انطلاقا من وجود تشابه فى الظروف الإقتصادية الإجتماعية والإحتياجات والأهداف التنموية المشتركة أصبح من المنطقى أن يكون هناك تبادل للمعارف والخبرات والمعلومات والحلول والتكنولوجيات ومكافحة القرصنة بكافة أشكالها التجارية والفكرية بين دول الجنوب النامية. فقد جاء إنعقاد مؤتمر باندونج فى منتصف خمسينيات القرن العشرين كتدشين لفكرة تعاون دول الجنوب النامية (الجنوب جنوب) من أجل الإستقلال والحرية والنمو والتقدم. واليوم يرتقى مستوى التعاون إلى مستوى جديد يلائم متطلبات المرحلة والعصر الذى يعيشه العالم حاليا. وبدعوة من منظمة تضامن الشعوب الافريقية والآسيوية واللجنة المصرية للتضامن وبمشاركة سفارة الصين بالقاهرة تم تنظيم ندوة بعنوان: «تعاون جنوب جنوب والمنتدى الصينى الافريقي» وذلك بوصف المنتدى كإحدى التجارب القديرة والواعدة للتعاون بين «الجنوب الجنوب». فى البداية تحدث السفير ياسر مراد، مساعد وزير الخارجية للشئون الآسيوية وممثل وزارة الخارجية ، والذى شارك نائبا عن وزير الخارجية، وأشار إلى أن العلاقات المصرية الصينية يمكن أن تكون نموذجا حيا للتعاون الثنائى فى إطار دول الجنوب جنوب. وأكد مراد أن مؤتمر باندونج غير من مسار التاريخ فى العلاقات الدولية منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي. مشيرا إلى أنه منذ ستين عاما كان المحتوى الحقيقى هو العمل للحصول على الاستقلال السياسى وقتها وبعد ستين عاما يكاد يتكرر المشهد وتنطلق مصر من قاعدتها الافريقية نحو آسيا ولكننا فى هذه المرحلة نتحدث عن النسق التنموى الاقتصادى وايجاد مشاركات اقتصادية مع القارة الاسيوية حيث يعد نموذج العلاقات المصرية الصينية نموذجا يحتذى به فى العلاقات بين دول الجنوب جنوب. وإستدعى السفير مشهد باندونج منذ ستين عاما مؤكدا أن مصر بادرت إلى الإعتراف بالصين الشعبية عقب اللقاء التاريخى بين الزعيمين جمال عبدالناصر وشوان لاى وكانت تلك اللفتة السياسية والإرادة السياسية المصرية هى الجسر الذى عبرت عليه الصين إلى أفريقيا والعالم العربي. وأكد السفير ياسر مراد أن التوجه المصرى تجاه آسيا عموما والصين على وجه الخصوص هو توجه إستراتيجى يجمع حزمة العلاقات المتنوعة والمختلفة بين كافة القطاعات فى مصر والصين. واستعرض مراد التحركات المصرية تجاه الدول الآسيوية فى الأعوام القليلة الماضية موضحا الجهود الرئاسية المصرية من أجل توطيد العلاقات مع العديد من الدول الآسيوية وفى مقدمتها الصين حينما قام الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بزيارة الصين فى عام 2014 ليعقد مشاركة إستراتيجية شاملة بين الدولتين فى ديسمبر 2014. وبعدها أتت الزيارة الرئاسية المصرية التالية إلى الصين فى العام الحالى فى إطار الإحتفاء بذكرى استقلال الصين. وأوضح أن التوجه المصرى تجاه القارة الآسيوية يتسم بالتوازن والتوازى بمعنى أن التوجه نحو القارة الآسيوية لايأتى على حساب توجه مصر وانفتاحها على بقية دول العالم فهو توجه متوازن، كما يتسم التوجه المصرى بالتوازى لأنه وان كنا نعتبر الصين شريكنا الإستراتيجى فى القارة الآسيوية فإن ذلك لايأتى على حساب الدول الآسيوية الأخرى التى تربطنا معها علاقات إستراتيجية تربط ما بيننا وما بينهم، «وأذكر هنا الهندواليابان وكوريا ودول مجموعة الآسيان التى نسعى لإقامة مشاركة إستراتيجية معها». منبها أن القارة الآسيوية تسهم بما يقدر ب40% من حجم التجارة العالمية. وأن 70% من التنمية العالمية التى تمت على مدار الثلاثين سنة الماضية كانت فى آسيا ما يجعلها قارة المستقبل. وأكد السفير ياسر مراد أن التوجه المصرى لآسيا هو توجه موضوعى إستراتيجى لإقامة المشاركات مع مختلف التجارب التنموية فى آسيا وعلى رأسها الصين كنموذج يحتذى به. وأكد حرص الحكومة المصرية على أن تكون دولة مؤسسة فى «البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية الأساسية» الصينى وهو بنك واعد يمكن أن يكون بمنزلة رئة تمويلية دولية يمكن لمصر أن تتعامل معها. ونوه إلى مشاركة مصر القادمة فى قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى فى ديسمبر القادم وقمة التيكاد بالتعاون مع اليابان التى ستعقد العام القادم. ونبه السفير إلى أن حركة عدم الإنحيار ستبقى وإن كانت قد فقدت جانب من بريقها، وطالب بتفعيلها للقيام بدورها على المستوى الدولى وتتواءم مع المشهد العالمى الآن. وتحدث السفير سونج آيقوه سفير الصين لدى مصر مستعرضا العلاقات الصينية بكل من أفريقيا والعالم العربى ومصر منذ مؤتمر باندونج وحتى اليوم. وأكد السفير الصينى أن العام الحالى يعد عاما متميزا للتعاون بين «الجنوب الجنوب» فقد شهد شهر سبتمبر الماضى إجتماع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والرئيس الصينى شى جين بينج وباقى قادة العالم فى إجتماع المائدة المستديرة رفيع المستوى بشأن التعاون بين «جنوب جنوب» بمقر الأممالمتحدة. وخلال اللقاء الدولى المهم تمت مراجعة رحلة تعاون «الجنوب الجنوب» وتم استكشاف أفق التنمية والتعاون المستقبلي. وقدم الرئيس الصينى أربعة اقتراحات بهدف دفع التعاون «جنوب جنوب» إلى عهد جديد، وجاءت كما يلي: استكشاف المسارات المتنوعة للتنمية، والالتزام بالتحام استراتيجيات التنمية الخاصة بالدول النامية ، والسعى لتحقيق نتائج عبر التنمية الفعلية العملية ، وتحسين إطار عمل التنمية العالمي. وفى شهر أكتوبر تم الاحتفال بمرور 15 عاما على تدشين «منتدى التعاون الصينى الإفريقي» الذى ستنعقد قمته فى جنوب أفريقيا خلال شهر ديسمبر القادم. ونبه السفير الصينى إلى الأهمية التى توليها بلاده وارتباطها بالتعاون بين «الجنوب جنوب» معربا عن رغبة بلاده فى مشاركة فرصها وإكتشاف الطريق إلى التنمية والإزدهار بالتعاون مع باقى الدول النامية الأخرى عبر التعاون على مستوى «جنوب جنوب» القائم على مبدأ المساواة والثقة المتبادلة والتعاون القائم على صيغة الربح لجميع الأطراف. وقدر حجم التجارة البينية بين الصين وإفريقيا عام 2014 بأكثر من 220 مليار دولار كما تجاوزت الإستثمارات الصينية فى أفريقيا 30 مليار دولار. وفيما يتعلق بالعلاقات الصينية العربية أشار سونج آيقوه إلى أهمية تعزيز الطرفين للعلاقات الإستراتيجية الصينية العربية المتعلقة بالتعاون الشامل والتنمية المشتركة وجعل تنمية الحزام الاقتصادى لطريق الحرير وطريق الحرير البحرى نقطة إنطلاق جديدة. وأكد أن الصين ستسعى لزيادة حجم التبادل التجارى البينى إلى 600 مليار دولار والاستثمارات الصينية غير المالية فى الدول العربية إلى أكثر من 60 مليار دولار. أما فيما يتعلق بالعلاقات الصينية المصرية فقد أشار السفير الصينى إلى أن بلاده تنظر إلى مصر بوصفها دولة رئيسية كبرى عربيا وإفريقيا وإسلاميا. فمصر كانت أول دولة عربية وافريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين كما كانت أول دولة تقيم مشاركة استراتيجية للقرن ال21 مع الصين. وفى عام 2014 تم الارتقاء بالعلاقات لمستوى المشاركة الإستراتيجية الشاملة. وقدر السفير الصينى حجم التجارة البينية بين الدولتين فى عام 2014 ب11.6 مليار دولار مع زيادة بمقدار 13% خلال العام الحالى مقارنة بالعام السابق. كما تحدث السفير أحمد حجاج عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية والأمين العام المساعد بمنظمة الوحدة الإفريقية سابقا واستعرض جهود إقامة تجمعات مختلفة لحشد دول الجنوب وتنفيذ فكر تعاون «الجنوب جنوب» مؤكدا أهمية الإرتقاء بالعلاقات التجارية البينية بين دول «جنوب جنوب». وتحدث أ.د. حلمى الحديدى رئيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية واللجنة المصرية للتضامن مستعرضا معنى وأهداف وتطور التعاون بين دول الجنوب (جنوب الكرة الأرضية حيث قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية). وأشار إلى ازدياد أهمية التعاون بين دول الجنوب فى الأعوام الماضية وأنه أصبح موضوعا للبحث والنقاش فى عدد من مؤتمرات الأممالمتحدة الرئيسية وغيرها من المؤتمرات الدولية. وأرجع زيادة الإهتمام بأمر التعاون على مستوى «جنوب جنوب» إلى حد كبير إلى القوة الإقتصادية المتزايدة للجنوب. وفى تعريفه لعملية التعاون على مستوى «جنوب جنوب» أشار د.الحديدى إلى أن التعاون بين دول الجنوب يعد عملية تسعى من خلالها دولتان ناميتان أو أكثر إلى تحقيق أهدافهما الفردية أوالمشتركة فى مجال تنمية القدرة الوطنية عن طريق تبادل المعارف والمهارات والموارد والمعلومات التكنولوجية، ومن خلال اتخاذ إجراءات جماعية إقليمية بما فى ذلك إقامة مشاركات على مستوى الحكومات والمنظمات الإقليمية والمجتمع المدنى والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص لما فيه منفعة فردية أومشتركة فيما بينهم. ونبه الحديدى إلى أن التعاون بين دول الجنوب ليس بديلا عن التعاون بين الشمال والجنوب ، بل هو مكمل له. فإمكانية التطور فى الجنوب ترتبط إرتباطا وثيقا بتحسين علاقاته مع الشمال. فالاعتماد التراكمى الجماعى بين دول الجنوب لايعنى إنهاء العلاقة بين الجنوب والشمال. وتناول د.الحديدى الإحصائيات التى تشير إلى أن الفترة من عام 1990 وحتى عام 2008 شهدت زيادة التجارة العالمية بحوالى أربعة أضعاف ما كانت عليه، بينما تضاعفت التجارة بين دول الجنوب بأكثر من عشر مرات. وبحلول عام 2010 قدرت حصة دول الجنوب من التجارة العالمية ب37% وشكلت التدفقات فيما بين دول الجنوب نصف تلك النسبة. وهو ما يعود فى جانب منه إلى جنوح دول الجنوب نحو إستقلالية القرار بداية من قرار دول الجنوب بتولى زمام عملية التنمية لديها مرورا بتحديد المشاكل وانتهاء بإيجاد الحلول لها فى إطار دول الجنوب. وأكد الحديدى أن الحوار والتعاون بين دول الجنوب يسعى لتحقيق خمسة أهداف هي: دعم جهود التنمية الوطنية والإقليمية، وتعزيز القدرات المؤسسية والتكنولوجية، وتحسين تبادل الخبرات والمعلومات التكنولوجية بين الدول النامية، ومواجهة تحديات التنمية التى تخص الدول النامية، وتعزيز آثار التعاون الدولي. مشيرا إلى أن هناك مبادئ تحكم هذا الحوار والتعاون ومن أبرزها: احترام السيادة الوطنية، والمشاركة بين أطراف متساوية ، وعدم فرض الشروط ، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية ، وتحقيق المنفعة المتبادلة.