شتان الفارق بين جو الانتخابات الرئاسية في فرنسا والتي جرت جولة إعادتها هذا الأسبوع, وانتهت بفوز فرانسوا أولاند علي منافسه الرئيس نيكولا ساركوزي وبين جو الانتخابات الرئاسية في مصر وما تشهده من دعاوي استقطاب حادة, والانصراف عن تقديم البرامج الجادة, إلي تقسيم المجتمع بين تيارات إسلامية وليبرالية وثورية, بعيدا عن تقديم الحلول الموضوعية لمشكلات مصر المتراكمة, وما يصاحب ذلك من حملات شحن تضر أكثر مما تنفع, لدرجة أن أحد المرشحين المستبعدين, وهو الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل, كاد أن يتسبب في حرق مصر كلها, حينما اعتصم أنصاره بجوار وزارة الدفاع, وقام بعض حواريه بالدعوة إلي اقتحامها وإعدام قياداتها, وكأنها وزارة دفاع العدو, ولحسن الحظ كان قرار عدم مشاركة معظم التيارات الليبرالية والثورية والدينية, بما فيها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة, بالإضافة إلي أكبر حزب سلفي وهو حزب النور, الذين تبرأوا من تلك الأعمال, ولولا ذلك لكانت الحرب الأهلية قد اندلعت شرارتها الأولي, ولا يعلم إلا الله متي وكيف كانت ستنتهي؟! في الانتخابات الفرنسية شاهدت ضمن فعاليتها مناظرة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومنافسه الفائز فرانسوا أولاند, وكانت مذاعة علي قناة فرنسا42 ومترجمة إلي العربية.. شاهدت أجزاء كبيرة من المناظرة التي كانت تدور حول رؤية كل منهما للقضايا الداخلية بتفصيلاتها المتنوعة, من بطالة واقتصاد وأجور وخدمات وصحة وتعليم وحقوق المهاجرين, وغيرها مما يهم المواطن الفرنسي, إضافة إلي القضايا الخارجية والدور الفرنسي بها. نجح فرانسوا أولاند, لأنه من وجهة نظر الفرنسيين الأكثر قدرة علي تحقيق مطالبهم وطموحاتهم, ورغم أنه فاز بأغلبية بسيطة جدا51.9% مقابل48.1% لمصلحة منافسه ساركوزي, أي أن النسبة أقل من2%, ومع ذلك فقد اعترف ساركوزي بالهزيمة واتصل بمنافسه الفائز أولاند, مهنئا بالفوز ومعترفا بالهزيمة, وسوف يسلم له راية الحكم منتصف هذا الشهر, دون أن يدعو أنصاره إلي النزول للشوارع وتحويلها إلي بركة دماء, أو اقتحام قصر الرئاسة وحرقه بمن فيه. هذه هي الانتخابات الفرنسية, وتلك هي الانتخابات المصرية التي نأمل في أن تسير في الركب نفسه, لنصل ولو بعد فترة إلي ذلك المستوي الراقي والمتحضر. صحيح ان الانتخابات الرئاسية في مصر تعتبر أول انتخابات رئاسية تعددية بمعايير الانتخابات المعروفة منذ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية عقب قيام ثورة2591, حيث ظلت الانتخابات الرئاسية في مصر تجري بنظام الاستفتاء باستثناء انتخابات5002, التي شابها مخالفات جسيمة, وكانت أقرب إلي الاستفتاء منها إلي الانتخابات. إلا أنه في كل الأحوال لابد أن يكون النموذج الفرنسي وغيره من النماذج الديمقراطية المحترمة هو الهدف الذي نسعي إليه, لأننا لن نخترع الديمقراطية, وكفي فشلا, ولابد أن نتذكر أن ثورة يوليو2591 فشلت حينما أممت الأحزاب وأغلقتها لمصلحة نظام الحزب الواحد, ولو كانت قد حافظت علي الديمقراطية, وأقرت دستور4591, لكنا الآن مثل فرنسا أو علي الأقل مثل الهند التي بدأت معنا, وانطلقت هي وفشلنا نحن, بسبب الأصوات التي كانت تنعق كالغربان, مؤيدة الديكتاتورية ورافضة الديمقراطية, تحت مسميات أثبت الزمن فشلها, لينجح نهرو في إقامة دولة ديمقراطية في الهند ويفشل عبدالناصر, لتقوم ثورة جديدة في مصر في52 يناير, بهدف البحث عن الحرية قبل وبعد كل شيء. الآن هناك أصوات تنعق كالغربان مرة أخري تريد إعادة إنتاج الفشل من جديد من خلال نشر الإرهاب الفكري والكراهية والتعصب وثقافة التكفير, في وقت نحتاج فيه إلي لم الشمل والنظر إلي المستقبل ونشر ثقافة التسامح, والإيمان بقبول الآخر والبعد عن التعصب. ليت الشعب المصري يستوعب الدرس ويختار رئيسه بالمعايير الموضوعية الهادفة, وبما يحقق مصلحة الوطن في الداخل والخارج, وبما يلبي احتياجات المواطنين ويسهم في حل مشكلاتهم المتفاقمة, بعيدا عن الشعارات ودعاوي الفرقة, لنبدأ مسيرة الانطلاق نحو الديمقراطية التي يتمناها ويستحقها الشعب المصري العظيم. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة