فى أوروبا من الملاحظ الآن صعود مد محافظ الاتجاه فى أعقاب أزمة 2008 الاقتصادية، وازدهار الأحزاب اليمينية، فقد فاز حزب المحافظين فى الانتخابات بالأغلبية لأول مرة طوال 23 سنة فى المملكة المتحدة وتوجد حكومات يمينية فى 26 بلدًا أوروبيًا، كما تسيطر أحزاب يمينية على مجالس التشريع فى 30 بلدا أوروبيا. وتلك زيادة ضخمة عما كان فى الوضع السابق للأزمة. فلماذا تحدث تلك الزيادة؟ ربما لأن المعتقد أن الأحزاب اليمينية أفضل فى إدارتها للاقتصاد المأزوم إذ يثق الناخبون أثناء الأزمة فى المحافظين لأنهم يرونهم أكثر حرصًا على توازن الميزانية على العكس من فترات النمو إذ يثق الناخبون فى الديمقراطيين الاشتراكيين الذين يحرصون على عدالة توزيع الثروة. وقد راجت نظرة ترى المحافظين أعلى كفاءة اقتصادية، وترى أن طرق ممارستهم العلاقات العامة من العسير التفوق عليها، ولا سيما أن الأزمة دمرت أحزاب اليسار انتخابيًا بجعلها الناخبين أكثر عداء للهجرة المتفاقمة وأكثر تعصبًا قوميًا، على حين ارتبطت أحزاب اليمين باتخاذ موقف متشدد ضد الهجرة مما يجعلها أوفر حظًا فى الانتخابات. وبالفعل كان اليمين الشعبوى أكثر استفادة فى هذا التحول وصار يجذب جماهير العمال التى كانت فى الماضى عادة تصوت لأحزاب اليسار ولكنها الآن تستجيب للدعاية الإعلامية اليمينية التى تبالغ فى أضرار الهجرة خوفًا من تهديد معيشتهم عمليًا كل يوم. وعمومًا يقارن كثيرون الوضع الحالى بوضع سابق حينما تم انتخاب الزعماء المحافظين رؤساء للحكومات مثل مارجريت تاتشر فى بريطانيا ورونالد ريجان فى الولاياتالمتحدة وهيلموت كول فى ألمانيا، وانتصار أحزاب محافظة فى بلاد أخرى، ويتحدثون عن فيضان عالمى محافظ منتشر من الولاياتالمتحدة وكندا إلى أستراليا واليابان. فمن الاوضح الآن كذلك صعود موجة محافظة فى السياسة والرأى العام والإيديولوجية جعلت الحديث ينتشر عن فجر عصر محافظ جديد سواء فى الصحف الإثارية أو بواسطة الدارسين الجادين. ويتحول التيار السياسى الإيديولوجى الرئيسى فى الغرب إلى اليمين اليوم. وفى بلاد الشمال التى بقيت طويلا موطنًا للديمقراطية الاشتراكية تحكمها الآن الأحزاب اليمينية فى الدنمارك والنرويج وفنلندا، ولم يعد بين يدى اليسار إلا السويد. ولا يقدم بعض العزاء لليسار إلا جنوب أوروبا مثل حزب سيريزا فى اليونان وفى غرب أوروبا حيث توجد حكومة الحزب الاشتراكى فى فرنسا. وتعمل ضد اليسار أيضًا اتجاهات تسبق أزمة 2008 مثل نمو اتجاه الفردية منذ السبعينيات فهو عامل من عوامل نجاح اليمين، وتقويض دعامات الفكر اليسارى مثل التضامن وتدخل الدولة. وقد ساعد الأحزاب اليمينية أيضًا تدهور الصناعة ونقص عدد العمال وتضاؤل عضوية النقابات وصعود التشغيل الذاتى فى المهن الحرة. وستجيء مكاسب لليمين فى أوروبا من واقع تشكل أغلبية سكانية من كبار السن لأن الناخبين يتجهون يمينًا كلما ارتفع عمرهم، كما أن قليلاً من الشباب يهتمون بالتصويت بل هناك انتقال نحو اليمين فى موقف قطاعات من الشباب. ويتوقع بعض المحللين أن يبقى حزب المحافظين البريطانى فى الحكم عقدًا آخر. وحزب المحافظين اسمه الكامل الحزب المحافظ والاتحادى لتمسكه باتحاد البلاد التى تشكل المملكة المتحدة واسمه المختصر حزب التوريين (المطاريد) وهو حزب يمينى نشأ فى الثلاثينيات من القرن التاسع عشر متفرعًا من حزب التوريين الذى نشأ فى القرن السابع عشر واسمه مأخوذ من الإيرلنديين الخارجين على القانون الذين قتلوا ونهبوا المستوطنين الإنجليز، وكان الحزب مؤيدًا للحق الإلهى للملوك وعارض التسامح الدينى مع الكاثوليك كما حارب المنشقين. وكان فى البداية بقيادة بيل ثم دزرائييلى ومكث فترات طويلة فى السلطة بقيادة تشرتشل وإيدن وماكميلان وهيث ثم تاتشر وميجور إلى أن هزمه حزب العمال فى 1997. ولكن ليس للمحافظين الآن أى أنصار متحمسين متفرغين، وفى مؤتمره الأخير كان أعضاء جماعات الضغط أربعة أمثال الأعضاء الحزبيين قليلى العدد المتناقص، فالحزب بترنح فى سيره نحو الفوز، ويبدو انتصار انتخابات 2015 انتصارًا قشريًا فالعضوية تنخفض، ولا يوجد نشطاء لشغل كثير من المقاعد. فقد فاز المحافظون دون عدد كاف من الأعضاء أى صاروا شبح السياسة البريطانية الميت الذى أعيد إلى الحياة. وتناصر تعاليم السياسة المحافظة المشروع الخاص والتجارة الحرة واقتصاد السوق وحقوق الإنسان والديمقراطية. وبالنسبة للناخب العادى لا تختلف سياستهم عن دعايات الليبرالية الجديدة وإن فاقتها فى حدة معاداة الاشتراكية. ولكن سياسات اليمين لا تمر دون مقاومة. فقد انضم إلى حزب العمال منذ انتخاب جيريمى كوربين زعيما أعداد تفوق العضوية الكاملة لحزب اليمين الشعبوى حزب المملكة المتحدة المستقل. وفى سابقة تاريخية رفض مجلس اللوردات مقترح حزب المحافظين بإلغاء الدعم الضريبى لمحدودى الدخل رغم تعهدهم فى الدعاية الانتخابية بعدم المساس به. ويتظاهر الأطباء الشبان رافضين عقود العمل المجحفة التى يقترحها المحافظون ويربطون فى احتجاجهم بين حقوق الأطباء والحفاظ على منظومة الصحة المجانية التى تتعرض لمحاولات الخصخصة وتقليص الميزانية من حكومة المحافظين. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى