يعانى لبنان حاليا من مشكلة تكاد تكون مستعصية ومرشحة للاستمرار، تتمثل فى عدم تنفيذ الاستحقاق الرئاسى الدستورى الذى يقضى بانتخاب رئيس جديد للبنان، فاليوم يمر أكثر من عام ونصف العام وبالتحديد 542 يوما على البلاد، وهى بدون رئيس للجمهورية، خلفا للرئيس «ميشال سليمان» الذى انتهت مدة رئاسته وغادر قصر الرئاسة فى 25 مايو قبل الماضي، حيث بقى هذا المنصب الرفيع شاغرا، ولا يبدو فى الأفق القريب حل لتلك الأزمة السياسية الراهنة التى قد يكون فى مقدمة مخاطرها ما لم تبادر القوى السياسية والكتل النيابية المتصارعة بإيجاد حل سريع لها إضعاف النظام السياسى وتهديد الكيان الوطنى وإلحاق الضرر الجسيم بالشعب اللبناني، وما يتميز به نسيجه من تعايش، وعيش مشترك بين 18طائفة بكفالة من الدستور والقانون، وبمشاركة سياسية فيما بينها فى الحكم بما يشبه الفسيفساء التى كانت ولاتزال يفخر بها اللبنانيون والعرب ايضا، وبالرغم من النظام السياسى اللبنانى الذى يرتكز على المحاصصة بين الطوائف بإعطاء رئاسة الدولة لمسيحى ماروني، ورئاسة الحكومة لمسلم سني، ورئاسة البرلمان لمسلم شيعي، إضافة إلى شغل الطوائف المناصب الحكومية والإدارية والعسكرية فى لبنان كدولة مدنية قد نجح فى السنوات الأخيرة فى إدارة البلاد، إلا أن هذا النظام أصبح على المحك وموضع شك، وفى حاجة إلى إدخال بعض التعديلات عليه، خاصة بعد أن فشل البرلمان فى انتخاب رئيس جديد للدولة بدءا من جلسته الأولى التى عقدها فى شهر أبريل من العام الماضي، أى قبل شهر بالتمام والكمال من انقضاء مدة ولاية الرئيس السابق «ميشال سليمان» حتى كتابة هذه السطور، ولم ينجح فى اكتمال نصاب الثلثين المطلوب لانتخاب الرئيس الجديد. فبسبب الانقسام الشديد والتجاذبات الحادة والدائمة بين قوى «14مارس» ومن يتحالف معها والمدعومة من السعودية وأمريكا وفرنسا، والتى من أبرز قادتها «سعد الحريري» رئيس الحكومة الاسبق وقوى «8مارس» (حزب الله) ومن أبرز قادتها حسن نصر الله، ومن يتحالف معه والمدعوم بقوة من سوريا وإيران، حيث ترشح الأولى «سمير جعجع» رئيسا توافقيا للبلاد وتحرص على حضور الجلسات، بينما تصر الثانية على ترشيح «ميشال عون» وتشترط التوافق عليه قبل حضور الجلسات، فلا يكتمل نصاب الثلثين، بالرغم من تنازل الأولى عن مرشحها مقابل أن تتنازل الثانية عن مرشحها وتحضر الجلسات، لاكتمال النصاب القانونى وانتخاب رئيس ثالث جديد والتوافق عليه. وبالرغم من ذلك ظل الطرفان على النقيض، ولايزلان يواصلان ضربات الترجيح لبعضهما، فإذا حرص الطرف الأول على حضور جلسات البرلمان غاب الطرف الثانى عنها مصرا على موقفه، حيث يستند كل منهما على طائفته ومذهبه ومؤيديه وميليشياته واستقوائه بقوى خارجية إقليمية أو دولية، فلا يبت فى أمر مهم يخص لبنان. فهل تفطن القوى السياسية المتصارعة والفرقاء فى لبنان إلى عدم ترك انتخاب الرئيس الجديد المقبل رهنا بالتدخلات الخارجية والتطورات الإقليمية والدولية، وبمسار الأوضاع المتفجرة فى سوريا، وعدم ترك الفراغ الرئاسى الذى يعانى منه لبنان حاليا ليصبح جزءا من حل إقليمى قد يطول زمنه فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، خاصة بعد أن قال رئيس وزراء لبنان «تمام سلام»: «لم يعد جائزا أن يبقى اللبنانيون سجناء فى غرفة انتظار نتائج الحرب الإقليمية»؟، وهل يدرك اللبنانيون اليوم قبل الغد أن كلمة السر لحل أزمتهم الراهنة تكمن فى عودة القوى المتصارعة داخل البرلمان للحوار الجاد والمثمر فيما بينها للتوصل إلى قواسم مشتركة لحل تلك الازمة بانتخاب رئيس توافقى للبلاد دون شروط تعجيزية ووفقا لقاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا للبنان ذلك البلد العربى الجميل الصغير فى حجمة الكبير فى دوره وتراثه وثقافته وصحافته الحرة وشعبه المتحضر... هل يحدث ذلك قريبا؟ نحن فى الانتظار. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين