بعد فترة من الشحن والتوتر, جاءت أنباء نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الحالي لتحمل بعضا من نسمات الربيع لترطب الأجواء السياسية الملتهبة, بدأت بتصريحات مرشح الإخوان د. محمد مرسي, في أثناء جولته بالإسكندرية وتأكيده أن الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة, سيحترمان نتائج الانتخابات الرئاسية, أيا كانت, مادامت قد تمت عبر عملية اقتراع حرة نزيهة.. ليس هذا فقط, لكنه تخطي ذلك إلي رفضه للمفاضلة بين مرشحي الرئاسة علي أساس إسلامي أو غير إسلامي, مؤكدا ضرورة أن تكون المواطنة هي المعيار الحاكم, وهو تحول مهم في لغة خطاب الإخوان المسلمين, ويتماشي مع ما ينادي به كل عقلاء الأمة من أن تكون المواطنة هي المعيار والقدرة علي تحمل المسئولية, هي الفيصل في الاختيار, ثم جاء لقاء السبت الماضي حينما اجتمع المشير طنطاوي مع رؤساء الأحزاب وممثلي البرلمان والقوي السياسية المختلفة, وخرج الاجتماع بالاتفاق علي معايير تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور, واتفقوا علي النسب المحددة للترشح للجمعية التأسيسية لإعداد الدستور الجديد, في إطار ما جاء به حكم محكمة القضاء الإداري. هذه هي الأنباء الطيبة التي أراحت المخلصين من أبناء الوطن, والذين يريدون انتهاء المرحلة الانتقالية بسلام ودون صدام, كما يتمني البعض ممن لا يريدون الخير لهذا البلد والذين ينتظرون الصدام بين الجيش والإخوان, والانقلاب علي التجربة الديمقراطية الوليدة. أقل من شهرين وتنتهي المرحلة الانتقالية في أول تجربة للتداول السلمي للسلطة في مصر علي موقع رئيس الجمهورية منذ60 عاما, ورغم ذلك فالكل يرتكب حماقات وأخطاء تهدد عملية التحول الديمقراطي برمتها, وهناك من ينفخون في النار جريا وراء مصالح حزبية وشخصية ضيقة, ويقومون بمحاولة الوقيعة بين الإخوان والمجلس الأعلي للقوات المسلحة, وللأسف يبلع الإخوان الطعم ويسيرون في ركاب التصعيد, فالأنباء الطيبة التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية, والإشارات الطيبة التي خرجت من الطرفين, لم تكد تمر عليها بضعة أيام قليلة حتي عادت الأجواء الساخنة الملتهبة من جديد, وكانت البداية رفض اللجنة التشريعية لنتائج اجتماع المشير وممثلي القوي السياسية, رغم أن الاجتماع ضم كل ممثلي القوي السياسية بما فيها الإخوان والسلفيون وغيرهما, فكيف تكون الموافقة في الاجتماع والرفض داخل اللجنة التشريعية؟.. ولماذا ترفض اللجنة التشريعية إذا كان الاتفاق لمصلحة الوطن ووافق عليه الجميع ولم يعترض أحد؟! الصدمة الثانية التي أشعلت الموقف من جديد, هي قرار البرلمان بتعليق جلساته حتي يوم الأحد المقبل, في تصعيد جديد بين الحكومة والبرلمان, ونتيجة لمطالبة البرلمان بإقالة الحكومة, ورفض المجلس العسكري ذلك, باعتبار أن سلطة تعيين أو إقالة الحكومة تدخل ضمن سلطاته التي منحها له الإعلان الدستوري. إذا كنا نتحدث عن الديمقراطية وضرورة الانتصار لها, فمن حق حزب الأغلبية في أي دولة من دول العالم تشكيل الحكومة, وقوة العرف كما قوة القانون في العالم كله, والعرف الديمقراطي يقول إن من حق حزب الأغلبية تشكيل الحكومة, وكان من الأفضل أن يقوم المجلس العسكري بتكليف الإخوان فور فوزهم بالأغلبية بتشكيل الحكومة وتحمل مسئولياتها تجاه مشكلات الوطن بدلا من أن تتحمل الحكومة الحالية هذا العبء الرهيب, ولا تجد من يشكرها أو حتي يساندها, في محاولة لارتداء دور البطولة علي حساب تلك الحكومة التي تعمل في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد. أتمني أن ينتصر صوت العقل فيما تبقي من عمر المرحلة الانتقالية, وأن يعيد كل طرف حساباته بما يجنب مصر وشعبها شرور الصدام, وأن تكون المصلحة العامة هي التي تحرك كل الأطراف, فلا يعقل أن يذهب بعض أنصار مرشح مستبعد بقوة القانون لمحاصرة وزارة الدفاع, فلا ذلك تظاهر ولا تلك حرية, وإنما هي الفوضي بعينها, ومن يساعد في ذلك فهو يدفع في اتجاه حرق الوطن كله. ليت كل الأطراف تراجع حساباتها, فالسياسة ليس فيها غالب أو مغلوب, وإنما المصلحة العامة فوق كل اعتبار. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة