إقبال الطلاب على ورش مراكز الموهوبين والتعلم الذكي بإدارة شرق الإسكندرية    تراجع أسعار الذهب في ختام تعاملات الأربعاء 26 يونيو    تقرير عبري: إسرائيل مستعدة لمحاولة إضافية من أجل التوصل إلى تسوية في الجبهة الشمالية    انسحاب المرشح قاضي زاده هاشمي من الانتخابات الإيرانية    جورجيا تضرب البرتغال بالهدف الثاني في يورو 2024    بالأسماء.. مصرع وإصابة 9 أشخاص إثر اصطدام سيارتين بالطريق الزراعى بالبحيرة    السيطرة على حريق في محول كهرباء بقنا    كريم عبد العزيز يعلق على ظهوره برفقة الملاكمين جوشوا ودوبوا: الخناقة هنا بمستقبل    مسئول أمريكى يؤكد بأن الجميع لا يريد حربا بين إسرائيل وحزب الله    5 صور ترصد زحام طلاب الثانوية العامة داخل قاعات مكتبة الإسكندرية    جولر يقود تشكيل تركيا ضد التشيك فى يورو 2024    التعليم تعلن نتيجة امتحانات الدور الأول للطلاب المصريين بالخارج    قرار جديد من الداخلية بشأن التسجيل بدفعة معاوني الأمن الجديدة للذكور    تفاصيل عرض برشلونة لخطف جوهرة الدوري الإسباني    على أنغام أغنية "ستو أنا".. أحمد سعد يحتفل مع نيكول سابا بعيد ميلادها رفقة زوجها    "يا دمعي"، أغنية جديدة ل رامي جمال بتصميم كليب مختلف (فيديو)    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    القوات المسلحة تنظم مؤتمراً طبياً بعنوان "اليوم العلمى للجينوم "    صندوق النقد الدولي يقر بتمويل 12.8 مليون دولار للرأس الأخضر    «قطاع الآثار»: فيديو قصر البارون عار تمامًا من الصحة    أزمة جديدة تواجه شيرين عبد الوهاب بعد تسريب 'كل الحاجات'    لماذا يقلق الغرب من شراكة روسيا مع كوريا الشمالية؟ أستاذ أمن قومي يوضح    الرئيس السيسي يوقع قوانين بربط الحساب الختامي لموازنة عدد من الهيئات والصناديق    وزير الرى يدشن فى جنوب السودان مشروع أعمال التطهيرات بمجرى بحر الغزال    "شباب النواب" توصى بصيانة ملاعب النجيل الصناعي في مختلف محافظات الجمهورية    بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرحلات الجوية؟.. عطَّل آلاف الطائرات    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    مهرجان فرق الأقاليم المسرحية.. عرض «أحداث لا تمت للواقع بصلة» و«الحضيض» الليلة    منتخب اليد يتوجه إلى كرواتيا 4 يوليو استعدادا لأولمبياد باريس    خبير شئون دولية: فرنسا الابن البكر للكنيسة الكاثوليكية    «مياه كفر الشيخ» تعلن فتح باب التدريب الصيفي لطلاب الجامعات والمعاهد    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    بيراميدز يترقب مصير أحمد حجازي مع اتحاد جدة    المشدد 15 سنة لصاحب مستودع لاتهامه بقتل شخص بسبب مشادة كلامية فى سوهاج    اخوات للأبد.. المصري والإسماعيلي يرفعان شعار الروح الرياضية قبل ديربي القناة    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي: صرف معاشات شهر يوليو اعتبارا من الخميس المقبل    نجم ميلان الإيطالي يرفض عرض الهلال السعودي ويتمسك بالبقاء في أوروبا    وزيرة البيئة تتابع حادث شحوط مركب سفاري بمرسى علم    الصحة: استجابة 700 مدمن للعلاج باستخدام برنامج العلاج ببدائل الأفيونات    الإعدام لثلاثة متهمين بقتل شخص لسرقته بالإكراه في سوهاج    شديد الحرارة رطب نهارًا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس غدا الخميس    لجنة القيد بالبورصة توافق على الشطب الإجبارى لشركة جينيال تورز    ختام دورة "فلتتأصل فينا" للآباء الكهنة بمعهد الرعاية    تعيين 4 أعضاء جدد في غرفة السلع والعاديات السياحية    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الاحتلال يمارس جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة    فحص 764 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقرى بنجر السكر غرب الإسكندرية    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الأكاديمية الطبية تفتح باب التسجيل في برامج الماجستير والدكتوراة بالمعاهد العسكرية    أحمد فتحي: انسحاب الزمالك أمام الأهلي لا يحقق العدالة لبيراميدز    «حلو بس فيه تريكات».. ردود فعل طلاب الثانوية الأزهرية بقنا عقب امتحان النحو    الجريدة الكويتية: هجمات من شتى الاتجاهات على إسرائيل إذا شنت حربا شاملة على حزب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطرس غالى: الكلمة.. والقرار!
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 02 - 2016

كأنهما كانا علي موعد مع الرحيل،، ليركبا معا زورقا واحدا،، الأول يفرد شراعه.. والثاني يمسك بالدفة.. ليذهب بهما معا ذلك الزورق الاسود الحزين.. في رحلة النهاية في نهر بلا عودة!
هل عرفتموهما؟
اتصور أنكم عرفتموهما.. اسمعكم تقولون: انهما أسطورة الصحافة المصرية أو الهرم الرابع الذي اسمه الأستاذ محمد حسنين هيكل.. أما رفيقه في رحلة بلا عودة.. فهو شيخ الدبلوماسيين الناطقين بالعربية.. وهرم السياسيين العرب الأكبر المعروف باسم د.بطرس غالي أول دبلوماسي مصري عربي يجلس علي مقعد الأمين العام للأمم المتحدة في أحلك أيام حياتها.. والذي لم يرضخ لضغوط أمريكا في ادائه أيامه كأمير للدبلوماسية العالمية.. وفضح الكيان الصهيوني وادان عدوانها الوحشي علي »قانا« والذي قتل جنودها بدم بارد الأطفال والنساء والشباب الصغير والشيوخ في قانا.. وذلك المعسكر الفلسطيني المنكوب.. ورفض كل رجوات ومغريات أمريكا بجلالة قدرها.. ببقائه أربعة أعوام أخرى في منصب الأمين العام للأمم المتحدة.. وسافر بنفسه.. ليشاهد المجزرة الدايمة وجثث القتلي في أكوام من الموت والدم والعار في قانا،، ليصدر بعدها قرارا أمميا بالإدانة.. بتوقيعه ليعرف العالم.. أي جريمة.. وأي عار لحق بإسرائيل.
وإذا كانت رحلتي في عالم صاحبة الجلالة مربوطة بحبل سري ينتهي عند الهرم الرابع للصحافة المصرية الذي اسمه محمد حسنين هيكل.. فان لقائي مع أبوالدبلوماسية المصرية المعروف باسم بطرس بطرس غالي كان مبكرا جدا.. مع أولي خطواتي داخل بيت العائلة الأهرامية الأول في شارع مظلوم.. عندما كان هو يرأس تحرير مجلة الأهرام الاقتصادي.. وكنت أنا أيامها سكرتيرا لتحريرها تحت التمرين طبعا بلا مكافآت بالمرة.. مع الزميل العزيز رجاء عزيز سكرتير تحريرها الفعلي.. وزميلي في قسم الصحافة عبدالمنعم سليم.. كانت كافية لكي أقترب أكثر من الرجل الصحفي الدبلوماسي.. علي مدي نحو مائة يوم.. عندما قرر توفيق بحري سكرتير تحرير الأهرام أيامها أن أنزل إلي المطبعة بإشارة من اصبعه إلينا: تحت.. تاركا عالم الرصاص والأحبار بالحاء ورسم الصفحات.. لأصبح محررا صغيرا.. صغيرا.. يا دوب في سنة أولي تحقيقات صحفية.. والتي كانت بداية رحلة المعاناة في بلاط صاحبة الجلالة.. في حضن الأهرام
..........
..........
أول يوم ألقاه فيها.. كان في مكتبه في المبني البني الملحق بمبني الأهرام الأبيض العتيق الذي أصبح اليوم أثرا بعد عين.. وهو المبني الذي انتقل إليه الأهرام من الإسكندرية حيث صدر لأول مرة أسبوعيا كل يوم سبت في الخامس من أغسطس من عام 1876.. يعني منذ نحو 140 عاما تنقص 120 يوما لا أكثر.. وكان الدكتور بطرس غالي يومها يرتدي البدلة والكرافات.. وآخر شياكة.. سألني عن ماكيت العدد الأسبوعي الجديد للمجلة .. يقصد مجلة الأهرام الاقتصادي.
قلت له: رجاء بيجهز الماكيت!
قال: لا أنا موش حستني لما اخونا رجاء عزيز يصحي من النوم ويتمطع ويقلع البيجاما ويفطر ويعمر دماغه بواحد شاي أسود زي حبر الدواية.. وبعدين يقعد يمخمخ في رسم الماكيت الجديد.. أنت تعمل الماكيت وتورهولي بعد نص ساعة.. لأني خارج عندي اجتماع مع محمود فوزي وزير الخارجية!
اسقط في يدي برفع الألف وسكون السين وجر القاف وفتح الطاء ورحت في حيص بيص ولكن الله الهمني وجلست ورسمت ماكتا سريعا للعدد الجديد.. ودخلت إليه به.. نظر في الماكيت وقلب صفحاته وقال لي: ما أنت كويس اهوه.. يا عم عزت.. الفيلسوف ديكارت.. عارفه.. قلت مازحا: ده ساكن جنبنا!
قال: الفيلسوف ده قال: كن أنت ولا تكن غيرك.. لا تنس هذه الحكمة أبدا.. ساعتك كام؟
قلت له: اتناشر إلا خمسة!
قال: ياه دانا اتأخرت قوي.. علي ميعادي.. عاوز اما ارجع يكون الماكيت بتاع العدد الجديد جاهز عشان اشوفه قبل ما يروح المطبعة.. آه نسيت خد المقالة بتاعت الافتتاحية بتاع العدد الجديد.. ابعتها الجمع.. واللا اقراها أنت الأول.. يمكن يكون فيها غلطة كدة واللا كدة!
ينظر إلي من خلف نظارته الطبية التي لا يخلعها أبدا إلا عند الضرورة ويقول: علي فكرة الدكتور خليل صابات رفيق صباي والأستاذ عندكم في قسم الصحافة في كلية الآداب وصاني عليك أنت وزميلتك اسمها ايه.. اسمها ايه فكرني؟
قلت له: تقصد جيهان رشتي؟
قال: ايوه.. هي فين ماجاتش معاك ليه؟
قلت له: طلعوها الارشيف.. عشان الكومندان توفيق بحري سكرتير التحرير قال: الستات ماينفعوش ينزلوا المطبعة وفيها عمال ياكلوا الزلط.. وكمان ماينفعوش يشتغلوا في سكرتارية التحرير!
قال: طيب يا لمض بكسر اللام وسكون الضاد عايز لما اجي يكون الماكيت جاهز!
لم ير الدكتور بطرس غالي وجهي مرة أخري.. إلا بعد سنوات طويلة.. طالت حتي اكتملت 32 عاما بحالها.. في نيويورك هذه المرة في عام 1996.. وداخل مكتبه في مبني الأمم المتحدة الذي وصفه الأستاذ محمد حسنين هيكل في مقاله بصراحة يوما بانه مثل علبة الكبريت الواقفة علي رأسها بعد أن أصبح أمينا عاما للأمم المتحدة..
تسألون: لماذا؟
والجواب: لسبب بسيط لأنني عملت كل حاجة في توضيب واخراج العدد الجديد.. لكنني نسيت حاجة واحدة بس.. اسم رئيس التحرير د.بطرس غالي عليها.. لاترك مجلة الأهرام الاقتصادي.. وأصعد إلي الأهرام اليومي..
..........
..........
ولا أنسي أبدا هذه الأقصوصة الإنسانية.. عندما سألني الدكتور بطرس غالي يوما: هو فين زميلك عبدالمنعم سليم؟
قلت له: بعيد عنك بيتجوز!
قال: معقولة يتجوز ده لسه صغير!
قلت: لا بيخطب بس.. وحفلة خطوبته الليلة دي بنادي الأهرام في شارع شامبليون!
سألني: الساعة كام؟
قلت: حوالي 9 مساء.
وعمنا عبدالمنعم يضع دبلة الخطوبة في إصبع عروسه الجميلة التي كانت للحق جميلة جدا.. يدخل علينا الدكتور بطرس غالي يحمل علبة شيكولاتة.. ويسبقه بوكيه ورد أحمر جميل.. وعلبة صغيرة في يده.
قال هو: دي هدية بسيطة مني للعروس.. ثم نزل للقاء في الخارجية المصرية.
عرفت فيما بعد أن العلبة الصغيرة هدية العروس كانت عبارة عن سلسلة ذهبية في آخرها آية الكرسي.
...................
..................
ولقد مرت مياه كثيرة في نهر النيل وفي كل أنهار العالم علي مدي نحو سبعة وثلاثين عاما.. ياه وياه هذه.. اسمعكم تقولونها أيام ولايته لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة!
نحن الآن في أحد الأيام الأخيرة للدكتور بطرس بطرس غالي في منصبه المرموق الذي لم يصل إليه مصري ولا عربي من قبل.. كأمين عام للأمم المتحدة في احلك فترات حياتنا.. بل أشد فترات العالم سوادا.. وربما الكرة الأرضية بحالها!
كنت أيامها قد سافرت مرافقا لملك الملوك الذي اسمه رمسيس الثاني.. معرضة في مدينة منفيس الأمريكية
نحن الآن جلوس داخل مكتب الأمين العام للأمم المتحدة.. فى قلب علبة الكبريت المقلوبة علي رأسها..
أمامي قام الكتور بطرس بطرس غالي بنفسه ليصنع لي كوبا من القهوة الأمريكاني المغلية وأنا ارجوه الا يفعل.
قلت له: أنت لا تذكر أنني أنا الذي تسببت في صدور عدد من الأهرام الاقتصادي بدون اسمكم؟
قال: أنت لسة فاكر.. ولكن حسنا فعلت.. لأن هذا العدد أغضب جمال عبدالناصر أيامها.. وجعل الأستاذ هيكل يتصل بي لأنني كتبت انتقد مشروع السد العالي الذي يحجب طمي النيل عن الأرض الزراعية في مصر..
ينظر إلي من خلف نظارته الطبية ويقول: على فكرة وبمناسبة السد العالى.. مصر سوف تحارب يوما من أجل قطرة الماء.. صدقني..
قلت له يومها: معقولة.. ومصر عندنا نهر النيل العظيم؟
قال: صدقني هذا سيحدث يوما ما!
}} ملحوظة من عندي: هذا الحوار جري قبل ظهور حاجة اسمها سد النهضة.. عفريت العلبة الذي تلاعبنا به الآن إثيوبيا بنحو 37 عاما بحالها.. انتهت الملحوظة }}
سألته: لماذا ذهبت إلي قانا في جنوب لبنان؟
قال: لأشاهد بعيني ما فعلته إسرائيل بالفلسطينيين وأفضح جرائمها الوحشية في حق العرب.. وأنا يادوب لسة جاي من هناك!
قلت له يومها: وربما تفقد منصبك ولا يجددون لك بسبب موقفك المعادي لإسرائيل القطة المدللة لأمريكا؟
قال: لا يهم.. لقد قلت كلمة الحق.. ولا يهمني ماذا يحدث بعد ذلك.. ولقد تعبت من رحلة السياسة.. وآن لي أن استريح!
سألته: هل أنت حزين لتركك الأهرام.. واشتغالك بالسياسة؟
قال: الاثنان الصحافة والسياسة مثل ابريقان للشاى يغليان علي موقد نار.. والاثنان طعمهما مر ومذاقهما حار!
لكن وحشتني الصحافة جدا.. أنا عائد إليها قريبا..
..........
..........
في القاهرة التي عاد إليها د،بطرس غالي.. كان لقائي رقم ثلاثة به.. بادرني هو بقوله: لقد تركت منصب الأمين العام للأمم المتحدة بخاطري وبارادتي الحرة.. وليس مرغما كما يردد البعض!
اسأله: ازاي يا موسوعة السياسة العالمية فكرا وممارسة؟
قال: لقد جاءتني مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية.. وعرضت علي بعد عوتي من قانا،، أن اصدر تقريرا أمميا لا يدين إسرائيل.. مقابل أن يمدوا لي أربع سنوات أخري في مقعد الأمين العام للأمم المتحدة..
اسأل: وماذا كان جوابك؟
قال: رفضت بالطبع .. لكنها جاءت في اليوم التالي بعرض آخر
اسأله: ما هو؟
قال: أن أخفف.. مجرد اخفف من حدة هجومي علي جريمة إسرائيل واصدر تقريرا مخففا مقابل المد لي مرة أخري لمدة سنة.. في مقعد الأمين العام للأمم المتحدة.. ولكنني رفضت.. فالرجل كلمة وقرار لو تخلي عن احدهما.. لا يصبح رجلا بالمعني الحقيقي للكلمة!
..........
..........
أصفق للرجل.. ولم أكن أدري يومها.. أنه آخر لقاء لى مع رجل من رجالات مصر العظام
وهو الآخر فرد شراعه مع رفيقه الجورنالجي العظيم.. واحلامها في نهر بلا عودة!
اه يازمان الاحداث فيه جسام والرجال فيه قليل.. لما يسألنى احد: من قال هذا
الجواب: انه باب الحكمة عن السلام الذى اسمه علي بن ابي طالب!{ وهذا حديث مهم.. ولكن «دمه ثقيل حبتين!»
تعالوا نركب هذه المرة قطار الوطن بعرباته المهكعة المخلعة.. ونعيش همومه واحزانه.. قبل افراحه وعناقيد فله وياسمينه
H شئنا أو لم نشأ.. أردنا أو لم نرد.. فإن الحقيقة للحق والانصاف دائما مؤلمة وبغيضة إلي النفس حتي لو كانت «صح الصح» وفيها شفاء من كل أمراض العصر.. الذي نعيشه وأولها حكمة توقف «المراكب السايرة».. وتعرقل تقدم قطار الحياة نفسه.. حكمة تقول «سيبك.. سيبك موش حيصيبك إلا نصيبك».. ومعها حكمة أخري تقول: «اجري يابني آدم جري الوحوش.. غير رزقك لم تحوش!» ومعها حكمة ثالثة تقول: «امشي سنة ولا تخطي قنا».
ولأن لدينا ما شاء الله نحو 7 ملايين موظف حكومي و8 ملايين في أقوال أخري بخلاف غير المعينين يسدون عين الشمس.. ويزيدون علي عدد سكان دولتين عربيتين هما لبنان والأردوهم يمثلوا في أحسن الأحوال وفي احسن الاحصائيات رقم لا يتجاوز ال 7 ملايين انسان! ولاننسى هنا أن الدولة المصرية العظيمة.. كانت أول دولة خرجت للوجود قبل نحو خمسين قرنا من الزمان ويزيد.. والتى جلس علي كرسي رئيس وزرائها ملك عظيم اسمه مينا نارمر.. والتي كانت للذين يعلمون والذين لا يعلمون تضم وزيرا للبيئة هدفه عدم قطع أي شجرة، ووزيراً للتعليم الذي كانت مدارسه تفتح أبوابها داخل المعابد المصرية + وزير لشئون البيت المصري مهمته توفير الخبز والطعام والأمن + وزيرا للعبادة والتقوي والخلق القويم.. أول مهمته عدم تلويث ماء نهر النيل لأنه أول العبادات عند الإنسان المصري أيامها.
وكانت أول مهمة للكاهن الأعظم تعليم الإنسان المصري الخلق القويم مع مبادئ القراءة والكتابة.. وكان الكاتب المصري هو المعلم والحافظ لمباديء الخلق الكريم + مباديء الحساب + مبادئ معاملة الإنسان لأخيه الإنسان + كتابة عقود الزواج والطلاق والنفقة ورعاية الأولاد.. كل هذا داخل المعابد التي كانت منارة العلم والثقافة قبل الدين والتدين والغزوات التي بها حصلت خريطة مصر علي نصف خريطة العالم القديم وربما تزيد!
ولأننا أصبحنا بايدينا وقلة حيلتنا وهواتنا علي الدنيا كلها لا نأكل لقمة عيشنا من كدنا وعرقنا.. ولأننا أصبحنا نأكل رغيف خبز ثلاثة أرباعه من كد وعرق فلاح أمريكي وكندي وفرنسي وروسي وأذروبيجاني أحيانا.
ولأننا أصبحنا لا نعمل.. وأصبح الموظف المصري عالة علي الدولة أكرر عالة علي الدولة،، وارجو أن يكذبني أحد...
ولأن الدولة مشكورة ارادت أن ينتصب طول الموظف المصري ويمسك زمام الأمور ويعمل ويعرق ويكد من أجل لقمة عيشه.. وحتي لا يكون عالة علي دول العالم حتي أصبح رصيدنا في بنك القروض لدول أوروبا وأمريكا مليارات الدولارات.. وبلاش نقول الرقم لأنه حاجة تكسف فقد أعددنا قانونا اسمه قانون الخدمة المدنية الصادر بقرار من رئيس الجمهورية رقم 18 لسنة 2015 وهدفه الأول الاسراع بدوران عجلة العمل + انصاف كل من يعمل + معاقبة المهمل والذي آخر طناش.. في عمله طبعا!
..........
..........
ولأن الموضوع برمته «دمه ثقيل حبتين» علي قلوب الموظفين ليس كلهم ولكن طبقة الغلابة منهم أما المحظوظون أصحاب الرواتب العالية التي تراهن دائما لفوق وعمرها أبدا كما قالت لي موظفة في ارشيف وزارة الأوقاف رأت عدم ذكره حتي لا ينكلوا بها.. اقصد ذوات الرواتب والمكافأت التي تتجاوز أصفارها علي اليمين ستة وسبعة أرقام علي الأقل: أن هذا القانون للمحظوظين اللي دعت لهم أمهم وقالت لهم: روح يابني تكسب وتربح!
ولأنني أؤمن من يوم أن دخلت عتبة الأهرام زمان عندما كان يقطن شارع مظلوم في باب اللوق بأن العمل عبادة وقد كنت ادخل باب الأهرام في السابعة والنصف صباحا ولا اغادره إلا في الحادية عشر إلا ربع قبل منتصف الليل لالحق بآخر قطار ذاهب إلي القناطر الخيرية.. بلدي وبيت أمي وأبي أن العمل عبادة وفي اذني عبارة أمي لي كل صباح: روح يابني ربنا يحبب فيك خلقه.. فقد وجدت أنه لزاما علينا كلنا.. بعد صدور قانون: «الخدمة المدنية» الذي اثار زوبعة ما بعدها زوبعة.. وغبارا وعبارات غضب وكلمات استنكار تسد عين الشمس.. من كل طبقة من موظفين الدولة الذين اعلنوها صراحة في وجهه: موش عاوزينك!
أقول: لقد وجدت أنه لابد لنا.. حتي لا تتوه منا الخطي .. من سؤال أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون كما يقولون وأهل الذكر هنا يتجمعون في خبير بهذه المسائل العويصة.. باعتبار أنه لا يفتي ومالك في المدينة كما كانوا يقولون ايام صحوة الدولة الإسلامية في ظل الدولة العباسية فقد سألت الدكتور عبدالله محمد اسعد الأستاذ في الجامعات العربية والخبير الأول في الموارد البشرية في البداية سؤالا واحدا: لماذا رفضه موظفوا الدولة بالاجماع؟
..........
..........
أجابني هو بقوله: أنها العلاقة بين رفض قانون الخدمة المدنية وعدم تسييح الفريزر بتاع الثلاجة!
قلت له: موش فاهم حاجة!
قال: تعالي نحاول هنا أن نفهم وأن نفسر أسباب رفض غالبية موظفي الدولة له ان لم يكن كلهم ومعهم غالبية نواب مجلس النواب الموقر لأن القانون.. وقد جري استطلاع للرأي بعد اصدار اللائحة التنفيذية أظهرت نتائج غاية في الغرابة: 8،42% لا يعرف تفاصيل القانون + 9.22% سمع مجرد سمع عن القانون + 34% لم يسمع عن القانون بالمرة!
قلت: وأهم من ذلك الاستطلاع.. فان الحكومة تعرض القانون للتصويت علي مجلس النواب.
قال: نعم.. لقد كانت هذه النتائج ما هى إلا اشارات انذار مبكر لم تستفد منها الحكومة بالمرة.. لأنها اعتمدت علي «الاجبار» وليس «الاقناع».. غير مدركة أن فلسفة الاجبار قد ولي زمانها والتي اعتادت عليها حكومات سالفة وقد ذهبت إلي غير رجعة!
أسأل: ولكن الهدف من قانون الخدمة المدنية أصلا هو تحديث الجهاز الإداري للدولة؟
قال: نعم ولكن عدم سلامة توقيت اصداره كما قال الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء الأسبق بل كان المفروض أن يتم صدوره بعد انعقاد البرلمان وليس قبله.. وأن كان هذا القانون سوف يرفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة وتحريك المياه الراكدة فيه.. ومنع الوساطة والمحسوبية..
ولكنه كان يتطلب اعدادا مناسبا..
اسأل: ازاي؟
قال: التوقيت هنا كان سيئا للغاية.. كما أنه لم يتم إعداده إعدادا مناسبا.. لأن القانون يتعلق بالجهات الوظيفية في مصر كلها.. بمستقبل 7 ملايين موظف حكومي ويزيد أي ما يقرب من 25% من المجتمع المصري.. ولأنه قانون حساس جدا وأساسي جدا.. فقد كان يتطلب حوارا مجتمعيا بهدف الاقناع .. وبعد تفاهم واقتناع يصدر القانون والجهة التي تتلقاه وتتأثر به!
..........
..........
قانون سييء السمعة!
ولكن لماذا رفضه موظفو الدولة وهم نحو 25% من المجتمع المصري.. بالاجماع تقريبا؟
قال: لانهم قالوا عنه صراحة أنه قانون سييء السمعة!
قلت: ياه قانون سييء السمعة مرة واحدة؟
قال: بل أكثر من ذلك قال الناس أنه قانون يكرس للمحسوبية والفساد.. كما اعتبروه يدعو للسخرية ويؤدي للبطالة ويقضي علي الترقي!
اسأله: وإيه كمان؟
قال: السرعة أمر محمود.. ولكن التسرع هو سمة غير محمودة لأنها تعني عدم الدراسة والإعداد الكافيين.. كما أنه إذا كانت السرعة مطلوبة في بعض الأحيان.. ولكن السرعة وليست التسرع.
اسأله: يعني أيه؟
قال: السرعة أمر محمود.. فهي عكس البطئ.. ولكن التسرع يعني سلق القانون وعدم دراسته جيدا!
اسأل: ماذا قال المعترضون صراحة علي هذا القانون المعترض عليه؟
قال: خد عندك يا سيدي:
1 تطبيق القانون علي بعض الجهات والاستثناء من تطبيقه علي البعض الآخر تطبيقا لمفهوم «أولاد البطة السوداء وأولاد البطة البيضاء»، ويرى البعض هنا أنه إذا كان وزير التخطيط يريد إصلاحا إداريا بالفعل، فكان الأجدر به أن يطبقه علي الجميع من رئاسة الجمهورية إلي مجلس الوزراء وانتهاء بأصغر عامل، منتقدين عدم المساواة بين العاملين.
2 ينتقد البعض المادة (10) من القانون والتي تستحدث وظيفة الوكيل متسائلين عن دور هذا الوكيل الذي يتقاضي راتبا يتراوح بين 5000 جنيه كحد أدني، 45000 جنيه كحد أقصي!!
3 هاجم البعض المادة (18) الخاصة بالتعاقد مع ذوي الخبرات والتي تفتح الباب لتعيين استشاريين.. لا لزوم لهم في بعض الأحيان!
4 انتقد البعض المادة (36) الخاصة بالعلاوة 5%
5 انتقد البعض المادة (38) الخاصة بالتسوية، والتي لا تحقق تسوية لحملة الماجستير والدكتوراه فيما يتعلق بالزيادة.. مما يجعل الموظف يتوقف عن الارتقاء العلمي!
6 كما ينتقد البعض إلغاء محو الجزاءات للموظف بعد مدة معينة كما هو في القانون السابق، مما يؤدي إلي احباط العاملين وضعف انتاجيتهم بعكس ما تشير إليه أهداف القانون الجديد!
..........
..........
علي أي حال إلي أين نحن سائرون وماذا نحن صانعون بقانون يرفضه تقريبا كل موظفي الدولة عن بكرة أبيهم؟
أنا أسأل وخبير الإدارة العليا يقول: يا عزيزي لازم الفريزر بتاع الثلاجة لازم الأول يسيح؟
أسأل: يعني أيه؟
قال: كما أننا نعجز أحيانا علي إضافة ثمرة طماطم واحدة لفريزر الثلاجة الممتلئ باشياء مجمدة منذ زمن.. فإن الموظف المصري اعتاد منذ سنوات طويلة علي الكثير من العادات السلبية سواء ما يتعلق منها بالانضباط في العمل، أو ضعف الإنتاجية، أو التنافس غير المشروع بين الزملاء، وضعف الحماس المطلوب وغير ذلك من جوانب كثيرة سلبية.
إن هذه السلوكيات السلبية ما هي إلا نتاج للكثير من الأفكار السلبية التي اعتاد عليها وامتلأ بها عقل الموظف المصري، فإذا كان لقانون الخدمة المدنية الجديد أن يطبق.. كان يجب أن يسبقه جهد علمي مخطط لإذابة هذه الأفكار السلبية حتي يكون الفريزر، معذرة أقصد العقل علي استعداد للاستجابة لما يتضمنه القانون الجديد من أفكار وسياسات ايجابية.
فالقانون الجديد تم رفضه للعديد من الأسباب السابق ذكرها، ولكنني أري أن السبب الرئيسي يكمن في قصور الأجهزة المعنية بالتطبيق في اتباع الخطوات السليمة لتهيئة المناخ لقبوله، حتي لو تأخر تطبيق القانون بعض الوقت، فهذا أجدي من التسرع في تطبيقه، أو فرضه علي كل من يتأثر به!
..........
..........
ألم أقل لكم أنه موضوع دمه ثقيل حبتين.. ولكنه زي الهم علي القلب.. لأنه يتعلق بمصير 7 ملايين موظف.. يعني 7 ملايين أسرة مصرية في متوسط 5 أفراد للأسرة الآن.. بعد نسيان حاجة اسمها تحديد أو تنظيم النسل.. شوف العدد يبقي كام في النهاية.. موش أقل من 35 مليون إنسان؟
يستاهلوا أننا نتحمل همهم حبتين واللا إيه.. موش كده برضه؟!{
لمزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.