شاء قدر مصرنا أن تكون عربية وشرق أوسطية وشمال إفريقية ولها موقع جغرافى متميز يسكن شمال شرق القارة السوداء ويربطها شرقا بآسيا ويطل على أوروبا. إنه موقع فى قلب العالم، وتاريخ وجغرافيا وحضارة بلدنا الحبيب العريق ما يملكه من حضارة وطاقات وإمكانيات عريقة وقوة بشرية تملك كوادر فى مختلف مناحى الحياة هندسية وطبية وزراعية وفنية تستطيع أن تساهم بل وأن تقود حركة تطورية لهذه القارة الجميلة بحق. حتى وجه أبناء القارة الأسمر يشع بالجمال الحقيقى والطيبة ولكن أجسادهم مليئة بالملاريا والسل والإيدز والتيفود.. مليئة بالأنيميا وعدد لا حصر له من الفيروسات الإيبولا وغيره. إنه المرض والفقر والجهل الثلاثى المرعب أنه المثلث المترابط والذى لا تستطيع أن تعمل على ضلع من ضلوعه دون الباقية. فالمريض بمثل هذه الأمراض الفتاكة لن يستطيع أن يحصل على العلم نظريا أو عمليا. والجهل سوف يمنعه من اتباع أساليب الوقاية ولا حتى طرق العلاج أو الالتزام بها، والفقر سوف يحرمه من وسائل التعلم والقدرة على العلاج. هل هذا هو قدر هذه القارة العظيمة؟ والى متى؟ أعتقد أن هذه العوامل مجتمعة هى التى تحرم إفريقيا من استغلال والاستفادة بما تملكه من ثروات هائلة ولقد لعبت مصر دورا بارزا على مدى تاريخها مساندة ودعما للدول الإفريقية العربية وغير العربية.. إفريقيا كما ذكرت مليئة بالأمراض القاتلة.. وهى فى حاجة ماسة لدعم تقنى وتشخيصى وعلاجى ودوائى وتدريبى على طرق الوقاية وسبل العلاج.. ومصر الإفريقية قادرة على ذلك.. قادرة بالفعل. إن الصحة فى إفريقيا مأساة حقيقية فى حين يعيش حوالى 16% من سكان العالم فى إفريقيا، فإن 60% من سكان العالم الذين يعيشون بمرض نقص المناعة المكتسبة أو الإيدز هم فى إفريقيا. وعلى الرغم من زيادة عدد سكان إفريقيا الذين يعالجون بأدوية علاج الإيدز (الأدوية ضد الفيروسات) فإن نسبة وفيات الأفارقة من هذا المرض ومضاعفاته مازالت عالية للغاية . ومن المتوقع أن تصل حصة إفريقيا من اجمالى عدد سكان العالم الى 19.7 فى المائة سنة 2034 والى 35.3% سنة 2100 عندما سيعيش أكثر من ثلث سكان العالم فى القارة الإفريقية، وسكان إفريقيا من أكثر سكان العالم شبابا. فمعدل أعمار سكان إفريقيا لسنة 2013 حوالى 20 عاما والمعدل العالمى من 30 عاما. وينمو عدد سكان إفريقيا ب 31 مليون نسمة سنويا ووصل الآن الى حوالى 1.4 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان القارة الى حوالى 1.7 مليار نسمة عام 2034. يحتل السل المرتبة الثانية بعد فيروس الإيدز كأهم سبب للوفاة نتيجة لعامل وحيد مسبب للعدوى فى عام 2013، أصيب 9 ملايين شخص بالسل ومات 1.5 مليون شخص من جراء هذا المرض فى العالم. تحدث نسبة تتجاوز 95% من الوفيات الناجمة عن السل فى البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، وهو من بين الأسباب الرئيسية الخمسة لوفاة النساء اللائى تتراوح أعمارهن بين 15 و 44 عاما. فى عام 2013، من المقدر أن عدد 550000 طفل أصيبوا بالسل وأن 80000 طفل من غير الحاملين لفيروس الإيدز ماتوا من جراء السل. على الصعيد العالمى فى عام 2013، من المقدر أن عدد 480000 شخص أصيبوا بالسل المقاوم للأدوية المتعددة. من المقدر أنه جرى إنقاذ حياة 37 مليون شخص من خلال تشخيص السل وعلاجه فيما بين عامى 2000 و2013. يصيب السل فى الغالب الشباب البالغين خلال السنوات التى يبلغ إنتاجهم فيها أوجه. بيد أن كل الفئات العمرية معرضة لخطره ، وتحدث نسبة تتجاوز 95% من الحالات والوفيات فى البلدان النامية. واحتمال تعرض مرضى فيروس الإيدز للإصابة بالسل تتراوح بين 26 و31 مثل احتمال تعرض غيرهم للإصابة به. واحتمال الإصابة بالسل النشط أكبر أيضا بين الأشخاص الذين يعانون من اعتلالات أخرى تضعف جهازهم المناعى. وفى عام 2013، أصيب بالسل أكثر من نصف مليون طفل (تتراوح أعمارهم بين سنة و14 عاما) ومات 80000 طفل من غير الحاملين لفيروس الإيدز من جراء السل . ويزيد تعاطى التبغ بدرجة كبيرة من خطر الإصابة بالسل والموت من جرائه، وتعزى نسبة تتجاوز 20% من حالات السل على الصعيد العالمى الى التدخين. يوجد السل فى جميع أنحاء العالم، وفى عام 2013 حدث أكبر عدد من حالات السل الجديدة فى جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، حيث مثل 56% من الحالات الجديدة على الصعيد العالمى. بيد أن إفريقيا كانت صاحبة أعلى نسبة من الحالات الجديدة مقارنة بالسكان وهى 280 حالة لكل 100000 من السكان فى عام 2013. ومرض السل هو من الأمراض الذى يعكس كل مشاكل إفريقيا، فهو مرض اجتماعى ينتشر عن طريق السعال أو الرزاز من فم المريض المصاب وينتشر مع سوء التهوية وسوء السكن وعدم وجود وسائل وقائية ونظافة عامة. ويحتاج للتوعية للوقاية ووسائل وإمكانيات التشخيص وتدريب الكوادر الصحية والاجتماعية للتعامل مع هذا المرض ويحتاج أيضا لتوفير الدواء للمرضى ويحتاج هذا المرض الى فترة علاج طويلة نسبية تمتد من 6 إلى 9 شهور أحيانا وأيضا الى مجموعة من الأدوية بنظام محدد، وأى خلل فى نظام العلاج يؤدى الى مقاومة جراثيم المرضى للأدوية النوعية المستخدمة ثم انتشار جراثيم الدرن التى تقاوم الأدوية، وهى مشكلة كبيرة. ولقد حقق البرنامج المصرى لمكافحة الدرن (السل) نجاحا كبيرا خلال السنوات الماضية وانعكس ذلك على نسب الإصابة بالمرض وعلى نسب العلاج والشفاء، وشمل هذا النجاح وجود مراكز للأمراض الصدرية منتشرة فى أنحاء الجمهورية وكذلك مستشفيات متطورة لتشخيص وعلاج أمراض الصدر والسل ويضاف الى ذلك توفر الكوادر البشرية المؤهلة بالفعل للتعامل مع الحالات المصابة بالمرض. وكان لتوفير الأدوية النوعية لهذا المرض بصورة مستمرة ومنتظمة دور كبير فى السيطرة على المرض. وتستطيع شركات الدواء فى مصر بسهولة توفير عدد كبير من أدوية وعلاج أمراض الصدر بصفة عامة وعلاج السل بصفة خاصة وبالفعل هناك شركات تنتج هذه الأدوية. وبناء على ذلك وكمثال تستطيع الخبرة المصرية فى هذا المجال المساهمة الفاعلة لنقل منظومة استراتيجيات التعريف والتعليم والتدريب والتطبيق والتشخيص والعلاج والمتابعة لمرض الدرن. وبالفعل يدعم البرنامج القومى المصرى لمكافحة الدرن دورات تدريبية مستمرة للزملاء من بعض البلدان الإفريقية. لمزيد من مقالات د. محمد عوض تاج الدين