الأوقاف: فتح باب التقدم بمراكز الثقافة الإسلامية    مدبولي يشهد توقيع اتفاقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته والأمونيا الخضراء    كورسيرا 2024.. مصر تحقق قفزة هائلة في التعليم الرقمي والذكاء الاصطناعي    السعودية تستنكر توسيع عمليات الاستيطان الإسرائيلية بالضفة الغربية    الاتحاد السكندري والداخلية يتعادلان إيجابيا في الدوري    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    بعد شكاوى صعوبة امتحان الفيزياء.. «التعليم» تطمئن طلاب الثانوية العامة    محمد رمضان يعلق على صفعة عمرو دياب لمعجب : «حاول يتصور معايا»    شهادات حية من المعتصمين: «قلم» المثقفين على وجه «الإخوان»    مدبولي: مؤتمر الاستثمار بداية تفعيل بنود الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي    مصرع 9 أشخاص جراء انهيارات أرضية فى نيبال    المجاعة تضرب صفوف الأطفال في شمال قطاع غزة.. ورصد حالات تسمم    جهاد «حرب»: القيادة المصرية بعد 30 يونيو أصبحت «حائط صد» للقضية الفلسطينية    صندوق النقد الدولى يوافق على صرف 2.2 مليار دولار لأوكرانيا    رئيس الهيئة البرلمانية ل«حماة الوطن» يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    «محمود غالى»: المبادرة الرئاسية أعادت الحياة إلى القرى الفقيرة    الغندور: رابطة الأندية تفكر في تأجيل الدوري إسبوعين.. الجدول الأخير «فنكوش»    طرق استلام كعب العمل لذوي الاحتياجات الخاصة    «كنت فاكراه ابني».. الأمن العام يضبط المتهمة بمحاولة خطف طفل بالغربية    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    مرتضى منصور يكشف الحالة الصحية لشقيقته بعد حادث سير في المهندسين    عمومية الغرف السياحية تعتمد الميزانية والحساب الختامي للاتحاد    قائد قوات الدفاع الجوي: مُقاتلو الدفاع الجوي الحصن المنيع لسماء الوطن    شيرين ترد على حسن الشافعي: يجب احترام عقول الناس عندما نتحدث إليهم    هيئة البث الإسرائيلية: واشنطن تحاول سد الفجوات بين حماس وإسرائيل بشأن صفقة تبادل المحتجزين    سلمى أبو ضيف تبهر جمهورها بأحدث ظهور لها    عمرو دياب يطرح ريمكس أغنية «الطعامة» عبر موقع يوتيوب    سرعة ضربات القلب.. الأسباب وأفضل العلاجات    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    المقاولون العرب يقبل اعتذار معتمد جمال عن تدريب الفريق    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    رد من فابريجاس على إمكانية تدريبه ل ريال مدريد    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنانة سلوى محمد على خلال دورته ال 17    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    14 سبتمبر.. نظر جنحة مشرف الأمن في واقعة إمام عاشور ضد "الصقر" أحمد حسن بتهمة التشهير    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    التعليم العالي: فتح باب التقدم عبر منصة "ادرس في مصر" للطلاب الوافدين    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري الممتاز    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    الأنبا باسيليوس يتفقد النشاط الصيفي بكنيسة مارجرجس ببني مزار    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوار الخراط يرحل فى صمت
مسيرة حافلة فى عالم الإبداع والنقد «رامة والتنين» و«ترابها زعفران».. أشهر أعماله
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 12 - 2015

من كرامات بحر الإسكندرية، التقاء سُمرة الجنوب بشُقرة الوحى الشمالي، عطيل بديدمونة، وحداثة أوروبا بجمال البيان العربى.. إن كان إدوار الخراط قد رحل عنا، فما رحلت اسكندريته التى سمى روايته «ترابها زعفران» على اسمها، وهو ممن أثبتوا أن الجمال الأدبى باق ما بقى الإنسان؟ وأن «رامة» دائما تنتصر على التنين.. وها هو بحر الإسكندرية ينعيه بهديره الشجى الأبدي.
وداعا إدوار الخراط.. يا ولدى الملهم.. يا مزيج البحر المتوسط العظيم والتقاء عبقرياته.

كثيرة هى تلك العوامل المشتركة التى جمعت بين الراحل ادوار الخراط وعموم المصريين الذين استوحى ابداعه من حكاياتهم طيلة سنوات عمره التى ناهزت التسعين عاما. فهو قبطي... وصعيدى من أخميم فى قلب الصعيد.. وسكندرى التربية والمنشأ، حيث انتقل إلى هناك مع أسرته فى سن مبكرة وعاش فترة من عمره موظفا وأخرى معتقلا وطوال الوقت روائيا و شاعرا ومترجما. كان باختصار تركيبة مصرية متشعبة فى جذور هذا الوطن وتحمل لمحة من كل ملامحه فى تفاصيلها، وقد انعكس ذلك جليا فى كتاباته نثرا وشعرا.
ومنذ عام 1926 وحتى أمس الأول عاش الخراط حياة بانورامية، رأى فيها وجوها كثيرة لمصر المحتلة والثائرة والمستقلة والكادحة والعاملة والمحاربة والمثقفة والمبتلاة بالجهل والفقر. وبين كل هذه الوجوه حاول طرح رؤيته الإبداعية التى اجتهد فيها ليرتقى بقرائه فى عالمه النقى الخاص الذى لم يمل أبدا عن الدعوة فيه إلى الفضيلة والإنسانية حتى إن مذهبها الإبداعى أطلق عليه اسم «الحساسية الجدية».. وكان أهم سماتها مخاطبة آلام وخيبات الأمل التى عانتها النفس الانسانية واستشراف طريق الخلاص منها.
ويُذكر للخراط أنه نجح فى إرساء لونه الخاص من الكتابة فى ذروة تألق الكتابة الواقعية فى مصر على أيدى نبغاء أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي، حتى إن النقاد واجهوا صعوبة فى بادئ الأمر فى تصنيف أعماله وتحديد إلى أى المدارس تنتمى إلا أنه كان كالعملة الجيدة التى فرضت نفسها وفئتها ولم تتشابه مع أى عملة أخرى موجودة فى السوق.
ولعل النظرة الصحيحة لحياة شخصية مبدعة مثل إدوار الخراط ، يجب أبدا الا تكون بمنأى عن الدور الذى لعبه فى الحركة الوطنية الثورية فى الإسكندرية عام 1946 كما أنه أعتقل فى مايو 1948، وتنقل بين معتقلى أبوقير والطور. وكان حاله كحال كل المبدعين الذين أخرج المعتقل أجمل ما بداخلهم من كتابات وفن وأدب.
كما أنه عمل لفترة من عمره فى منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية فى منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين، حتى قرر أن يتفرغ لكتابة القصة القصيرة والنقد الأدبى والترجمة.
ومن عجائب تصاريف القدر أن ابن مركز أخميم السوهاجى انتقل مع أسرته فى سن مبكرة للعيش فى الاسكندرية ليس فقط ليكمل مشوار حياته بها و لكن ليصبح واحدا ممن هاموا بها عشقا، وكتب عنها أجمل ما يمكن لعين قارئ أن ترى من وصف لعروس البحر الأبيض المتوسط .. روايته «ترابها زعفران» .
وأصدر الخراط أكثر من 50 كتاباً تنوعت بين القصة والشعر والنقد، أهمها كانت روايته الأولى «رامه والتنين» والتى أعقبها ب«ترابها زعفران» و«الزمن الآخر» و»أضلاع الصحراء» و«يقين العطش».
كما أن مجموعته القصصيةالأولى «الحيطان العالية» وُصفت بأنها منعطف مهم فى تاريخ القصة .ومن بين انتاجه الأدبى أيضا ترجمت 14 كتاباً إلى اللغة العربية أهمها «الحرب والسلام»، إضافة إلى عدد من المسرحيات والدراسات.
وعن الجوائز، حصد الخراط أهم الجوائز المصرية فى الأدب وهى جائزة الدولة عن مجموعته القصصية «ساعات الكبرياء» عام 1972، وجائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1973 كما فاز بجائزة النيل للآداب لعام 2014.
رحل إدوارالخراط فى هدوء وورى الثرى فى معشوقته الاسكندرية، لكنه على الأرجح سيبدأ صفحة جديدة من العالم الفاضل الذى عاش طوال سنوات عمره يحلم به ويرفض الواقع من أجله.

فى عيون المبدعين

كتب : عماد عبد الراضى داليا حسنى رغدة الدماصى
عبدالمنعم تليمة: «من رواد الأدب»
الروائى الراحل الكبير إدوار الخراط يعد بحق من رواد الأدب العربى الحديث والمعاصر, فهو يعتبر فى هذا الجيل الراهن رأس المجددين وليس كاتبا عاديا وإنما هو منذ البدء من أواخر الأربعينيات وهو رأس الحداثة والتجديد فى مجال القصة القصيرة والرواية والنقد الفني. فمن أواخر الأربعينيات كان هو ويوسف إدريس ويوسف الشارونى فى مقدمة المجددين فى القصة القصيرة العربية.
وأخرج لنا فى الخمسينيات مجموعتين «حيطان عالية» و»ساعات الكبرياء», فهاتان المجموعتان لفتتا بقوة نظر مؤرخى ونقاد الأدب وكذلك الدارسون الأكاديميون باعتبارهما فتحا جديدا فى تأسيس القصة القصيرة بالأدب العربي, وبعد ذلك كتب مجموعة مرموقة من الروايات منها الثلاثية «رامة والتنين, الزمن الآخر, العطش», ورواية «ترابها زعفران» وغير ذلك, إلى جانب مشاركته الواسعة فى الترجمة خصوصا من اللغة الفرنسية وغير ذلك من الأنشطة الثقافية رفيعة المستوي.

محمد المخزنجى: «ظاهرة أدبية»

أود أن أتكلم عن إدوار الخراط من خلال صورة تحتفظ بها ذاكرتى منذ ثلاثين عاما وظلت على حالها لربع قرن بعد ذلك, وهى صورته فى غرفة مكتبه فى منزله بشارع أحمد حشمت بالزمالك, الكاتب الكبير كان دائم الاستقبال ومرحبا فى هذه الغرفة بكل كاتب جديد, مبشراً بموهبة بازغة فى عالم الثقافة والأدب, حولنا جدران الغرفة جميعها مغطاة بالكتب بثلاث لغات كان يقرأ بها ويكتب, أما أرفف الكتب وراء ظهره فمن فرط احتشادها وثقلها كانت تشعرنى بالخوف عليه من أن تنهار كل هذه الآلاف من الكتب وتتكرر مأساة الجاحظ.
من هذه الصورة أقرر المدى الذى ذهب إليه إدوار الخراط كمثقف كبير جاد وراع ثقافى كبير ونبيل يدعم كل موهبة تبشر بإبداع جميل فى هذا الوطن.
أما على مستوى كتابته, فكان داعية بصيرا لتجدد الأدب كما لو كان كائنا حيا يتجدد, وكان مبشرا بما أسماه الكتابة عبر النوعية, وشأن كل كاتب كبير أو مثقف كبير هناك ما تتفق معه بشدة أو ما تختلف معه بشدة, لكنه يظل ظاهرة عظيمة فى ساحة الأدب المصري.
لقد قطع رحلة كبيرة فى العمر والتجديد وأظنه استراح راضيا أخيرا .. رحم الله إدوار الخراط.

أحمد عبد المعطى حجازى: «قيمة عظيمة»

قيمة مهمة من القيم الأدبية المصرية والعربية بشكل عام, ومترجم إلى جانب كونه كاتبا مبدعا وهو فى مقدمة الأدباء المعاصرين. فثقافته العربية ثقافة متينة أهلته بأن يكون مبدعا باللغة العربية فى أشكال مختلفة جمعت بين الفنون القصصية والروائية, بالإضافة إلى الشعر والنقد الأدبى ،وهو واحد من الكتاب الذين اهتموا بالمدينة التى نشأوا فيها, ليس فقط لأن الاسكندرية مسقط رأسه ولكن لأنها منارة ثقافية مهمة بتاريخها القديم والحديث.وكان عضوا فى جماعة اسكندرانية تضم أبناء جيله منهم الكاتب المسرحى ألفريد فرج والشاعر الرسام أحمد مرسى ،فهذه المواهب والطاقات مكنته من أداء دور ريادى فى الحركة الادبية استفاد منه الكثيرون من الكتاب والنقاد والشعراء.

محمد إبراهيم أبو سنة: «رحيله خسارة كبيرة»

يعد خسارة كبيرة لفن الرواية المصرية والعربية والانسانية. فمنذ إصداره المجموعة القصصية «حيطان عالية» عام 1958 جذب إليه الأنظار بأسلوبه المتميز ولغته الخاصة ورؤياه الواسعة. وبالإضافة لأعماله المهمة «رامة والتنين» و«ترابها زعفران» كان مترجما راقيا قدم أعمالا عالمية مثل «الحرب والسلام» لتولستوي, بالإضافة إلى عمله فترة طويلة فى أعمال الترجمة فى منظمة التضامن الافريقى الأسيوى واشتراكه فى إصدار «مجلة لٌوتس» التى تعبر عن المنظمة. وأطالب بجمع أعماله كاملة حتى تتضح صورته الادبية والفنية والانسانية فى الوجدان المصرى والعربي.

إبراهيم عبد المجيد: «انسان رائع»

على المستوى الشخصى كان إِنسانا رائعا يملك صدرا رحبا لجميع الآراء والأحاديث, وهو أحد الاساتذة الذى تعلمت منه دقة اللغة ومعنى الكلمة وقيمتها وشكلها الفني. وبالإضافة الى أعماله الروائية فهو مترجم وشاعر وله إسهامات فى الفن التشكيلي،فأعماله ستبقى خالدة عبر الزمان يتعلم منها الأجيال.

أحمد الشيخ: «كاتب كبير»

كان كاتبا كبيرا من رواد جيل السبعينيات. وعطاؤه لا يستهان به حزين كل الحزن لرحيله ولكنها سنة الحياة وما يصبرنى هى أن أعماله وسيرته كافية لتخليد اسمه وذكراه, فهو من النماذج المصرية التى يجب ان نقتدى بها حتى نصل الى مستواها.

سلوى بكر: «منهج جمالى»

كان قيمة مهمة فى خريطة الأدب العربي، فقد استطاع أن يضيف الكثير لحركة الأدب، وسعى لإيجاد منهج جمالى فى الكتابة الإبداعية، واستطاع أن يؤثر فى جيل تلاه، وتبدو تأثيراته فى كتابة عدد من الأدباء الشبان.
وكان إدوار الخراط مترجماً أيضاً، فقد استطاع أن يترجم عدداً من الأعمال الإبداعية المهمة فى تاريخ الأدب الإنساني، وكان فاعلاً ثقافياً، استطاع أن يحفظ تياراً متميزاً فى الكتابة الأدبية العربية.
د. محمد المنسى قنديل: «صاحب أسلوب خاص»

كان إدوار الخراط من الكُتَّاب القليلين فى تاريخ الأدب العربى الذين يمتلكون أسلوبا خاصا، فقد أثرى اللغة العربية بالكثير من المفردات، حيث كان كثير البحث فى القواميس، واستطاع أن ينحت الكثير من المفردات، كما مزج الراحل بين اللغة القبطية القديمة والمأثورات العربية، واستخدم التراث القبطى كثيرا فى أعماله.
وهكذا فقد أوجد لنفسه خطا إبداعيا متفردا فى أدبه، وهذا يبدو واضحا فى رواياته خاصة «رامة والتنين» و»ترابها زعفران» التى أعتبرهما أفضل ما كُتب عن الإسكندرية فى العصر الحديث.
وعما إذا كان الخراط قد لاقى التكريم اللائق فى حياته، أضاف المنسى قنديل: كان الخراط منعزلاً فى آخر حياته، وهو لم يحصل على الكثير من الجوائز، لكنه كان محل تقدير الوسط الثقافى كله.

جار النبى الحلو: «قامة كبيرة»

فقدنا برحيله قامة أدبية كبيرة، فقد كانت أعماله منذ مجموعته القصصية الأولى «حيطان عالية» تنبئ بكتابة مختلفة فى هذه الفترة الزمنية التى كانت فيها الملامح الواقعية هى السائدة، وأدى إدوار الخراط أداء مختلفاً فى كتابة القصة القصيرة، وكان لافتاً للنظر منذ صدور «حيطان عالية» أنها كتابة جديدة ومختلفة، وأنا أعتقد أنه قد أثَّر فى شكل وتقنيات كتابة القصة القصيرة، فقد كان دؤوباً فى البحث عن الجديد فى الكتابة، وفى رصد الكتابات الجديدة التى تشير إلى ملامح تختلف عما هو موجود.
ولم يتوقف جهده عند الإبداع فقط، لكن له كتاباً مهماً جدا عن الكتابة الجديدة والموجة التى أشار لها على أنها الحساسية الجديدة فى كتابة القصة القصيرة، ورصد فيه مجموعة من الكُتَّاب الذين رأى فيهم سمات هذه الحساسية، وكنت أنا من بينهم مع محمد المخزنجى ومحسن يونس ومحمود الوردانى ونبيل ناعوم ومحسن يونس وغيرنا من الكُتّاب.
وذات مرة كنت أزوره فى بيته، فوجدته يأتى لى بملف ويقول: «هذا هو ملفك»، وفتحته فوجدت أنه قد جمع أعمالى التى نشرت فى الصحف والمجلات، فقد كان الخراط ذا عين ثاقبة فى الأدب والإبداع، وكان يحتفظ بالقصاصات المنشورة فى الصحف لأعمال كل الكُتَّاب الذين يهتم بأعمالهم على اعتبار أنها أعمال جديدة ومختلفة.

الدكتور محمد ابراهيم طه: «من رواد الرواية»

الحياة الأدبية افتقدت رائدا روائيا كبيرا وناقدا متنوعا وشاملا ومنظرا فى الحياة الثقافية. ومما يعزينا تركه لتلاميذ يسيرون على دربه فى الكتابة. فالراحل له قدرة على وصف الأشياء سواء مادية أو معنوية بعدة طرق وأشكال مختلفة تحوم كلها حول المعنى لتجسيد مشاعر غير قابلة للتجسيد. وكان يؤمن بتداخل الأنواع الأدبية وإزالة الحواجز بينها, أى ما يسمى ب«الكتابة عبر النوعية». كما كان له دور تبشيرى بجيل السبعينيات المختلفين وذكر منهم بالدراسة والتحليل عشرة كتاب برزت عندهم ملامح القصة القصيرة منهم ابراهيم عبد المجيد ومحمد المخزنجى جارالنبى حلو وسحر توفيق.

د. محمد داود: «نموذج فريد»

كان نموذجا فريدا نادرا ما يتكرر بين الكُتَّاب، فقد جمع بين الموسوعية والنقدية والإبداعية، وتميز فيها جميعاً، وامتد اهتمامه إلى فنون أخرى كالفن التشكيلي، ليتحقق فيه نموذج المثقف الموسوعى عميق الاطلاع، كما أنه بريادته النقدية والثقة فيه كناقد- كانت له أيادٍ بيضاء على الكثير من الكُتَّاب الذين قدمهم خاصة من جيل السبعينيات.
وقد تضمنت كتابات إدوار الخراط بداخلها ثورة ومغامرة كبيرة على جميع المستويات، وتظل هذه الكتابات غنية بعطاءتها الفنية، وتُعد نماذج للتجريب الفنى وخروجاً على المألوف، وكتب مجموعة من الروايات التى تُعد كل واحدة منها علامة بارزة، فلا يمكن الحديث عن الرواية العربية فى العصر الحديث دون أن تُذكر أعمال إدوار الخراط، فهو من المبدعين الذين يخسر أى قارئ عربى الكثير إن لم يمر بتجاربهم.
وأنا أثق فى أن أعمال إدوار الخراط ستُقرأ بعد مماته أكثر مما قُرأت فى حياته، وذلك على عكس كُتَّاب آخرين ترتبط أعمالهم بوجودهم الجسدي، فتُقرأ أعمالهم فى حياتهم بفعل وجودهم الشخصى والتأثير الإعلامي، ولكن لا تمتد أعمالهم بعد وفاتهم للأجيال التالية، أما إدوار الخراط فقد غيبه المرض عن الوجود الشخصى فى المحافل الثقافية على مدى سنوات، وها هو يغيب عنا بجسده أيضا، ولكن أعماله ستظل تُقرأ وتؤثر فى الأجيال القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.