سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
25 / 30 استرداد وطن القوات المسلحة درع مصر والمؤسسة الوحيدة التى لاتجذبها "نداهة السياسة"
بناء الدولة والعدالة الانتقالية ومصالحة الشباب للعبور إلى المستقبل
اشتعلت مواقع وصفحات التواصل الاجتماعى وخاصة الفيس بوك مؤخراً بنقاشات حادة حول 25 يناير وتوصيف ما حدث فيها عام 2011، هل هى ثورة أم نكبة، وذهب البعض إلى تسميتها "25 خسائر"، وحملها كل الإخفاقات التى نعيشها، بينما فى مقابلهم من يراها ضرورة تاريخية كسرت مسار الانهيار وأنقذت مصر من مصير كارثى. وبين الفريقين من يرى أن الثورة الحقيقية هى 30 يونيو 2013 والتى جاءت لتواجه خطرا أعظم بوصول الإخوان للسلطة وتحويل مسار الوطن إلى ما قبل الدولة وانكار ما هو معروف بالضرورة من التطور التاريخى، وكفاح المصريين فى مواجهة الاستعمار وسعيهم المتواتر نحو الدولة المدنية، وكادت مصر مع نظام الإخوان ان تصبح ولاية فى حلم خلافتهم المفارق للتاريخ، تتوزع أطرافها على ولايات الجوار. ومن يتهمون ثورة 25 يناير بأنها أتت بالإخوان إلى الحكم يقفزون على التاريخ، ويسقطون فى غمرة الانفعال الدور المؤسس الذى اقترفه نظام السادات حين أراد أن يفسح لقدمه مكاناً فى المشهد المصرى الذى احتله بجملته الرئيس جمال عبد الناصر فى مرحلة مازالت تحتاج لإعادة فحص، جاء السادات ليجد نفسه محل مقارنة مع ناصر ولم تكن فى مجملها لصالحه، فاستحضر كل مخزون خبرة الفلاح المصرى المعجونة بخبرات من يرقب المشهد من بعيد وقد استطاع بهما أن يبقى قريبا من الزعيم دون أن يلقى مصير رفقائه من ضباط حركة يوليو 52، تيقن أن مدخله هو إحلال أيديولوجية بأخرى، وكانت البلاد تمر بمحنة ما بعد انكسار وهزيمة يونيو 67، وكان التيار الدينى يروج أنها جراء ابتعادنا عن "الله"، فاستدعى الإخوان من كمونهم ومن منافيهم، وأطلق يدهم فى الشارع والجامعات، وغازل الحس الدينى لدى الشارع المنكسر، ونصب نفسه إماماً بدرجة رئيس، وتشهد حياتنا موجات من الإرهاب تنتهى باغتيال السادات نفسه، اكتوبر 1981، على يد من اعطاهم قبلة الحياة، ويأتى مبارك مؤمناً بنظرية القصور الذاتى ويستوعب الرسالة، فتشهد مصر أسوأ مراحلها، ويتعمق الشرخ الوطنى، ويقفز الإخوان ومن فى حكمهم الى البرلمان بشكل متدرج بدءا بتحالفات مريبة مع العدو التقليدى "حزب الوفد" ومن خلاله يصل سبعة من الاخوان الى برلمان 1984 تحت مظلة الوفد. ويقفز الإخوان من مركب الوفد المتهالك الى مركب حزب العمل "الاشتراكى" وحزب الأحرار "الديمقراطى" ويشكلون معاً ما سمى بالتحالف الاسلامى (هكذا)، ويصعد الإخوان درجات ليحصدوا 36 مقعداً فى برلمان 1987، وفيما يشبه الصفقة مع نظام مبارك يأتى برلمان 2005 وقد احتل فيه الإخوان 88 مقعداً. وتشهد سنوات مبارك العشر الأخيرة ترهلاً وتراجعاً حاداً فى السياسات الاقتصادية، ويزحف الفساد إلى أركان الدولة، وتفقد مصر موقعها الإقليمى والقارى والدولى، وتبدأ ملامح مخططات التوريث تطل علينا، فتتجمع إرادات الغضب على تباينها، وتنفجر فى 25 يناير 2011، بينما كان النظام يحاول أن يفتح الأبواب الموصدة بمفاتيحه القديمة، فرق السرعات كان حاضراً، وعندما احتشد الشباب واقتربوا من بناية السلطة الآيلة للسقوط، انهارت جدران النظام، فى لحظة قدرية. تنتبه القوات المسلحة لخطورة اللحظة، وتكاد تكون المؤسسة الوحيدة التى لم تصيبها أعراض التفكك والفساد، ولم تجذبها نداهة السياسة وإغراءاتها، مدعومة بتاريخها الممتد بعمق الزمن، وكانت استخباراتها متيقظة تقرأ بعناية خارطة المنطقة، وتدرك أنها الدرع الذى يحمى وحدة الوطن لذا جاء تدخلها فى توقيت محسوب، وحاسم. كان الإخوان يرصدون الحراك الشعبى بعين ويرتبون أوراقهم بعين أخرى، وفيما كان الشباب يحتفلون بانتصارهم وسقوط النظام، كان الإخوان يرتبون للقفز على السلطة، وينتهى الأمر، بعد نحو عام، إلى وصولهم الى سدة الحكم، ويتعجلون حصد الجوائز ويقصون من لا يقف فى معسكرهم حتى من بقية قوى تيارات الإسلام السياسى، ويسارعون بوضع دستور جديد ويسبقه ويليه إعلانات دستورية تزرع مزيدا من الألغام فى طريقهم، ويصعدون من تفكيك الوطن، وتشهد المناطق الحدودية تفريطاً مفزعاً ويوزعونها على دول الجوار وفقاً لرؤيتهم أنها ومصر أقاليم تجمعها خلافة متوهمة، وتعاود سحابات الخطر لتخيم على سماء مصر مجدداً. وتنتبه القوات المسلحة للخطر مجدداً، وتتجمع لديها مؤشرات خطر التقسيم والتفتيت التى نالت من دول المحيط الحيوى، العراق وسوريا وليبيا واليمن، وقبلهم السودان، فترسل اشارات واضحة بأنها لن تترك الوطن لمن يعبث بمقدراته ووحدته، وتخرج الى الشعب الذى التقط الرسالة فيتحرك مجدداً حراك يناير، فى 30 يونيو 2013 ليصل ما انقطع، بفعل جملة الإخوان الاعتراضية، ويستجيب جيش مصر الباسل لمطالب الشارع، ومليونياته التى غطت الحضر والريف. لم تكن 30 يونيو منبتة الصلة ب 25 يناير بل كانت إعادة انتاج لها، وإحياء لمطالبها "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة انسانية"، ويضع الشعب وجيشه خارطة طريق للخروج من النفق، وعبرها ننتقل من الثورة الى الدولة، فى ترتيب دقيق، نضع الأسس التى تشكل القواعد التى تحكم مسار الدولة والعلاقات بين مكوناتها، الدستور، وننتخب رئيساً يضبط بوصلة الحراك، وننتخب برلماناً يراقب الأداء ويضع التشريعات التى تحمى المسيرة. لكن يبقى أن النظامين الغاربين، الفساد والإخوان، مازالا يحلمان ويسعيان، كل بطريقته، للعودة مجدداً، ولن يتحقق لهما هذا إلا بخلخلة ما هو قائم عبر منظومة تشكيك وتفتيت عاتية، وتخريب يركب مرحلة إعادة البناء، وهو ما يجب أن ننتبه إليه، بتفعيل رؤية الدستور وترتيب مرحلة الانتقال من الثورة الى الدولة، وتفعيل منظومة العدالة الانتقالية، ودعم المصالحة الوطنية خاصة مع الشباب الذى هو نصف الحاضر ويزيد وكل المستقبل فنحن دولة شابة وعبر شبابها تملك القدرة على العبور للمستقبل.