ماذا لو أننا استيقظنا من نومنا ذات صباح، لتحاصرنا وسائل الإعلام بأكملها من صحافة، وإذاعة، وتليفزيون، ووسائل الاتصال الاجتماعي، لتعلن أن اليوم هو آخر أيام الدنيا، وأننا جميعا راحلون، مع دقات الثانية عشرة ليلا. ماذا بعد أن ساد الجميع عنصر المفاجأة، وعنصر الصدمة فى الأغلب الأعم؟ ماذا جري؟، وماذا قيل؟ ردود الأفعال كيف كانت، فى بقية هذا اليوم الفارق والفريد؟! حين سمعت «دعاء» طفلة التاسعة الخبر، سكنت قليلا ثم قالت لنفسها: لن أغير شيئا مما أفعله كل يوم.. سأقوم لأتوضأ، وأصلي، ثم أقبل أمي، وأبي، وأخى الصغير. بعد الفطور، سأذهب إلى المدرسة كما أفعل كل يوم.. فى المدرسة سأقابل مدرساتي، وزميلاتى الحبيبات، سأقبلهن وأدعو لهن أحلى الدعوات.. ثم أسلم على ناظرة المدرسة، بحب وامتنان. سأقول لأمى الحبيبة، بعد عودتى من المنزل، أننى أشتهى طبق حلو من يدها الجميلة إلى طبق «الأرز باللبن» بالذات، فقد كانت تصنعه بحب، واقتدار. أكلنا جميعا من حلوها. تسامرنا قليلا. قبلت أمى وأبي، وأخى الصغير، وصليت. ولما غالبنى النعاس. نمت. «محمد سليم» خبير التخطيط، بعد معرفته بخبر الرحيل الجمعي.. انتابته حيرة شديدة وندم أشد، قام ليتوضأ ويستغفر، وانخرط فى بكاء مر، وندم أمر. سأل نفسه سنستغفر كثيرا.. يا محمد! بعد ذلك ذهب إلى زوجته بادرها بقوله: سامحينى لطالما عاملتك بغلظة، وعصبية، وكنت أنت دائما الصابرة المتحملة دائما كنت أردد فى عصبيتى «حتموتينى ناقص عمر»، والآن سنموت سويا.. فالعمر قدر مكتوب.. إنما كان ضعفى الكامن يغلف قوتى الوهمية.. سامحينى أرجوك، قالت: ومن غير زوجتك المحبة تسامحك؟!. يسمع «إسماعيل» الخبر فيهرع إلى «السوبر ماركت» الذى يملكه فى الشارع القريب، وهو يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفتح السوبر ماركت وهو يبسمل ويحوقل، ثم يمسك «بيافطة» كبيرة كتب عليها «كل المعروض ببلاش»، ثم كلف عماله، بالتخلص من كل المعلبات التى انقضى تاريخها، وكل ما كان مغشوشا أو غير مطابق للمواصفات. كان يحدث نفسه: لعل ذلك يعوض جشعى وطمعى فى الأيام الخوالى ويرجو من الله أن يسامحه على ما فعله بالناس. وفية المرشدي، تربية الراهبات، قالت: تعلمت منذ صغرى كيف أسامح، وكيف أمحو أخطاء الآخرين كانو يقولون لها فى المدرسة حاسبى نفسك لو «غلطتي» حاسبى نفسك على الأقل لمدة ساعة فى اليوم. «نشوي» خبيرة السياحة، دعت ربها، أن يبارك لها فى يومها، وأن يوفقها فيه. انتقت أجمل أثوابها، لترتديه بعد الرجوع من عند الكوافير، قالت لصاحبتها عبر التليفون المحمول. عارفة ليه؟! أتمنى أن أقابل ربى وأنا فى أحلى حالاتي، جميلة المخبر، والمظهر فى أثناء ذلك اليوم. تساءلت «عبير» أستاذة الأدب الفرنسى فى الجامعة، هل المحبون سيكونون أفضل عند ربهم، لأنهم يملكون رقة المشاعر، وحلو العطاء.. وتذكرت الأيام الحلوة، والأغانى الحلوة.. تذكرت «أم كلثوم» وشدوها كل حفلة شهرية.. من أجمل ما غنت «يا حبيب امبارح وحبيب دلوقت.. يا حبيبى لبكرة ولآخر وقتي» ها قد حان آخر الوقت، يا زوجى الحبيب، رحلت قبل سنوات، وتركتنى مع ذكريات حبك الحلوة وأغانى «ثومة» حين كانت تردد: بعد هنايا معاك يا حبيبي.. لو راح عمري.. أنا أنا.. ما اندمش». أما «داليا» خريجة الجامعة الأمريكية فكانت بارعة الجمال رغم مرور سنين على تخرجها من الجامعة، فظلت فى بيتها، بقية اليوم الأخير تصلى وتستغفر كثيرا، فقد كانت ممن يقولون عنها «معجبانية» تحب أن تسمع دائما عبارات الإطراء والإعجاب، أو كما يذهب الشاعر، والغوانى يغرهن الثناء.. تعودت داليا أن تشحذ أسلحة أنوثتها، من «بارفان» يغري، ولا يشبع، وأحيانا نظرة من عينيها الآسرتين، ولا مانع أن تزيح وهى تتكلم خصلة وقعت على جبين المرمر، ولا بأس من استعراض ثقافة ممزوجة بأنوثة لبقة. كانت داليا تحب أن يغفر لها ربها أخطاءها الصغيرة التى سببها لها حب الذات والإعجاب بها. «جمال عنان» الصحفى يقول، مفاجأة اليوم علمتني، أن حكمة الآباء بليغة، فقد كان أبى يضع على مكتبه لوحة فى إطار جميل مكتوب عليه حديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» أى أن السلوك، والخلق المقرون بالعمل هما لب الفوز فى الدنيا والآخرة.. كما أنه دعانا للعمل حتى آخر لحظة «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها». أما الأستاذ عبد الستار موظف فى وزارة الصحة، فكان أكثر ما يميزه النهم والشراهة، فى حب المال، وفى الأكل، وفى أشياء أخرى أيضا. قبل انقضاء اليوم الموعود، طلب من زوجته عدلات، أن تعد له طعام غداء معتبرا، كالمعتاد أوصاها، اللحوم ضرورية كلها بروتين، ويا سلام على فتة بالخل والثوم . كالمعتاد أيضا ناداها قائلا أسرعى فى وضع الطعام على المائدة: «عصافير بطني.. إنتى عارفة». وضعت الطعام على المائدة، أكل كما لم يأكل أبدا بنهم وشره شديدين.. بابتسامة حزينة، نظرت «عدلات» إليه قائلة: فعلا زى ما تكون بتاكل فى آخر زادك». لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى