فى بداية عملى فى الأهرام اواخر الستينيات من القرن الماضى كنت اقوم بنقل الصور باستعمال خط التليفون وكان ذلك افضل تكنولوجيا لنقل الصور وكانت الاهرام هى الصحيفة الوحيدة فى الشرق الاوسط التى تمتلك مثل هذا الجهاز بناء على طلب الاستاذ هيكل ان يكون لدى الاهرام أفضل الوسائل لتقديم خدمة متميزة للقارئ ، وقد تسبب ذلك بانفراد الاهرام بنقل صور تحويل مجرى النيل وحادثة طائرة الحجاج ولقاءات رئيس الجمهورية التى كانت تقام فى اسوان فى الشتاء وكان نقل الصورة يستغرق 10 دقائق فى المتوسط. وأثناء احد هذه اللقاءات فى اسوان – فندق اولد كتراكت- وبعد ان نجحت فى ارسال عدد جيد من الصور لتنفرد بها الاهرام دعانا الاستاذ فى حديقة الفندق لشرب الشاى وكنا نجلس على المائدة مجموعة اتذكر منها الاستاذ حسن مراد مصور جريدة مصر الناطقة والأستاذ محمد يوسف كبير مصورى الاهرام والأستاذ هيكل واحد ابنائه اعتقد الدكتور على وأنا ، وحين حضر من يأخذ الطلبات سأل كل الجلوس عما يفضل أن يتناوله وعندما تبقيت انا وعلى ابنه وجدنا الاستاذ هيكل يقول بصوت عال وكمان اتنين قال ايس كريم بدون أن يأخذ رأينا ، فهمست فى أذن الاستاذ محمد يوسف وكان يجلس الى يمينى الاستاذ بيعاملنى معاملة الاطفال ، ولكن الاستاذ محمد يوسف قال لى ولم لا تقول أنه يعاملك مثل ابنه ؟ المهم عند عودتى للقاهرة كان فى انتظارى مكافأة قررها لى الاستاذ قدرها 75 جنيها نظير صورة استغرق نقلها 10 دقائق وكان مرتبى الشهرى فى ذلك الوقت 58 جنيها . واتذكر فى عام 1972 فى يوم جمعة كنت اتابع اصلاح احد الالات حين حول لى سويتش الاهرام مكالمة من السيدة الفضلى هدايت تيمور حرم الاستاذ وقالت لى هناك حديث تليفزيوني هام سوف يذاع مساء ذلك اليوم ويود محمد – هكذا كانت تقول عن الاستاذ – أن يتابعه وهى فى برقاش ولا يوجد تليفزيون يعمل على التيار الكهربى المتاح لديها وأعطتنى المهندس الموجود ليعطينى مزيدا من التفاصيل - وعندما فكرت - وكنت اعلم تقريبا كل التليفزيونات الموجودة فى المبنى لم اجد ما يناسب تلك المهمة سوى تلفزيون الاستاذ على حمدى الجمال مدير تحرير الاهرام انذاك وذهبت لحجرته حيث حولت الجهد الذى يعمل عليه التليفزيون وسلمته لسائق الاستاذ ليوصله لبرقاش على ان يعيده مساء السبت ، ولكنه اعاده صباح الاحد. وفى صباح اليوم التالي اعتقدت سكرتيرة الاستاذ الجمال أن التليفزيون سرق وعندما علمت ذهبت مسرعا لمكتبه لأقدم له اعتذاري عن الخطأ الغير مقصود الذى وقعت فيه بعدم طلب موافقته على ما قمت به فقال لى أو حتى أخبرني واترك ورقه تحت الزجاج تقول لى انك أخذت التليفزيون، فقلت له بالحرف الواحد على بك انا مستعد لأى عقوبة أو جزاء إلا ان تزعل منى وكنت فعلا احبه حبا شديدا . وبعد فاصل من التأنيب مد يده الى علبة الشيكولاته كان يضعها على يمينه وأعطانى بعضها وقال لى امشى بقى دلوقتي ، بعد عدة ايام كان الاستاذ هيكل يمر فى الدور الثالث بصحبة بعض الضيوف وقال لى انى أخطأت فى تصرفى مع الاستاذ الجمال وأن الاخير لو كان حولنى للتحقيق لما دافع عنى الاستاذ هيكل وكان هذا درسا بالغا فى ضرورة الالتزام بالقواعد والنظم. واتذكر فى عام 1975 كنت فى زيارة لإحدى الورش لصيانة سيارتي - موديل 128 كثيرة الاعطال - فقابلت ساتى سائق الاستاذ هيكل وقتها وكان يقوم بإصلاح سيارة مملوكة للأستاذ وقال لى انه سوف يبيعها وهى لقطة ، وعلى الفور طلبت الاستاذ منير عساف مدير مكتبه آن ذاك وأخبرته أنى اريد موعدا مع الاستاذ لشىء خاص بى بعد عدة دقائق طلبنى وقال الموعد الساعة السابعة مساء اليوم وعندما ذهبت فى الموعد وكان يجلس فى حجرة مكتبه المطلة على النيل وكان لديه بعض الضيوف اتذكر منهم الاستاذ فهمى هويدى وفهم الاستاذ فور دخولى من نظرته لى انى اريد ان احدثه على انفراد فقام ووضع يده على كتفى وقال عندك مشاكل هل سيد مضايقك اكلمه لك؟ - وكان يقصد الاستاذ سيد ياسين مدير عام المطابع والمشروعات وكنت اعمل تحت رئاسته ، فقلت له لا انا اريد انا اشترى السيارة التى تنوى سيادتك بيعها ، فقال لى انه لايفضل ذلك ,انه على استعداد لمنحى تقريبا ثمن السيارة – حوالى 200 جنيه- وعندما رآنى اتراجع للخلف قال لى سلف لاتخف فشكرته بشدة وانصرفت ، اكتشفت فيما بعد انه فى هذه الفترة وبسبب توتر علاقته بالرئيس انور السادات ان كل من كان يتعامل مع الاستاذ يوضع تحت المراقبة الشديدة واراد ان يحمينى من ذلك دون أن يفصح صراحة عن الامر . فى حفل اقامته مجلة الشباب قابلته انا والاستاذ ابو السعود ابراهيم والاستاذ جمال حماد لمدة دقائق قبل الحفل فقال لى انه سعيد انه يرى الاهرام ماضيا على ما رسمه بضرورة ان يكون على رأس القائمة من حيث الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة فى النشر وقال لى انه سعيد ان الاهرام ويكلى لا يوجد بها أخطاء لغوية أ و هجائية تقريبا ، وانتقد انواع واشكال الحروف التى تستعمل فى عناوين بعض صفحات الاهرام . وقال انه غير راضى على الاطلاق عن ورق ومقاسات وشبكات صور بعض المجلات التى تصدر عن الاهرام باستثناء الشباب ومجلة الديكور ( يقصد مجلة البيت) وأن الطبعة الدولية من الاهرام لا توصل الرسالة المطلوبة للقارئ هناك ، وانبهرت انه كان يتابع كل تفاصيل ما يجرى فى الاهرام رحم الله الاستاذ محمد حسنين هيكل رحمة واسعة. لمزيد من مقالات ◀ محمد تيمور عبدالحسيب