اتفاق القوي السياسية والأحزاب علي أسس ومعايير الجمعية التأسيسية, المنوط بأعضائها كتابة الدستور الجديد, يعد خطوة بالغة الأهمية في الطريق لبناء المجتمع الجديد, مجتمع الديمقراطية والحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية. ذلك أن بنود الدستور الجديد التي ستعبر بالضرورة عن توافق القوي الوطنية بكل أطيافها, ستحدد مسار الوطن وطموحاته في حياة أفضل لكل المواطنين, دون تمييز أو تفرقة. ويدرك الشعب المصري منذ الثورة العرابية وحتي ثورة25 يناير مرورا بثورتي 1919 و23 يوليو 1952 أهمية الدستور في بناء المجتمع والنهوض بالأمة. وقد يكفي, في هذا السياق, الإشارة إلي أن الثورة العرابية لم تكن تستهدف التصدي للحكم الجائر للخديو توفيق, الذي دأب علي إنكار حقوق المصريين فحسب, وانما استهدفت, في ذات الوقت, إقامة حكم نيابي لضمان هذه الحقوق. ومعني هذا أن الدستور والحياة البرلمانية يمثلان جوهر التفكير السياسي المصري, باعتبارهما السبيل الأمثل لإعلاء شأن الوطن وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. ومن ثم يأتي اهتمام ثورة 25 يناير بالدستور, باعتباره الوثيقة الأسمي لتحديد السلطات والصلاحيات, وكذا تحديد المسار الاجتماعي والاقتصادي الذي يفضي إلي تحقيق العدالة الاجتماعية. ولعل أبرز ما يتعين علي الدستور الجديد تحديده, بكل الوضوح والشفافية, صلاحيات الرئيس, وهذه مسألة جوهرية تطرحها سنوات الاستبداد والفساد التي كانت عنوانا صارخا لحكم النظام السابق ورئيسه الذي أطاحت به ثورة 25 يناير. ويتصل بذلك اتصالا وثيقا, تكريس المبادئ الديمقراطية, وفي القلب منها فكرة تداول السلطة, وحرية الرأي والرأي الآخر, إن اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور الجديد تبدأ مهمة تاريخية جليلة, مهمة تحقيق طموحات الشعب المصري في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.