تعقيبا علي ما طرحته صفحتكم الموقرة حول المشروع الثقافي المصري القومي.. اود أن أؤكد في البداية اهمية هذا المشروع, وربما كانت حالة التشرذم والضبابية وفقدان المرجعية وعدم وضوح الاهداف الذاتية, والقومية.. ربما كان كل ذلك من بين الاسباب الخطيرة التي توضح مدي حاجتنا الي المشروع الثقافي القومي, الذي تفضلتم بالمناداة به.. والدعوة اليه. إننا نفهم الثقافة علي أنها نتاج المعرفة الانسانية والتي يمكن ان تأتي من منبع واحد.. أو منابع عديدة.. منابع في حالة تصادم, أو منابع في حالة توافق وانسجام اهمية هذا الفهم ما يترتب عليه من حقيقية أن الثقافة في النهاية هي المعرفة الصانعة لسلوكيات الانسان ومواقفه ونحن معكم, في انه من غير المقبول, أن يترك العقل المصري للصراعات الفكرية الناشبة علي الساحة المصرية الآن.. والتي يضاعف من خطورتها ما تضيفه الفضائيات, والاعلام الدولي, من قيم ومفاهيم هي لاشك وثيقة الصلة, بالكثير من جوانب الفوضي التي تسيطر علي حياة المصريين الآن.. يكفي أن نقول انه بلا هدف, يعمل الجميع من اجله, ولامرجعية يتفق الجميع علي العودة اليها عند الخلاف. ولسوء الحظ أن القيم والمفاهيم والتقاليد الوطنية, القومية, المصرية, تعاني الآن من خلل جسيم بسبب مواجهتها للكثير من القيم والمفاهيم الواردة عبر الفضائيات وسائر جوانب الاختراق الاقتصادي, والفكري, والعلمي, والثقافي, التي واكبت سياسات الانفتاح الاقتصادي والانفتاح علي بلدان الغرب.. ولنا أن نتساءل: ما الذي يمكن ان يتبقي من الانسان.. اذا غاب عنه فكره.. ولنا ان نتساءل عن قيمة الانسان.. اذا كان محكوما بفكرة الآخرين؟! لذلك فإن الفهم الجيد للواقع هو اولي خطوات صناعة المشروع الثقافي القومي الذي يتوجب ان يكون معبرا عن سائر الثقافات الفرعية وقادرا علي تنميتها داخل المشروع القومي الكبير. ولاقيمة للمشروعات غير القادرة علي كسب تعاطف الشعب, واقتناعه وبالتالي نجاحه للمشروع الثقافي القومي عندما ينجح في كسب تعاطف ملايين المصريين.. ويخيل لي, ان نقطة البدايةالصحيحة في اطلاق هذا المشروع الثقافي المصري القومي, يمكن ان ينطلق من تحديد.. الهدف القومي الذي لاخلاف عليه بين جميع المصريين, والذي يكون قادرا علي صناعة المنطلق الصحيح لحل مشكلات المجتمع المصري.. وتمكين ابناء هذا الوطن من وضع اقدامهم علي الطريق الصحيح. لذلك اري ان تبدأ عملية صناعة المشروع الثقافي القومي المصري الجديد, بكلمة واحدة.. هي كلمة الانتاج وعلينا ان نجعل الانتاج هدفا قومي اعظم. وعندما يصبح الانتاج هو الهدف.. فان ذلك سوف يساعدنا تلقائيا في ايجاد الحلول الافضل ونحن بصدد صناعة سائر المناهج, والهياكل, والكيانات بل والوزارات, والادارات.. ناهيك وهذا هو الاهم عن صناعة الثقافة الجديدة.. ثقافة الانتاج. مناهج التعليم سيكون هدفها تمكين كل مواطن مصري من ان يكون مواطنا منتجا ساعتها سيتحول الاقتصاد المصري الي القوة الاقتصادية المعاصرة والتي تقاس الآن بمقياس الطاقة الانتاجية الكلية لبناء المجتمع. وبنفس المنطق ان كل الكتابات, وكل الاحاديث, والعظات, بل والسينما, والاغاني والمسرح.كل شئ.. كل شئ.. سوف يكون من اجل تعظيم ثقافة الانتاج.. كثقافة قومية جديدة, منشورة بهذا المجتمع المصري المعاصر. وخصوصا هذه الوسائل الصانعة لثقافةالانسان. ربما يتطلب ذلك ان تعيد الدولة المصرية النظر الي ذاتها, بحيث نأخذ بمفهوم الاقاليم الاقتصادية بدلا من مفهوم الاقاليم الادارية المعمول به حتي الآن والذي لم يعد مناسبا ابدا لثقافة العصر أو حتي روح العالم المعاصر. علينا ان نوجد الوزارات والادارات القادرة علي خلق هذه الاقاليم الاقتصادية الجديدة الصانعة للمستقبل في مصر.. وعلينا ان نوجد النظم والمفاهيم الادارية القادرة علي تفعيل هذه الثقافةالجديدة.. بدلا من النظم الادارية والوزارات والادارات الحالية. هذه الاقاليم الاقتصادية الجديدة ستساعدنا كثيرا في إعادة توزيع السكان علي خريطة مصر, طبقا لاحتياجات وامكانات هذه الاقاليم الجديدة. والخلاصة: اننا بالفعل في مسيس الحاجة الي الدفاع عن العقل المصري, دون احداث تعارض مع العصر الذي نعيش فيه, وتأكيد الجدارةالمصرية في ساحة المنافسات الدولية الجديدة. أننا نقترح ان يتم بناء المشروع الثقافي المصري القومي الجديد علي اساس من مفاهيم وقيم الانتاج, لانه سبيلنا الي المنافسة في العالم المعاصر. علي ان المشروع الثقافي القومي المصري المقترح عليه مسئوليات اخري, ربما رأيتها في النهاية علي النحو التالي: ان يكون قادرا علي تمكين المواطن المصري من التواصل مع جذوره الفكرية ومنابعه الثقافية. موضحا لطبيعة الطريق الذي سارت عليه ثقافتنا القومية من القديم جدا.. وحتي الآن. وأن يقرأ المشروع الثقافي القومي الجديد الآفاق التي تحيط به, محليا, واقليميا, ودوليا. ويمكنه صناعة الخريطة العربية والافريقية بما لها من امتدادات, وان يكون مستوعبا لعلاقة التطور التاريخي بالمتغير الثقافي. أما الهدف الاسمي, لهذه الثقافةالجديدة المنشودة فهو تمكين المواطنين المصريين من ممارسةحقوق الملكية فوق الارض بدلا من المفاهيم التقليدية لملكية النخب الحاكمة مع تحفيز افراد الشعب علي الانتاج والتفوق والنبوغ, وتأكيد الجدارة المصرية. ولنا ان نتذكر في النهاية ان القادرين علي صنع المستقبل.. سوف يمتلكون السيادة دائما علي سائر الشعوب وهم لايحققون مثل هذه السيادة في الداخل أو في الخارج.. الا عن طريق ثقافة واحدة.. هي ماننادي به الآن من سيادة ثقافة الانتاج.. واعلاء شأن المنتجين.