مؤشرات الانفجار وعدم الاستقرار تتزايد بشدة في منطقة شرق آسيا. فالولاياتالمتحدة وحليفتاها في المنطقة, اليابان وكوريا الجنوبية, يتشككون في قيام كوريا الشمالية باستعدادات مكثفة حاليا من أجل إجراء تجربة نووية ثالثة خلال الأيام المقبلة وهو ما يثير حالة شديدة من التأهب والترقب والقلق في الدوائر العسكرية والسياسية في الدول الثلاث. وحتي كتابة هذه السطور, لم تكشف الدوائر الاستخباراتية والاعلامية في هذه الدول عن المعلومات المرتبطة بما إذا كانت التجربة الثالثة للكوريين الشماليين ستكون باستخدام البلوتونيوم, كما حدث من قبل في اكتوبر2006 ومايو2009, أو ما إذا كانوا سيستخدمون لأول مرة اليورانيوم العالي التخصيب, الذي سيمكنهم من تصنيع رءوس حربية نووية يمكن تركيبها علي صواريخ بعيدة المدي, وتستطيع الطيران لأكثر من أحد عشر ألف كيلومتر إلي العاصمة واشنطن. وهو الحلم الذي ظل يراود قادة كوريا الشمالية منذ أيام الزعيم الراحل كيم يونج إيل للدفاع عن بلادهم ضد الأمبريالية الأمريكية واذنابها في كوريا الجنوبية واليابان, علي حد وصف هؤلاء القادة. إجراء التجربة النووية الثالثة أملا في تحقيق هذا الحلم علي أرض الواقع يتزامن في الوقت الحالي مع رغبة جامحة لدي الرئيس الجديد لكوريا الشمالية كيم يونج اون في استعادة هيبته وهيبة نظامه الحديدي بعد فشلهما المدوي في أول تجربة لإطلاق صاروخ بعيد المدي في منتصف شهر أبريل الحالي, وهو ما مثل ضربة قاسية لزعامة أون, ذو التاسعة والعشرون عاما, علي الصعيدين الداخلي أو الخارجي. دوافع داخلية وخارجية فعلي الصعيد الداخلي, ظهر الرئيس اون, الذي تولي السلطة في ديسمبر الماضي بعد رحيل والده, حتي الآن بمظهر القائد الضعيف وغير القادر علي حسم الصراع بين الاجنحة السياسية والعسكرية المتنافسة داخل النظام, وهو ما ادي علي الأرجح إلي فشل التجربة الأخيرة للإطلاق الصاروخي, علي الرغم من نجاح التجارب المشابهة في إيران من قبل. وفي ضوء ذلك, يبدو أن اجراء تجربة نووية ثالثة قد أصبح هو الخيار الوحيد امام الرئيس اون لاستعادة صورة القائد القوي والقادر علي المحافظة علي كرسي الحكم, الذي جلس عليه من قبله جده كيم إيل سونج ووالده كيم يونج إيل. وعلي الصعيد الخارجي, أدي اصرار القيادة الجديدة في بيونج يانج علي المضي قدما في تطوير البرامج الصاروخية لترسيخ شعبيتها وتعزيز رسائخ حكمها في الداخل إلي خسائر متعددة. فمن جهة, قامت واشنطن بإلغاء الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين البلدين في29 فبراير الماضي, الذي تعهدت فيه الإدارة الأمريكية بتقديم ربع مليون طن من المساعدات الغذائية إلي كوريا الشمالية مقابل وقفها للبرامج النووية والصاروخية. ومن جهة ثانية, حقق التحالف الحاكم المحافظ في كوريا الجنوبية فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية التي جرت في11 أبريل الماضي, وهو التحالف الذي يتبني خطا اكثر تشددا تجاه كوريا الشمالية من الحزب المعارض الرئيسي. وفي ضوء ذلك, ستكون التجربة النووية الثالثة بمثابة جرس انذار قوي للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بضرورة احترام النظام الجديد في كوريا الشمالية, وعدم الاستهتار في التعامل معه. وهو الأمر الذي أكده عليه رئيس كوريا الشمالية في اول خطاب علني له منذ أيام قليلة خلال الاحتفالات بمرور مائة عام علي مولد مؤسس الدولة كيم ايل سونج, عندما قال إن الكرامة والسيادة يحتلان مرتبة متقدمة علي السلام بالنسبة لشعبه, مشيرا إلي أن التفوق النووي لم يعد بايدي الامبرياليين وحدهم. وأضاف الرئيس اون أيضا ان الزمن الذي كان فيه العدو يهددنا ويبتزنا بقنابل نووية قد ولي, ملمحا بذلك إلي إصرار بلاده علي السعي الجاد لامتلاك سلاح الردع النووي. استمرار المواقف المتشددة التوقعات الخاصة بإجراء بيونج يانج لتجربتها النووية الثالثة اثارت ردود فعل متشددة وغاضبة في واشنطن وسول. فمن جهته, قال الرئيس الامريكي باراك اوباما إنه من غير الواضح من الذي يتخذ القرارات في كوريا الشمالية تحت قيادة زعيمها الجديد الذي يفتقر إلي الخبرة. وقال اوباما ان كوريا الشمالية لن تحقق شيئا من خلال التهديدات النووية, مضيفا ان بيونج يانج ستعمق عزلتها الدولية. كما انتقد اوباما أيضا الحياة في كوريا الشمالية وقال إنها متخلفة بعشرات السنين عن جارتها الجنوبية وستظل هكذا حتي تغير موقفها وتقبل عروض المساعدة المقدمة لها مقابل وقف برنامجها النووي. ومن جهتها, حثت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الرئيس اون علي اطلاق اصلاحات في بلاده تتيح لها الدخول في التاريخ, بدلا من إجراء التجارب النووية. وقالت كلينتون في مقابلة مع سي ان ان, وكأنها تتوجه بالحديث إلي اون انت رجل شاب والمستقبل امامك. كن الزعيم الذي يدخل كوريا الشمالية في القرن الواحد والعشرين, واضافت ثقف شعبك وافسح المجال امام المتفوقين من الشعب الكوري الشمالي في التعبير عن ارائهم. تخلي عن هذا النظام الاقتصادي الفاشل الذي عمل علي تجويع مواطنيك, كما اعربت كلينتون أيضا عن املها في عدم تبني الزعيم الكوري الشاب السياسة الاستفزازية التي انتهجها والده. ومن ناحية ثانية, حذر رئيس كوريا الجنوبية لي ميونج باك من وقوع سباق للتسلح في شرق آسيا, إذا ما أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الثالثة, مشيرا إلي أن هذا السباق سيكون مدمرا للنظام الشيوعي في كوريا الشمالية الذي يعاني من ندرة مزمنة في المواد الغذائية. وأضاف الرئيس باك ان تكلفة التجربة الصاروخية الفاشلة التي قامت بها كوريا الشمالية منذ أيام بلغت850 مليون دولار, اي ما يناهز سعر2.5 مليون طن من الذرة الصفراء, وهو ما كان يكفي لتغذية ستة ملايين كوري شمالي( من اصل24 مليونا) لمدة ست سنوات قادمة حسب احصائيات الاممالمتحدة. وأضاف الرئيس الكوري الجنوبي ان الوسيلة الوحيدة لخلاص كوريا الشمالية هي التخلي عن الاسلحة النووية والتعاون مع المجتمع الدولي من اجل تحقيق الاصلاحات الضرورية لرفع مستوي معيشة الشعب الكوري. بدائل محدودة الفجوة الكبيرة في المواقف بين كوريا الشمالية من ناحية والولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية من ناحية أخري ترجح إمكان قيام بيونج يانج بالتجربة النووية الثالثة في الأيام المقبلة. فإذا ما تحقق ذلك, فلن توجد هناك بدائل كثيرة في الغالب أمام صانعي القرار في واشنطن وسول. فأي تصعيد عسكري أو دبلوماسي من جانبهم تجاه كوريا الشمالية في الوقت الحالي قد يؤدي إلي إندلاع حرب شاملة في منطقة شرق آسيا. وهو أمر يبدو أن الجميع غير راغبين فيه حاليا. غير أن هذه التجربة قد لا يتم إجراؤها بالأساس في حالة موافقة الولاياتالمتحدة علي الدخول في مفاوضات مباشرة للتوصل إلي معاهدة سلام مع بيونج يانج تنهي حالة الحرب القائمة قانونيا بين البلدين منذ نهاية الحرب الكورية في.1953 فالتصعيد المستمر وسياسة حافة الهاوية من جانب قادة كوريا الشمالية, بما في ذلك إجراء التجارب النووية, يفسرهما العديد من المراقبين بأن دروس التاريخ علمت هؤلاء القادة أن افضل وسيلة لجذب اهتمام واحترام نظرائهم في الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية هو المحافظة علي درجة عالية من الاستعداد العسكري والقوة العسكرية. وفي ضوء ذلك, يرجح المراقبون عدم عودة الاستقرار والهدوء إلي منطقة شرق آسيا في المدي المنظور إلا إذا استجابت الإدارة الأمريكية لمطالب كوريا الشمالية الخاصة بالتوصل إلي معاهدة سلام دائم, تؤكد حق بيونج يانج في الحصول علي المساعدات الاقتصادية والتطبيع الدبلوماسي الشامل, والتعويضات عن فترة الاحتلال الياباني. ومن جهة أخري, يتوقع الخبراء أيضا ان تتركز كل الانظار في الفترة القادمة علي مدي نجاح الدبلوماسية الصينية في إقناع كوريا الشمالية بالعودة إلي مائدة المفاوضات مرة أخري لوقف برامجها النووية. فالصين هي الرئيس الحالي للمحادثات السداسية السلمية الرامية إلي التخلص من البرامج النووية والصاروخية لدي كوريا الشمالية, ولبكين نفوذ سياسي قوي علي الرفاق في كوريا الشمالية, باعتبارها الشريك التجاري الأول ومورد الطاقة الرئيسي إليهم, فضلا عن أنها صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن.