بعض المشاكل المستعصية التى تعانيها مصر لها حلول واضحة عند أبنائها فى جامعات الخارج .. وأزعم أننى توصلت إلى حل جوهرى ومبتكر لأزمة السياحة المصرية من خلال بحثى المقدم لجامعة ووترلو الكندية تحت عنوان «سياحة الدول الدائنة». تلك الفكرة التى تستطيع فور تطبيقها أن تحقق طفرة فورية فى منظومة السياحة (فى أى دولة ظروفها تتشابه مع ظروف مصر) وتعيد أكثر من نصف مليون عامل بقطاع السياحة إلى وظائفهم وتحقق دخلا مباشرا يتراوح ما بين إثنين إلى خمسة مليارات دولار. هذا التكريم الذى حصلت عليه فى الخارج من أهم المؤسسات البحثية الكندية.. يحز فى نفسى ألا تستفيد به بلدى علما بأن خطة الدراسة تبدو قابلة للتطبيق بشكل مباشر فى مصر.. وقد سبق والتقيت وزير السياحة السابق خلال رحلة عمل وعرضت عليه الفكرة وناقشتها معه على مدى ساعات.. وفى النهاية أبدى لى إعجابه الشديد بها ولكنه أخبرنى أن تنفيذها ليس بيد وزارة السياحة وإنما مجلس الوزراء لأنها تحتاج لقرار سياسى حتى يمكن أن تتحول السياحة (كخدمة) إلى (سلعة) قابلة للتبادل التجارى بين مصر والدول الدائنة لها. هذه الخطة يجب أن تتبناها الدولة بقطاعاتها الفنية ممثلة فى وزارة السياحة والمالية ممثلة فى وزارة المالية والخارجية ممثلة فى وزارتى الخارجية والتعاون الدولى . وهى خطة تتدخل فيها الدولة بما لها من سلطات دون ان تتورط فى ادارة قطاع الى امد طويل وتقوم الخطة على مجموعة من الاجراءات : الاجراء الأول : عمل حصر رأسى لكل قطاعات المجال السياحى المتضررة ، وأعنى بالحصر الرأسى الحلقات المكملة والمتتالية لزيارة سائح لمصر منذ وصوله الى المطار او المنفذ وحتى وعودته مرة اخرى ، اذ يتعامل السائح مع مندوب شركة السياحة ، ثم سائق المركبة السياحية الذى يستقبله ، ثم عامل الفندق الذى يتم تسكينه فيه مرورا بكل قطاعات الفندق ، ثم المرشد السياحى، ثم بائع العاديات الخ ، حيث انهم جميعا ممثلون لحلقات متوالية يتعامل مع السائح لدى وصوله الى مصر حتى مغادرته، وقد فقدوا جميعا مصادر دخلهم نتيجة للأزمة وتقدر أعدادهم بمئات الآلاف بل ملايين اذا ما اضيف الى كل منهم افراد اسرته. الاجراء الثانى: بعد الحصر الرأسى تبدأ مرحلة الاعداد والتنسيق، وهو الدور الجوهرى والرئيسى للدولة حيث تتواصل مع كل تلك القطاعات المتضررة عبر اجهزتها الفنية للتنسيق مع كل قطاع على حدة وتقدير حجم الضرر المترتب عليه فقدان العمالة، ويتم تصميم برنامج سياحى متكامل رأسى البنية بداية من مندوب المطار وصولا الى اصغر عامل فى المنشأة الفندقية، بحيث يصبح برنامجا لبضعة ايام على سبيل المثال تشترط فيه الدولة ان يكون كل من يسهم فيه من العاملين ممن فقدوا عملهم او تم تسريحهم جراء الازمة. الإجراء الثالث: يتم تسعير البرنامج بشكل عادل يضمن هامش ربح للمؤسسات المتعثرة، ويراعى فى هامش الربح هنا جزئية غاية فى الفنية والدقة، حيث ان معظم المنشآت التى تم تسريح العمالة منها لم تتوقف تماما عن العمل، ومازالت تتحمل النفقات الثابتة، ويتم التسعير بما يضمن بالاساس تغطية التكلفة المتغيرة التى تتضمن عودة من تم تسريحه بالاساس، وهى ما سيتم تسديده فى مقدمات التعاقد بنسبة لن تتجاوز ال 25% من قيمة أى برنامج بأى حال من الاحوال، وهو الاجراء الذى سيضمن عودة العاملين المتعطلين عن العمل الى عملهم فى الوقت نفسه تنفيذا للبرامج التى سيتم التعاقد عليها . الاجراء الرابع كيفية السداد: هنا يتم استخدام سلطات الدولة الواسعة فى تشجيع المستثمرين المتعثرين ضريبيا فى مجال القطاع السياحى ، وهو جزء من سياسة الدولة المالية لدعم الاستثمار ، فبعد تسعير الخدمات وتوحيد المعايير يتم التباحث مع كل مستثمر على كيفية سداد ثمن الخدمات المقدمة حسب مخرجات التفاوض ، حيث يعرض على سبيل المثال استقطاع اجزاء من الضرائب المستحقة او المتراكمة على الممولين منهم، او التسديد بشكل اجل بعد اجراء التفويج وتنفيذ البرامج، وتعتبر مساحة السداد من اوسع مساحات التفاوض بين الدولة ومقدمى الخدمات وتملك فيه الدولة خيارات متعددة وكثيرة فى اختيار الاسلوب الأمثل للسداد والذى لن يكون باى حال من الاحوال على دفعة واحدة ( فى طبيعة المعاملات السياحية لا يتم السداد ابدا على دفعة واحدة بل على دفعات عند كل مرحلة من مراحل تقديم الخدمة ) . الاجراء الخامس التسويق : وهنا ياتى دور القطاع الخارجى للدولة بكل اجهزته ، وحيث ان الدولة المصرية ترتبط بعلاقات اقتصادية مميزة مع بقية بلدان العالم يتم من خلالها عقد الكثير من الصفقات يتم من خلالها تسديد التزامات مالية على دفعات ، يتم التعامل مع برنامج الخطة العاجلة كوحدة من وحدات السداد (واقترح تسمية الوحدة «تحيا مصر») ، يتم وضعها بين يدى المتعاقد المصرى. حيث إن الطرف المقابل (حكومة او شركة كبرى) لديه كيان ضخم من العاملين والموظفين يلتزم تجاههم هذا الكيان التزامات مادية تشمل الاجور والمكافآت والحوافز، وبعرض برنامج تحيا مصر على هذه الاطراف لتقديمه للعاملين كبديل لحافز او مكافأة او اجر سيتم ترجمته فى النهاية الى صورة مالية ، فبدلا من تسديد مقدم التعاقد على صفقة تعقدها الدولة المصرية مع دولة اخرى فى صورة نقدية، يتم السداد ببرنامج تحيا مصر كجزء من المدفوعات، وتحويل ما يوفره هذا البرنامج من مال لم يدفع الى الضخ فى القطاع المتعثر ، بحيث يتحول برنامج تحيا مصر الى وحدة نقدية تتعامل بها مصر مع العالم وتدعم به مصر واحدا من اهم قطاعاتها الحيوية . وهى ليست السابقة الاولى التى ستنفرد بها الدولة المصرية فى مساعدة قطاع هو الاهم فى بنيتها الاقتصادية، بل سبق مصر الى اجراءات مماثلة دول من عمالقة الاقتصاد واخص بالذكر الولاياتالمتحدةالامريكية فى عام 2009 عندما تدخلت الدولة بشكل مباشر وصريح لانقاذ صناعة السيارات. لمزيد من مقالات د. محمد بريشة