تعودنا منذ الصغر علي ارتباط صورة المقاهي في بلادنا بصورة أرباب المعاشات الذين يرتادونها من باب التسلية وإضاعة الوقت, بعد أن أدوا رسالتهم طوال عمر مديد في خدمة بلادهم وأنفسهم وذويهم, غير أن صورة المقاهي في بلادنا الآن قد تغيرت تماما, وأصبحت مرتبطة بصورة شبابنا ممن هم في العشرينيات من عمرهم أو دونها أو أكثر منها, وقد أمسك كل منهم بحبال الشيشة الخانقة والمدمرة لصحته ولعمره, أو تعانق مع سحب الدخان من خلال السجائر وما شابهها من مدمرات البنيان الجسدي, في منظومة يتباكي لها كل من يحرص علي مستقبل هذه الأمة المصرية العريقة, لسبب بسيط وهو أن هذا الجمع الغفير من شبابنا الواعد بات لا حيلة له سوي أن يدمر صحته وعمره ووقته وهو في مطلع حياته, وفي مقتبل سنوات العطاء الجميل, بدلا من أن يدخر من صحته ووقته ما ينفعه وينفع مستقبله وبلده التي علمته وجهزته لمستقبل ينتظر منه الخير الوفير. وكثيرا ما امتلكني شعور الفضول ودافع الشغف في مناقشة هؤلاء الشباب عن أسباب تضييعهم لأوقاتهم وقضائها بهذه الصورة السلبية المهلكة, وحينما اجتمعت بنماذج منهم, وجدت أنه من الواجب علينا كأجيال مسئولة أن نستمع إليهم لعلنا نصل معهم إلي حل يحقق المنفعة المأمولة لهم وللمجتمع, وكان مجمل كلامهم معي في إطار التساؤل عن البديل عن تلك المقاهي التي تجمعهم ليل نهار, خاصة أن أي بديل مقترح إنما هو من باب الاستحالة أو فوق الإعجاز, فالنوادي التي هي بديل مشروع لتجمع الشباب ولممارستهم الرياضة الحقيقية باتت الاشتراكات فيها فوق الخيال, وتتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات, وحينما سألتهم عن المراكز الشبابية التي تتبناها الحكومة, وقصور الثقافة, فوجدتهم لا يعرفون عنها شيئا, لضعف التركيز الإعلامي عليها, ولندرتها بصفة العموم, ولانشغال تلك المراكز والقصور بالندوات الثقافية والفنية والأدبية التي لا تجذب تلك الفئة العمرية من الشباب إلا فيما ندر, بالإضافة إلي اعتلال الأنشطة الرياضية الحقيقية بها, وقلة الملاعب في معظمها, وتلاشي دورها الحقيقي في خدمة أجيال الشباب الواعدة والجديدة. وهنا يبقي التساؤل عن كيفية استثمار تلك الطاقات الشبابية المعطلة, التي تفني عمرها علي نواصي المقاهي. وبين سحب الدخان الخانقة, وعن دور الحكومة المطلوب, لإنقاذ أبنائها من السقوط في غيابات التردي والفشل, والواقع الذي يزيد هذا التساؤل حيرة, هو أن حكومتنا الرشيدة حينما وافقت علي استضافة بطولة كأس العالم للشباب الأخيرة, أنفقت عشرات الملايين لبناء أكثر من إستاد جديد, وأبرزها استاد برج العرب الدولي, وتجهيز معظم الاستادات القديمة وإنشاء ملاعب جديدة لخدمة البطولة, وأنفقت علي فريق الكرة الذي خرج من الدور الثاني للبطولة أكثر من25 مليون جنيه, أفلم يكن من الأفضل والأجدي أن تنفق هذه المبالغ علي إنشاء نواد جديدة ومراكز شبابية حقيقية في المناطق المستحدثة يكون الاشتراك فيها بأسعار رمزية تجذب أجيال الشباب, وتقدم الخدمات الرياضية والثقافية والعلمية والترفيهية, وتفيدهم إفادة حقيقية, وتثري أوقاتهم الضائعة. و أن المسألة ببساطة في حاجة إلي خطة قومية تدعمها الدولة ورجال الأعمال الذين ينفقون الملايين من أجل شراء اللاعبين من الخارج, لإنشاء نواد جديدة ومراكز شبابية بأسعار تناسب الجميع, ولو في ظهير كل حي من أحيائنا الرئيسية, لأنقاذ ملايين الشباب من الضياع, ومن تبديد أعمارهم بين سحب الدخان.