذ طفولتي ومتعتي ليس أن أحياها, وانما أن أحلم بحياة أمتع, وربما كتبت لكي أحرك في الآخرين القدرة علي أن يحلموا هم أيضا أحلامهم الخاصة.ويضيف الكاتب العظيم الشهير ب حممه الفكرية قائلا: فالإنسان بلا أحلام في رأيي كائن أعمي. فالحلم هو الأمل المبصر المستشرف. هو قدرته علي أن يري الي الأمام وأن يجمع الماضي والحاضر والمستقبل في نقطة لقاء وهمي. هي الفن.. هي الجزء الثمين المتمرد في كل البشر .............. ولأن إدريس كان كعادته يمتعنا دائما بصدماته وتمرده ولا يحرمنا أبدا من أحلامه وحديثه المتجدد عنها نجده يكتب في الأهرام إبريل1981 عن الحلم بالكتابة كالحلم بالثورة فيقول:.. كأنني سأصحو في الغد لأجد الصباح فجرا, ليس فجر يوم بل فجر عصر. عصر كامل تام, يعود فيه الإنسان يحب بكل فهم وظمأ الحب. ويعيش روعة الحياة يشربها مترعة قطرة وراءها قطرة, ولكل قطرة طعم, ولكل لحظة زمن تمر أشواق وصهللة ومعان. ما كتبه يوسف إدريس في الأهرام كان بعنوان يموت الزمار. ومنذ أيام وتحديدا مع يوم ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش(13 مارس) انطلقت الغنائية الجديدة التي أتممها الموسيقي مارسيل خليفة وقد سماها أندلس الحب. وقد اختار مارسيل هذه التسمية من مقطع لقصيدة يطير الحمام, يحط الحمام يقول فيه درويش رأيت علي الجسر أندلس الحب والحاسه السادسة/ علي وردة يابسة/ أعاد لي قلبها/ وقال: يكلفني الحب ما لا أحب. وكما ذكر اسكندر حبش في صحيفة السفير اللبنانية يزف الينا أندلس الحب فإن محمود درويش كان يرغب دائما في أن يكتب مارسيل موسيقي لهذه القصيدة.وقصيدة درويش صدرت عام1984 في ديوان حصار لمدائح البحر الا أن السعي للعمل الفني الغنائي جاء متأخرا قبل وفاة الشاعر بفترة والذي كان بالطبع يرغب في سماعها. درويش المولود عام1941 في قرية البروة الفلسطينية في الجليل توفي يوم9 أغسطس عام2008 بعد إجراء عملية القلب المفتوح في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية.وقد غني مارسيل خليفة مقطعا من هذه الغنائية الجديدة أندلس الحب مع وصول نعش الشاعر من أمريكا وقبل أن يواري في الثري في الأرض المحتلة. نعم, يومها وقف مارسيل واستعاد هذا المقطع: أنا وحبيبي صوتان في شفة واحدة/ أنا لحبيبي أنا, وحبيبي لنجمته الشاردة/ وندخل في الحلم, لكنه يتباطأ كي لا نراه/ وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم/ مما يراه. ولقاءات الثنائي( درويش ومارسيل) الإبداعية الفنية المبهرة والساحرة أمتعتنا بلا شك لسنوات طويلة وأججت مشاعرنا الوطنية الفلسطينية وألهمت تمردنا وألهبت غضبنا وبالطبع حمت أحلامنا وذكرتنا بها. مارسيل خليفة من مواليد1950 في بلدة عمشيت بجبل لبنان وهو الموسيقي والمغني وعازف العود اللبناني. يصف الغنائية الجديدة بأنها:غزل شفاف علي صفحة القصيدة والموسيقي المرتعشة والغناء الحميم والإيقاع الصادح. ساعة شعرية وموسيقية مشتعلة. واحتراق الذات بتجربة الحب ويضيف: لقد( شديت) وتر العود ليعتصر حبا وصلاة. ليس ترفا ما فعلته مع( أندلس الحب) ولا نظرة هامشية للحياة, بل وسيلة خلاص من هذه الوحشية الدائرة في كل الاتجاهات.لم الحب, الآن يا مارسيل يتساءل المحاور ب السفير ليأتي الرد: الحل هو الحب في هذا العالم الوحشي. يأتي الحب كزهرة تطلع من بين الأنقاض. من العيش في الخوف والقتل والدمار والحرب والبشاعة ينبثق هذا العمل, لأنني لا أريد أن أستسلم للوحوش الكاسرة, ولا لأي وحشية, ولا أن أقضي بوحشية أفظع هي وحشية الزبالة. ولا للغة الموت ولغة التاجر ولغة السياسي والزعيم والحزب. أتجرأ علي المقدسات القاتلة لأفتح باب التمرد بمزيج من الموسيقي والقصيدة والغناء. بمزيج من الآفاق والألوان.ولا يتردد مارسيل خليفة في أن يقول بأن لديهالرغبة في أن يكون هذا العمل مساحة روحية غير محدودة..كل عمري أبشر بالحب عبر ما قدمته من موسيقي ومن أغان.وهذا العمل لكل الذين صلبونا ولكل الذين أحببناهم بصدق خالص غير مرتبط باليومي. ويوم13 مارس أي يوم ميلاد محمود درويش هو يوم الثقافة الفلسطينية. ومنذ سبعة أعوام كان بدء منح جائزة محمود درويش للابداع. وجائزة هذا العام حصل عليها كل من الشاعر الفلسطيني غسان زقطان والأديب اللبناني الياس خوري والكاتبة الأمريكية أليس ووكر. والأخيرة هي الروائية والشاعرة الأمريكية السوداءصاحبة رواية اللون الأرجوانيالتي صدرت عام1982 وفازت بجائزة بوليتزر والتي تحولت الي فيلم بنفس الاسم من اخراج ستيفن سبيلبرج( عام1985) وأيضا مسرحية موسيقية( عام2005). وأليس ووكر من مواليد1944 ومعروفة بمواقفها السياسية المؤيدة للقضية الفلسطينية والمناهضة للدولة الاسرائيلية وعنصريتها وتوجهاتها العدوانية. وووكر الناشطة السياسيةقالت لا بصوت عال للغزو الأمريكي للعراق وأيضا قالت لا للحصار الاسرائيلي لغزة.قالت هذا علنا وتظاهرت وذهبت الي غزة. وفي عام2012 رفضت ووكر طبع روايتها اللون القرمزي في اسرائيل. والعام الماضي كتبت قصيدة رثاء للشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم. أليس ووكر تري أننا في حياتنا علينا أن نرصد ونهتم ونحتفي بأولئك الذين لديهم نور داخلي في زمن الظلمة. ولأنها شاهدت والدتها تشقي كثيرا من أجل تربية أولادها ذكرت أنها..كانت تفكر كيف أن باستطاعة أناس مثل أمي أن يكونوا فعلا جزءا ممن يغيرون العالم, رغم أنهن مثقلات عادة بالعمل والأطفال. وكنت أفكر بأن اتباع طريقة معينة في فعل الأشياء سيؤدي الي تشكيل دوائر من الناس في محيط الجيران, في مجتمعك الصغير, حتي في بيتك, ليكون لك عند الأوقات الصعبة والقاسية حقا مجتمعك المصغر الخاص ليساعدك ويقودك متخطيا الصعوبات, بينما العالم يحترق حسب قولها. حقا إن الأم مدرسة.. ................ ما نعيشه أو ما يجب أن نعيشه في حياتنا أن نواجه التحديات ونتخطي الصعاب ونتجاوز قيود الواقع مهما كانت. هكذا نتجدد. وهكذا تتجدد حياتنا,طالما لدينا حرص علي أن نحرس الحلم. نعم, أن نحرسه وندافع عنه مهما طال بنا الزمن.