باتت أسبانيا تعيش على وقع أزمة سياسية بعد الإنتخابات العامة التى جرت فى 20 ديسمبر الماضى والتى أسفرت نتائجها عن بزوغ نجم حزبين جديدين هما "بوديموس" أو "نحن قادرون" اليساري, و"ثيودادانوس" أو " المواطنون" اليميني, لتنتهى بذلك هيمنة أكبر حزبين سياسيين على السلطة منذ عام 1982. فقد أطاحت الإنتخابات الأخيرة بهيمنة الحزب الشعبى المنتهية ولايته بقيادة رئيس الوزراء المؤقت ماريانو راخوى بعد حصوله على 123 مقعدا من أصل 350 مقعد بالبرلمان, وهى النتيجة التى لن تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا لأن الأغلبية المطلقة تتطلب الحصول على 176 مقعدا, بينما جاء الحزب الإشتراكى فى المرتبة الثانية ب 90 مقعدا، ثم "بوديموس" اليسارى 59، ثم ثيودادانوس 40 مقعدا. وبينما يحاول "راخوي" الدخول فى تحالفات سياسية مع الأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة المقبلة, تحاول الأحزاب الأسبانية الفائزة حديثا صناعة تحالف من شأنه الحيلولة دون إعادة الانتخابات بعد 3 أشهر، وهى النتيجة الطبيعية فى حال عدم التوفيق فى تحالف من شأنه تشكيل حكومة قدرة على أداء عملها فى ظرف استثنائي. مهام كثيرة تنتظر الحكومة المقبلة وعلى رأسها توفير فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل، حيث بلغت نسبة البطالة 20 % ، إضافة لخلق توازن حقيقى وجدى بين التدابير التقشفية لمواجهة الأزمة المالية والحفاظ على مستوى معيشى مناسب و تطوير الخدمات الأساسية التى تراجعت فى ظل سياسة التقشف التى انتهجتها حكومة ماريانو راخوى لمواجهة الأزمة الاقتصادية التى عانت منها البلاد خلال فترة الحكم الأخيرة, بجانب تقديم رؤية لملف إنفصال إقليم كاتالونيا، وكذلك مسألة الإصلاح الدستورى فى البلاد، حيث إن الأحزاب الجديدة تسعى إلى فتح نقاش حول الإصلاح الدستورى خلال الفترة الحكومية المقبلة، لكن الخلافات تبقى عميقة بشأن تفاصيل الإصلاح وحجمه. وحول هذا الموضوع حذرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية من أن أسبانيا تتجه إلى حالة من الاضطراب والشك السياسى بعد أن أثمرت نتائج الانتخابات العامة عن برلمان مفكك بشدة مع فرصة ضئيلة لتشكيل حكومة أغلبية مستقرة خلال السنوات الأربع المقبلة, وحددت الصحيفة أربعة سيناريوهات لصياغة تحالف سياسى بحسب المحللين, أولها أن يمد الحزب الحاكم الشعبى يده للتحالف مع حزب "ثيودادانوس" الذى فاز بالمرتبة الرابعة وهنا ستكون الحكومة متوقفة على موافقة الحزب الاشتراكى اليسارى - الفائز بالمرتبة الثانية - على تسمية رئيس الحكومة وإلا فلن يكون تعيينه قانونيا, وهنا قد يتجه الحزب الشعبى لتقديم الناطقة بإسم الحكومة السابقة ثريا سانتاماريا كبديل ل "راخوي" حيث أن حزب "ثيودادانوس" كان قد أعلن من قبل أنه لن يشارك فى حكومة يرأسها "راخوي"، وكانت صورة سانتاماريا قد تصدرت دعاية الحزب إلى جانب راخوى فى الحملة الانتخابية، وهو أمر يعد مؤشرا على أن احتمال توليها السلطة يبقى أمرا واردا وبقوة كأول سيدة تتبوأ هذا المنصب. ثانيا: قيام تحالف إستثنائى بين بوديموس الحاصل على المرتبة الثالثة فى الإنتخابات، والحزب الإشتراكى الحاصل على المرتبة الثانية وهو أمر قد يضع الحزب الإشتراكى فى حرج كبير، خصوصا مع موقف بوديموس الراديكالى من قضية إنفصال إقليم كاتالونيا وموافقته على إستفتاء حول إستقلالها، بينما يطرح الحزب الاشتراكى إمكانية نظام فيدرالى لبعض الأقاليم, كما سيحتاج الحزبان للتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة لتحقيق أغلبية مطلقة، وهذا سيؤثر على النظام الملكى لأن أغلب هذه الأحزاب مناهضة للخطاب الملكى وربما تطالب بتقليص أكبر لصلاحيات الملك, ويرى مراقبون أن هذا التحالف قد يؤثر بشكل أو بآخر على السياسة الخارجية الأسبانية فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ثالثا: بإمكان حزب "راخوي" التحالف مع معارضه التقليدى وهو الحزب الإشتراكي، ورغم أن ذلك التحالف أقل ترجيحا إلا أنه ليس مستبعدا, فقد أشار المحللون إلى إمكانية موافقة كلا الحزبين "الاشتراكي، و"ثيودادانوس" بشرط إختيار مرشح شعبى أخر غير "راخوي" لتولى منصب رئيس الحكومة, غير أن ذلك التحالف سيجعل من حزب بوديموس حديث النشأة زعيما للمعارضة، وهذا ما سيؤهله إلى أن يصبح قوة سياسية جاهزة لتغيير النظام السياسى فى الإنتخابات القادمة، وربما تقويض الأحزاب الكبيرة بشكل نهائى وصعود قوة جديدة أكثر ديناميكية. أما السيناريو الأخير فيتمثل فى تحالف بين الأحزاب الثلاثة الخاسرة "الإشتراكي، بوديموس، ثيودادانوس"، وذلك التحالف مستبعد أيضا. أمام هذا المشهد، يرى مراقبون أن ملك أسبانيا يسعى لتهدئة الأوضاع فى بلاده عبر مطالبة الأحزاب السياسية بالحوار والحفاظ على مصلحة أسبانيا قبل المصالح الحزبية، فالتحالفات إن حدثت ستجلب الكثير من الصخب للبرلمان الذى سيبدأ أولى جلساته فى الثالث عشر من يناير الحالى وقد يمتد الصخب الى القصر الملكي، وإن لم تحدث فستجد أسبانيا نفسها أمام إنتخابات جديدة بعد ثلاثة أشهر قد يعاقب فيها الناخبون هذه الأحزاب وربما تصعد قوة جديدة خارج كل التوقعات.