ينشغل الغرب بتأثير تغير الحكومات على فعالية تنفيذ خطط التنمية المستدامة، خاصة عقب الانتخابات البرلمانية. فى حين ننشغل فى مصر بتغيير الحكومة والوزراء لنصلح سريعا أخطاء صناعة السياسات وتنفيذها. الواقع يشير إلى أن التغيير المستمر مع كل فشل أو إخفاق لن يساعد كثيراً فى إصلاح الحال أو إيجاد حلول، ولكن فقط امتصاص غضب الجماهير غير الراضية عن أداء السلطة التنفيذية. فهل نحن نعاقب الحكومات المتعاقبة أم نعاقب أنفسنا؟ تساؤل مشروع خاصة مع سيل التغيير فى رؤساء الحكومات والوزراء. صحيح أن الشعب هو الحكم الفعلى وهو الذى يحكم على مجريات الأمور لأن الشعب أسرع وصوته أصبح أقوى من ذى قبل.. والحكومات المتعاقبة تسرع أيضاً محاولة اللحاق بالمطالب المتصاعدة وفى أقل وقت لتستجيب، لكن الجماهير غير راضية عن شكل استجابة الحكومة لمطالبها.. فمن المخطئ، الجماهير المتعجلة أم الحكومة التى تلهث لتسابق الزمن ؟ السؤال هنا هو كيف تستجيب الحكومة لمطالب المواطنين والجماهير وما هى الأدوات التى تملكها ؟ لدينا 33 وزارة ومطالب ثورية بتحسين الأحوال المعيشية وتحقيق نمو اقتصادى وبرلمان قادم فيه شىء من صبغة سياسية ومصالح أكثرها غير متناغم تنبىء بتشكل لجماعات مصالح تحت القبة، وهى ظاهرة تصبح صحية إذا ما أحسن إدارتها..واللافت للنظر بفعل التغيرات المتلاحقة فى الحكومة هو خشية الكثيرين من أصحاب الخبرات الانضمام إلى فريق العمل الحكومى مخافة المساءلة والعار الذى يلاحق احتمال الفشل أو الفشل ذاته. فهل مسموح ان تفشل الحكومة ؟ هل لابد ان نفكر فى ثقافة السماح بالفشل ؟ وأى نوع من الفشل ؟ لا أقصد هنا شيوع الإهمال واللامبالاة فى العمل الحكومى، وإنما الفشل فى تطبيق السياسات لأنه لدينا نوعان من الفشل داخل العمل الحكومى: فشل فى صناعة السياسات الجيدة وفشل تطبيق السياسات الجيدة . وتشير حالتنا إلى أننا تطورنا بعد ثورتين فى صنع سياسات تتسم بالتخطيط التشاركى إلى حد لا بأس به مقارنة بما سبق، ولكن لدينا اخفاق فى تطبيق السياسات، حيث يأتى التطبيق مبتسرا او بطيئا او تقليديا، كما أن إدارة التطبيق يشوبها غياب المتابعة والتقييم والانقطاع من أجل تنفيذ أعمال ومهام عاجلة ووقتية.. فى العالم تتآكل قدرة الحكومات على الاستجابة والإنجاز مع تلاحق المطالب والأزمات والتطور السريع لأدوات التواصل الاجتماعى التى صارت أدوات مساءلة للحكومة بالصوت والصورة.. ومع هذه الأعراض الجديدة يصبح الفشل فى الاستجابة السريعة والجيدة متوقعا. فما هو المطلوب حتى نحد من اخفاق الحكومات المتعاقبة فى الاستجابة لمطالب المواطنين؟ وحتى نتواءم مع شكل الحكومة السياسية ذات الأولويات المتغيرة، نحن فى حاجة إلى تحديد أولويات واضحة لا تتغير مع تعاقب الحكومات ولا تغيرها الحكومات المتعاقبة لكونها أولويات حيوية، وهى تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر وزيادة النمو الاقتصادى وتشجيع المواطنين على المشاركة فى الحياة العامة. هذه مطالب ثورتين وجديرة بأن تصبح أولويات نحن فى حاجة ماسة لتحقيقها حفاظا على السلم الاجتماعى وحفاظا على الدولة. وعلى الحكومة الحالية والقادمة أن تضع خططا جزئية قطاعية تلتحقيق الأولويات الكلية. وعلى رأس هذه الخطط إصلاح قطاعى التعليم والصحة ورفع معدلات التشغيل وجذب الاستثمارات وإصلاح السياسة النقدية . ولن تتمكن أى حكومة من متابعة تحقق أولوياتها وتنفيذ الخطط الجزئية دون مركز للحكومة ينسق السياسات ويتابع التنفيذ ونشر النتائج .. فهل لدينا مركز للحكومة ؟ لدينا مركز دعم واتخاذ القرار يصلح لان يكون مركز الحكومة ليس فقط فى توفير البيانات والإحصاءات وإجراء الدراسات وإنما تتوسع مهامه ليكون الجهة التنسيقية بين الوزراء ووكلائهم الاول لمتابعة تنفيذ الخطط التنموية وتقديم الحلول للمشكلات التى يواجهها الوزراء وتنبيه الوزراء الى المشكلات التى قد تعترض تنفيذ السياسات وفق مؤشرات إنذار مبكر وإدارة مخاطر. ومركز الحكومة ليس هو مكتب رئيس الوزراء وليس فى مؤسسة الرئاسة لأن دوره هو التقليل من العبء الملقى على كاهل مكتب رئيس الوزراء ليتفرغ للمهام الاستراتيجية ذات البعد السياسى. إذا استمرت الحكومة فى العمل وفق سياسة الماراثون ووفق المنظومة المتداخلة والمثقلة بمهام عاجلة ومتلاحقة سيكون من الصعب الحديث عن انجاز حقيقى وفق أولويات محددة. المرحلة القادمة لا تحتاج الى لهث ولا إلى وزراء منهكى القوى يخافون من الفشل، ولكن تحتاج الى حكومة تعمل بتروِ على ملفين او ثلاثة ملفات تنجز فيها ويستشعر المواطن هذا الإنجاز وتشركه معها فى التنفيذ.. نريد حكومة تعمل فى مناخ يسمح بالفشل المحسوب الذى يمكن تداركه بإجراءات تصويبية لها صفة الاستدامة بعيدا عن الحلول الوقتية والأقراص المهدئة. لمزيد من مقالات د.غادة موسى