كان متوقعا فوز فرانسوا أولاند المرشح الانتخابي الاشتراكي في رئاسيات فرنسا وأن تبدأ الأخيرة عصرا جديدا.. وتطوي صفحة نيكولا ساركوزي الذي حصد من كراهية الناس الكثير والكثير طوال مدة حكمه في السنوات الخمس الأخيرة في فرنسا. صحيح ان كراهية الناس لساركوزي تعود في معظمها الي كراهية شخصية فالرجل وهذا ليس خافيا علي أحد يميني حتي النخاع وكان تلميذا وفيا لجاك شيراك مارس الديجولية اليمينية في فرنسا لكنه تنكر لذلك مرارا وتكرارا وصرح بأنه ليس تلميذا لأحد وأن فرنسا لا تورث لأحد فضلا عن اعجابه الشديد بالنموذج الأمريكي فقد زار جورج دبليو بوش عندما كان مرشحا رئاسيا وانتقد بلاده لأنها لم تقف مع امريكا في حربها علي العراق, ثم انه يكره الأجانب رغم أنه أجنبي عن فرنسا ومن أسرة يهودية كانت تستوطن هنغاريا ثم ذهبت الي فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وولد لها نيكولا الذي انخرط منذ نعومة أظفاره في العمل السياسي وتقلد مناصب عديدة منها وزير المالية ووزير الداخلية.. ثم انتهي ليكون رئيسا للجمهورية. فضل الناخب الفرنسي فرانسوا أولاند عليه أولا لأن التراث السياسي يعطي الحزبين الكبيرين في فرنسا دورة واحدة أو دورتين وسرعان ما يعود الي الحزب الآخر المناويء حدث ذلك مع اليميني جيسكار ديستان ثم الاشتراكي بل شيخ الاشتراكيين فرانسوا ميتران وعادت الرئاسة لليميني جاك شيراك ومن بعده نيكولا ساركوزي وبالتالي كان لابد أن يحكم فرنسا الاشتراكيون وهذا ما أكدته صناديق الاقتراع في حالة فرانسوا أولاند!! ولا تنسي أن نيكولا ساركوزي قد حقق اليمين بسببه الآلام لأنه كان غنيا وأصدقاؤه من الأغنياء في فرنسا وأوروبا وكان لا يري غضاضة في أن يقضي الفاكانس في يخت أحدهم ويسافر في الطائرة الخاصة لنائبهم.. كذلك كانت فضائح علاقاته النسائية في كل مكان سواء الطالبة المغربية التي كان يهيم بها حبا أو زوجته الأولي التي تركته وذهبت لتعيش مع رجل اعمال مغربي في الرباط أو زوجته الحالية التي كانت تعمل عارضة أزياء ايطالية.. ثم علاقته مع ابنة الرئيس شيراك الكبري.. كل ذلك جعل المواطنين الفرنسيين يشعرون بأنهم أمام رئيس ليس منهم وليسوا منه, ثم تصريحه الرنان عندما كان مسئولا عن الأديان في فرنسا الذي اعتبر أن الأجانب في بلاده هم( حثالة) المجتمعات وأنهم أوباش العالم ونادي بضرورة التعامل معهم بقسوة!ثم مساندته للديكتاتورية العالمية وقبوله مبدأ تمويل معركته الرئاسية الأولي من معمر القذافي الرئيس الليبي السابق.. صحيح أنه ينكر ذلك إلا أن المحمودي رئيس وزراء القذافي اكد بما لا يدع مجالا للشك أنه حصل علي50 مليون دولار منه! وقد حاول الناخب الفرنسي أن يتذكر لساركوزي بعض الحسنات في رئاسته الأولي فلم يجد خصوصا أن البطالة في عهده قد زادت كذلك الاقتصاد الفرنسي قد اهتز كثيرا.. صحيح أن هناك معركة اليورو في اليونان وايطاليا لكنها سوف تأتي الي فرنسا قريبا بسبب سياساته التي كان يمجد فيها العولمة والاقتصاد الحر.. ناهيك عن أن المواطن الفرنسي العادي أخذ يئن تحت وطأة الأسعار المعيشية.. لكن ساركوزي كان في شغل عنه بسياساته الخارجية فأوقع بين القيادة السورية والقيادات العربية.. وأفصح عن مساندته للقذافي وسمح باقامة خيمته في ساحة قصر الأليزيه! وانشغل بمجد شخصي عندما توسط لإطلاق سراح الممرضات البلغاريات. باختصار لقد اختار الناخب الفرنسي المرشح الاشتراكي فرانسوا أولاند وقبل بهزيمة ساركوزي الذي اعتبره كاذبا لم يف بما سبق أن تضمنه برنامجه الانتخابي! ناهيك عن أنه هبط بسمعة فرنسا الي أسفل سافلين فقبل أن تعود فرنسا الي حلف الناتو, لكن ليس من قياداته وهو المطلب الديجولي الشهير, وانما من ضباط الصف والجنود الذين يكونون جموع الأيدي العاملة في الحلف! وانحاز المواطن الفرنسي العادي إلي فرانسوا أولاند كراهية في ساركوزي من ناحية ورغبة في الاقتراب اكثر من الحزب الاشتراكي الفرنسي من ناحية أخري. ولهذا السبب يري أصحاب صناديق الاقتراع أن فرنسا ستبدأ صفحة جديدة مع الاشتراكيين باعتبار أننا أصبحنا نعيش عصر الشعوب وليس عصر الحكومات أو النظم. ومن الأشياء ذات الدلالة أن جاك شيراك اليميني قد أعلن أنه سيدعم الرئيس الاشتراكي الجديد فرانسوا أولاند كذلك بايرو زعيم حزب يمين الوسط رأي أن المرشح الاشتراكي أحق من ساركوزي في حكم فرنسا. باختصار: إن فرنسا شرعت في فتح صفحة جديدة مع الاشتراكيين وتأمل أن تكون مع المهاجرين كما قال فرانسوا أولاند وأن تصل ما انقطع وهو العلاقة مع شعوب العالم الثالث واعتبار فترة حكم ساركوزي صفحة سيئة في تاريخ فرنسا يجب نسيانها إلي الأبد ولن يغيب عن الأذهان أن استطلاعات الرأي كانت تؤكد تقدم فرانسوا أولاند طوال الأسبوعين الماضيين.. وكان لهذه الاستطلاعات الدور الأهم في توجيه الناخبين الي اختيار فرانسوا أولاند الذي أصبح اليوم رئيسا لفرنسا الاشتراكية!!