قسوة وجحود وعدم إحساس بالمسئولية الاجتماعية, مارستها هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية ضد أصحاب المعاشات الذين بلغوا سن التسعين, عندما أصدرت قرارها دون تنبيه أو سابق إنذار علي مستوي الجمهورية بإيقاف صرف المعاشات لكل من بلغ سن التسعين, حتي يأتي ويقدم إقرارا بنفسه بأنه مازال علي قيد الحياة, دون مراعاة لظروفهم المادية والصحية وكان نص الإقرار: أقر أنا فلان الفلاني أنني مازلت علي قيد الحياة وهذا إقرار مني بذلك. .................................................................... لو أن هناك عدلا ورحمة في قلوب المسئولين لحاسبوا من اتخذ هذا القرار الذي ذبح بسكينة باردة آلافا من أصحاب المعاشات الذين بلغوا سن التسعين وكأنهم يقولون لهم هذا يكفيكم من الحياة. وإذا كنتم مازلتم علي قيد الحياة عليكم إثبات ذلك. بدأت رحلة المعاناة وهنا أنا لا أبالغ عندما أقول رحلة عذاب عندما ذهب قريب لي إلي أحد البنوك التي اعتاد علي أن يصرف منها معاشه الشهري, فوجئ بأن المعاش توقف وعندما سأل موظف البنك عن السبب قال له لا أعرف, عليك التوجه لمكتب التأمينات والمعاشات التابع له, فطلب مني أن استفسر له عن سبب وقف صرف المعاش لشهر نوفمبر بصفتي صحفية ولي مصادر في هيئة التأمينات والمعاشات, فقمت بالاتصال بالهيئة لمعرفة السبب وراء عدم صرف المعاش, وبعد عدة اتصالات لم أصل لنتيجة فقررت أن أصطحبه لمكتب التأمينات التابع له في باب اللوق. وبدأت رحلة العذاب بالبحث عن مكان المكتب والبحث عن مكان لركن السيارة حتي لا نمشي مسافة كبيرة من الصعب عليه أن يمشيها وبعد ان وصلنا الي المكان نزل قريبي أمام الهيئة وذهبت أنا أبحث عن مكان لركن السيارة والعودة بسرعة لكي آخذه وندخل مكتب الهيئة, لكن الصعود للمكتب مشقة ما بعدها مشقة أولا لا نستطيع أن ننكر وجود أسانسير لكنه لا يصلح للاستخدام الآدمي بعد أن تحول إلي مقلب قمامة, فأصبح ليس أمامنا خيار سوي الصعود علي السلم المظلم والمتهالك صعدنا إلي الدور الأول قالوا لنا اصعدوا الدور الثاني صعدنا إلي الدور الثاني قالوا لنا لا اصعدوا الدور الثالث صعدنا للدور الثالث وسط ظلام وقمامة ملقاة علي السلم وبعد أن وصلنا الدور الثالث وجدنا مكاتب لا تصلح لموظفين للعمل فيها ولا حتي لمترددين عليها مكاتب متهالكة وحوائط أكلتها الرطوبة وملفات ملقاة في كل مكان وتدخل المكتب تصاب بحيرة هل أنت في مكتب أم في حمام في شارع عمومي وبفضول الصحفي تجولت في المكان لم يعترضني احد. دخلت كل المكاتب تقريبا وفتحت بعض الدفاتر ودخلت الأرشيف المكان سداح مداح لأي عابر سبيل بعد ما تجولت في المكان بدأنا البحث عن موظف يقول لنا سبب عدم صرف المعاش فوجدنا موظفا واحدا يجلس علي مكتب غير آدمي بالمره وأمامه جهاز كمبيوتر من العصر الحجري سألناها عن سبب وقف المعاش فطلب الاسم ورقم البطاقة وأثناء بحثه علي الكمبيوتر عن البيانات جاءت موظفة وكأنها خرجت لتوها من فيلم عربي لتقول لنا أكيد يا حاج أنت بلغت سن التسعين وأكملت حديثها ببساطة قائلة: الهيئة أرسلت لنا قرار بوقف صرف المعاشات لكل من وصل إلي سن التسعين, قلت لها كان من المفترض قبل تنفيذ هذا القرارا أن يتم التنبيه علي أصحاب المعاشات الذي بلغوا سن التسعين بتحديث البيانات الخاصة به ومن لم يلتزم يتوقف صرف المعاش له قالت: نحن ننفذ التعليمات بالإضافة إلي أننا ليس لدينا إمكانيات لإرسال خطابات أو حتي الاتصال تليفونيا فكان قرار المنع أسهل, قلت: وما المطلوب حتي يتم صرف المعاش قالت يكتب الأستاذ إقرارا بأنه مازال علي قيد الحياة فقال ألا يكفي حضوري شخصيا؟ قالت لا يكفي وطلبت مني تصوير البطاقة سألتها علي مكينة تصوير بابتسامة قالت للأسف لا توجد ماكينة تصوير هنا ولا حتي في الشارع فقلت وما الحل؟ قالت يوجد في أخر الشارع الموازي لنا توجد مكتبة صغيرة لمن هم بها تصوير ذهبت لأخر الشارع وقمت بتصوير البطاقة والعودة علي أمل أن الموضوع انتهي وسوف يعطوننا شيك, لكن فوجئنا بالموظفة تقول أن الشيك سوف يصرف الشهر القادم مع معاش الشهر الجديد وهذا يعني تكرار المعاناة مرة أخري بعد عشرة أيام بالفعل ذهبنا للهيئة بعد عشرة أيام للأسف تكرر نفس السيناريو لكن هذه المرة كان أكثر تعقيدا وبعد أن وصلنا للدور الثالث لم نجد الموظفين الذين قابلناهم المرة الماضية فكان عليننا شرح الموضوع للموظف الجديد الذي ظل يبحث في جهاز الكمبيوتر عن أي معلومة تفيد أنة مقيد في قائمة المعاشات فلم يصل إلي شيء فطلب مني أن أنزل للدور الثاني عند الأستاذ حنفي ذهبت للأستاذ حنفي موظف من نوعية فوت علينا بكرة, شرحت له الموضوع وطلبت منه رقم القيد وبعد تفكير عميق تفتق ذهنه إلي أن قال: بياناته لم تدخل في قاعدة البيانات التي أنشأتها الوزارة في الفترة الأخيرة وكأن الوزارة عملت كل شيء صح وان لها قاعدة بيانات طبعا لم أقتنع بكلامه وإحساسي بأنه يريد أن ننصرف من أمامه وخلاص قلت له ما الحل توقف صرف المعاش الشهر الماضي وان لم ننهي هذه المسألة سيتوقف صرفه هذا الشهر؟ فقال للأسف لا يوجد له رقم قيد لأنه خرج علي المعاش منذ فترة طويلة ولم يتم إدخال بياناته علي قاعدة البيانات لذلك لابد من إعادة القيد من جديد. قلت للموظف وما المطلوب قال مطلوب شهادة ميلاده وشهادة ميلاد الأم قلت وهذه الإجراءات يلزمها وقت طويل ماذا يفعل حتي يتم عمل إجراءات قيد جديد قال الموظف بسخرية: الموضوع ممكن يأخذ شهرا أو شهرين قلت له وماذا يفعل طوال هذه المدة وهو يحتاج إلي المعاش قال هذا هو النظام قلت أنت أكيد بتهزر وان كل ما تقوله هو كلام غير مسئول تركت فرج وصعدت لدور الثالث ابحث عن أي مسئول يجد لي حلا لهذه المشكلة وأثناء تجولي في المكاتب وجدت الموظفة التي قابلناه في المرة السابقة فسألتها عن الشيك قالت لنا لقد تم تحرير الشيك وعلينا تسلمه من موظف في الدور الثاني نزلنا ألي الدور الثاني واستلمنا الشيك وقال لنا الموظف أن هذا الشيك لابد من صرفه من البنك الأهلي الفرع الرئيسي في وسط البلد وبالفعل ذهبنا إلي المقر الرئيسي للبنك الأهلي في شارع شريف لكن فوجئنا بأنه لابد من الذهاب إلي المقر الرئيسي للبنك الأهلي الموجود في شارع الجمهورية وكانت المعاناة الأخري لان هذا المقر يوجد في شارع الجمهورية وهو شارع اتجاه واحد والذهاب له مشقة ومعاناة لمن هم في مثل سني أنا فما حال رجل في سن التسعين ولا يوجد معه من يرافقه في هذه الرحلة الشاقة من البحث عن مقر هيئة المعاشات إلي مقر البنك الرئيسي؟وإذا كان هذا حال هيئة المعاشات لأهم منطقة في البلد التي بها وزراء ومسئولون كبار فكيف يكون الحال في المناطق الشعبية أو في المحافظات الأخري.. الخيال مؤلم والواقع أكثر ألما.