فاجأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قمة مجموعة الدول العشرين فى أثناء انعقادها فى انطاليا بتركيا فى منتصف نوفمبر الماضى بتصريحاته النارية والمثيرة فأصاب جميع القادة المشاركين فيها بالدهشة والصمت من هول المفاجأة والصدمة حيث قال بالحرف الواحد إن هناك دولا عديدة تمول الإرهاب وترعاه وتدعمه وتحقق مكاسب مادية من ورائه، وأن بعض قادة هذه الدول حاضرون معنا فى هذه القمة، وقد قدمنا لشركائنا معلومات محددة وموثقة عن قنوات تمويل الإرهاب واتجار داعش الإرهابية بالنفط. وفى تلك القمة التى كان فيها الرئيس التركى رجب طيب اردوغان منتفخ الأوداج مزهواً كالطاووس لاستضافته قادة الدول العشرين الأغنى فى العالم عرض بوتين مجموعة من صور للأقمار الصناعية تكشف التحركات المكثفة لداعش على الحدود التركية السورية وتدفق المتشددين عبر هذه الحدود واصفاً هذه التحركات بأنها واحدة من نقاط قوة داعش المدعومة من قادة يجلسون معنا فى تلك القاعة، فبدأ الاستغراب على وجه الحاضرين وانعقد الصمت على ألسنتهم، بينما ظهر الامتعاض على وجه اردوغان فلم ينبس ببنت شفه وفضل الصمت على التعقيب، حتى لا يدفع بوتين إلى الإيضاح بعد التلميح وحتى لا يفجر أزمة فى علاقته مع بوتين فى وقت كانت تشهد فيه علاقات البلدين تقدما وتطورا كبيرا فى المجالات العسكرية والاقتصادية والتجارية، خاصة أن البلدين وقعا منذ بضعة أشهر اتفاقيات تجارية بزيادة التعاون بينهما من 33 مليارا سنويا إلى 100 مليار دولار عام 2020، ناهيك عن اتفاقهما على مشروع غاز السيل الجنوبى الذى تعول عليه أنقرة كثيرا، بمد4 خطوط أنابيب غاز تسير بمحاذاة بعضها البعض لنقل الغاز الطبيعى الروسى إلى تركيا وأوروبا بقدرة تبلغ 64 مليار متر مكعب سنويا ينقل عبر البحر الأسود. فما أن أسقطت تركيا الطائرة المقاتلة الروسية سو 24 قرب الحدود السورية فى 24نوفمبر الماضى حتى اشتعلت التصريحات وارتفع سقف ردود الأفعال ومواقف التحدى بين الرئيسين الروسى والتركى فيما يشبه ضربات الترجيح، فعندما أعلنت أنقرة إسقاطها الطائرة الروسية لاختراقها المجال الجوى التركى دون استئذان ومقتل احد قائدى الطائرة، سارع اردوغان بإعلان تأييده للحادث قائلا: إن من حق تركيا الدفاع عن أجوائها ومطلوب من روسيا الاعتذار، فجاء الرد الروسى حاسما بنفى اختراق الطائرة المجال التركي، وطالب بوتين اردوغان بإعلان اعتذاره بأسرع وقت ووصف الحادث بأنه طعنة فى الظهر وأعلن سفير موسكو لدى أنقرة يوم الحادث ثلاثة شروط روسية لتجاوز الأمة مع تركيا هي: اعتذار الحكومة التركية وتقديم المذنبين الى العدالة ودفع تعويضات عما نجم من أضرار لروسيا، ولما وجد الرئيس التركى تشددا روسيا تراجع لبعض الشىء بقوله لو كنا نعلم أن الطائرة روسية لما حدث ذلك وحاول الاتصال تليفونيا ببوتين على الخط الساخن لكن تم صده ثم طلب لقاء سريعا معه لكن الجانب الروسى رفض ذلك مرارا مثلما رفض عقد لقاء بين الرئيسين على هامش قمة المناخ بباريس، بل صعدت موسكو الأزمة باتخاذ العقوبات الاقتصادية وأوقفت التعاون العسكرى والتجارى والاقتصادى مع تركيا ومنعت تدفق السياح الروس اليها، واتهمت تركيا بالاتجار فى النفط الذى تسرقه داعش من العراقوسوريا. وعندما وصف اردوغان ذلك بالكذب وانه سوف يغادر منصبه إذا أثبتت روسيا ذلك، سارع الجانب الروسى ببث فيديوهات تظهر طوابير الشاحنات وهى تنقل النفط من سورياوالعراق إلى داخل الأراضى التركية ودروب سيرها فيما يعرف ب أنبوب النفط على الإطارات لتمويل داعش والمنظمات الإرهابية الأخري، كما نصبت روسيا منظومة الصواريخ اس 400 والصواريخ المجنحة فى قاعدة حيميم السورية ومثلها المرابطة على السواحل اللاذقية، لإسقاط أى هدف يعيق تحرك طائراتها شمال سوريا أو يهدد امنها. والسؤال الآن هو: إلى متى سوف تستمر ضربات الترجيح بين بوتين واردوغان بعد أن تحول الموقف إلى صراع بين إرادتى الرئيسين يتوقف على مدى صبر وقوة وتحمل كل منهما للضغوط، مثلما حدث فى منازلة عض الأصابع التى يضع فيها كل طرف من الطرفين أصبع يده تحت ضغط فكى أسنان الطرف الآخر لقياس قوة تحمله وصبره، قياسا على ما حدث بين عنترة ورجل قوى يدعى الغضنفر خر مستسلما فى نهاية المنازلة، فقال عنترة لأتباعه ومناصريه: كنت سأصرخ من الألم وأخسر المنازلة لو صبر الغضنفر وتحمل اكثر! لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين