من منا لا يمتلك صفحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»؟ ومن منا لا يقرأ أو ينشر أو يتبادل مع الآخرين بعض المعلومات أو الأخبار والصور التي تتعلق بحياة آخرين دون تحقيق أو تدقيق من صحة هذا الخبر أو تلك الصورة أو المعلومة؟ ولماذا أصبحت تلك الوسيلة الالكترونية الحديثة بابا مفتوحا على مصراعيه لترويج الشائعات والكذب والخداع وبث بذور الفتنة في المجتمعات، إثارة الرأي العام, والتأثير السلبي علي مصلحة البلاد والعباد؟.. علماء الدين يحددون المنهج الإسلامي لمحاربة تلك الآفة التي تهدد استقرار المجتمع، ويناشدون مستخدمي «الفيس بوك» التأكد من صحة الأخبار والحقائق قبل نشرها. كما طالبوا بوضع القوانين لمحاربة مروجي الشائعات. ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الأسبق، إن مواقع التواصل الاجتماعي من الأمور المستحدثة التي يكون لها الأثر الكبير في نشر الفضيلة وكذلك في نشر الرذيلة فهذه المواقع سلاح ذو حدين لو استعمل في الشيء الحسن لكانت من الأمور المحمودة، ولو استعمل في غير ذلك فهي من المذمومة، وفي هذه الحالة يكون استخدامها وبالا ونكالا على المجتمع ككل، ولو علم من يستخدمها في نشر الإشاعات المغرضة التي تضر بالإسلام والمسلمين من جزاء في الدنيا والآخرة لامتنع نهائيا عن استخدامها السيىء، فهناك نساء طلقن بسبب هذه المواقع، وكثيرا من الشباب قد انحرفوا، وكثير من الفتيات وقعن في الفتن والضلال، وليعلم كل مستخدم لهذه المواقع في غير غرضها الطيب، في نشر الإشاعات ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ». فعلى كل مستخدم لهذه المواقع أن يستخدمها في البناء لا في الهدم، وفي نشر الفضيلة لا في الرذيلة، فإن استخدمها في الفضيلة له الأجر من الله، وان استخدمها في الرذيلة كانت عليه اللعنة، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولكنه كان لا يقول إلا صدقا، وليعلم مستخدم هذه المواقع أن الدائرة ستدور عليه ولابد من أن يكتوى بنارها إما في بيته أو في نفسه أوفي احد أفراد عائلته. وأضاف: إن لنا في رسول الله أسوة حسنة فقد ابتلاه الله بحادثة الافك والتي كان أساسها الإشاعة فالله تبارك وتعالى قال في محكم آياته: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النور:19)، ولقد نزل بالسيدة عائشة رضي الله عنها ما نزل بسبب الإشاعة التي أطلقها المغرضون وكان لها أثر في نفسها رضي الله عنها وفي نفس أبويها وفي نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكثت في بيت أبيها تبكي حتى نزلت تبرئتها من فوق سبع سماوات: « إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ» النور 11، كما يجب أيضا مشاورة المختصين والرجوع إلى المصادر الموثوقة قبل نشر الخبر، فمن الخطر الجسيم إعادة نشر أي خبر قبل التثبت من مصدره ومن مضمونه ومن الهدف منه وما قد يترتب عليه، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى ذم المنافقين بإذاعة الأخبار الكاذبة؛ قال الله تعالى:(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83]. ولقد رسم لنا القرآن الكريم والسنة النبوية طريقاً واضحاً للتعامل مع الشائعة، وذلك بالتثبت والتبين دون قبول مضمون ما في الشائعة وعدم العمل بمقتضاها، وذلك مصداقا لقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات. والواجب على المسلم الحذر والتحري قبل إشاعة الأخبار وعدم التحدث بكل ما يسمعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع». وفي الإشاعة أضرار كثيرة عبر عنها القرآن بالإرجاف، قال الله تعالى:(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) [الأحزاب:60]. فالشائعات تهدم ولا تبني والذي يذيع هذه الإشاعات إنما هو المنافق لأجل الضرر وبلبلة الأفكار وهذا عدو أو مأجور من الأعداء أو من الطامعين الذين قال الله فيهم «وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ التوبة (58). مواجهة قانونية وعن كيفية مواجهة الاستخدام الخاطيء والسيء لمواقع التواصل الاجتماعي وسبل مواجهة تلك الظاهرة، يقول الدكتور حسين عويضة رئيس نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة الأزهر، إنه يجب الإسراع بإصدار تشريعي قانوني يجرم عقوبة ترويج الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تتضمن مواد القانون تغليظ العقوبات حول الآثار المترتبة على ترويج الشائعات وما تحدثه من آثار على المجتمع والأفراد وحياتهم الخاصة. وطالب بإطلاق حوار مجتمعي بمشاركة المؤسسات الدينية لصياغة قانون يتماشى مع مواد الدستور الخاصة بحرية الرأي والتعبير، وعرضه على مجلس النواب لإقراره في أسرع وقت.