لاشك ان الاجراءات التى اتخذها البنك المركزى خلال الأشهر الثلاث الماضية ، كانت مهمة وتمثل خطوات إسعافية عاجلة لإحتواء مشكلة نقص العملة الاجنبية ، فى ضوء التطورات والتوقعات المستقبيلة للاداء الإقتصادى ومصادر النقد الاجنبى، كما ان بعضها يدخل ضمن محاولة تحريك عجلة الاقتصاد ، لاسيما الزام البنوك بالتوسع فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، ب 20 % من اجمالى محفظة القروض ، من اجل تحقيق التنمية وتوليد فرص العمل والتشغيل .. ولكن ما يعنينا هنا هو الاجراءات التى اتخذها المركزى للتعامل مع مشكلة نقص العملة الاجنبية ، مع انكماش ايرادات السياحة بشكل لافت اثر سقوط الطائرة الروسية ، وانحصار الدعم الخليجى بسبب تدهور اسعار النفط ، وتراجع حصيلة الصادرات بنحو 22 % العام الماضى ، مع الزيادة الكبيرة فى الفجوة بالميزان التجارى ، بسبب ارتفاع فاتورة الواردات ، اجراءات المركزى على اهميتها تظل محدودة الاثر نظرا لتزايد الفجوة بين الطلب والالتزامات الاساسية والمعروض من الدولار . من المهم الاخذ فى الاعتبار وجهات نظر دوائر الاستثمار ، حيث يرى الكثير من المستثمرين ان استمرار سعر الصرف بهذا المستوى ، سيؤثر سلبا على مناخ الاستثمار ، لاسيما فى ظل حرب العملات وانخفاض اسعار عملات كثير من الدول ،لاسيما انخفاض اليوان الصينى ، والليرة التركية ، وكذا انخفاض العملة الاوروبية ، وهو ما يجعل سعر الجنيه مرتفع امام هذه العملات ويطعى لصادرات هذه الدول الى مصر مزايا تنافسية ، على حساب المنتج المحلى ، كما يؤكد هؤلاء المستثمرين على ان استمرار هذا الامر سيكون له تأثير سلبى على تدفق الاستثمارات المحلية والاجنبية ، لاسيما فى ظل ارتفاع الفجوة بين السعر فى السوق الموازية والسعر الرسمى، والتحدى الذى يواجه بعض الشركات فى تدبير العملة الاجنبية . مشكلة نقص العملة من اهم وابرز التحديات التى تواجه الحكومة فى الوقت الراهن ، وربما تستمر هذه المشكلة لفترة غير قصيرة ، لاسيما فى ظل تداعيات التطورات الجيوسياسية و الاوضاع الاقتصادية الاقليمية واحتمالات استمرار انخفاض سعر النفط عند هذا المستوى خلال الفترة المقبلة ،اضافة الى تباطؤ الاقتصاد العالمى ، واستمرار حرب العملات وتخفيضها فى اطار المنافسة على الاسواق الخارجية ، ليبقى الرهان على قدرة الحكومة والبنك المركزى فى تبنى برنامج اصلاح اقتصادى رشيد وحصيف لعبور هذه المرحلة الصعبة ، وهو ما يتطلب اتخاذ حزمة اجراءات متكاملة فى اطار سياسات اقتصادية شاملة وفق استراتيجية واضحة يوافق عليها البرلمان ، ومن المهم بمكان مراعاة توزيع اعباء برنامج الاصلاح الاقتصادى على فئات المجتمع، بما يحقق العدالة الاجتماعية ، التى تمثل المطلب الاساسى لثورتى 25 يناير و30 يونيو .. وهو ما ينتظر ان تكشف عنه الحكومة فى برنامجها خلال الايام القليلية المقبلة امام مجلس النواب . من المهم الاشارة الى ان الاجراءات التى تم اتخاذها من جانب الحكومة حتى الان ، تحمل الطبقة المتوسطة فى المجتمع للجانب الاكبر من الاعباء ، حيث ستنعكس تداعياتها بشكل سلبى على القدرة الشرائية لذوى الدخول الثابتة اكثر من غيرهم . فى سياق مرتبط بذلك ، فقد سعرت الحكومة الدولار فى موازنة العام المقبل 2016 /217 بسعر8.25 جنيه ، وهو مافسرته وكالة رويترز بانه يعنى وجود نية لدى الحكومة بتخفيض سعر العملة، مما دفع وزارة المالية ، الى نفى ذلك والتأكيد على ان هذا الاجراء روتينى يتم العمل به كل عام ، حيث يتم وضع افتراضات لسعر الصرف، لتقوم جهات الدولة بإعداد موازناتها على أساسها كأسلوب للتحوط ، وانه لا يرتبط بحركة سعر الصرف المتداول بالسوق، وأنه عادة ما يتم تعديل هذه الافتراضات بشكل مستمر طوال فترة إعداد مشروع الموازنة، مشددة على ان البنك المركزى المصرى لا علاقة له بتحديد هذه الافتراضات، وأن السايساة النقدية من اختصاص البنك المركزى الذى يتمتع باستقلالية فى رسمها وادارتها . مما يمكن رصده فى هذا الاطار ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية بشكل لافت خلال الايام الماضية لتتسع الفجوة مع السعر الرسمى ، رغم مطالبة المركزى والتشديد على شركات الصرافة بضبط الامر وعدم انفلات الاسعار ، وهو ما يفسره البعض بالهوة بين العرض والطلب ، لاسميا بعد رفع المركزى الحد الاقصى للايداع النقدى الدولارى لاستيراد السلع الاساسية والاولية ، وفى المقابل فان ارتفاع الاحتياطى الاجنبى فى يناير الماضى للشهر الرابع على التوالى منذ اكتوبر الماضى ،يعكس سياسة المركزى فى الحفاظ على مستوى الاحتياطى عند الحدود الآمنة ليغطى استيراد السلع الاساسية لمدة 3 اشهر ، ولا يعكس التحسن فى مصادر النقد الاجنبى التى تمثل عناصر الارتكاز الاساسية فى هذه المعادلة الصعبة . ليبقى الرهان على برنامج الاصلاح الاقتصادى وتحمل جميع فئات المجتمع اعباءه ، وفقا لقدرة كل فئة ، مع اعطاء أولوية قصوى لجذب الاستثمارات الاجنبية ، والتعامل الحقيقى والجاد مع المعوقات لاسيما البيروقراطية والفساد الادارى ،هو الخيار الامثل لعبور الاقتصاد هذه المرحلة ، وبناء اقتصاد على اسس قوية ، لمواجهة الممارسات الاحتكارية بالسوق وخلق فرص تنافسية واعدة ومستقرة .