ارتبط صوته بقضايا الشعوب وأصبح صوت الضعفاء .. ذو تجربة موسيقية فريدة .. استوحى موسيقاه من الطبيعة ونجح فى إدخال عناصر من الموسيقى الشعبية إلى الموسيقى الكلاسيكية العالمية, إذا كان الشعر يحرض على الحب فإن الموسيقى تحرض على الحياة, ولكن الموسيقار مارسيل خليفة لا يحرضنا على كليهما فقط ولكنه حتما يحرضنا على الانتماء وعلى الحرية والشغف لكل ما هو حولنا, أحد أهم عازفى العود فى العالم وحاليا أشهر مغن سياسى عربى. لديه شغف كبير بالجمال سواء كان طبيعة أو كونا أو إنسانا ويعتبر شغفه حسب قوله المحرك الذى يحدث شعلته الداخلية .. يعتبر كل نسمة وكل صوت عصفورا وكل ريح أشياء تعطيه إيقاعات معينة وإيقاعه الشخصى يتحرك كثيرا بشكل واضح فى موسيقاه .. أغانيه ليست لحنا وليست نصا فقط ولكن لها دور كبير وأهمية بما تحمله من إنسانية نشعر بها حال سماعها .. عاشت فى حقبات زمنية مختلفة وطاف بها وقدمها على أكبر المسارح العالمية ولاقت استحسانا كبيرا من مختلف الأجيال والجنسيات لما لها من فضاء موسيقى خاص بها. الفنان العربى العالمى وعازف العود الشهير مارسيل خليفة قبل موعد حفله المقرر اليوم بدار الأوبرا ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى العربية تحدث إلى «الأهرام» فى حوار عبر فيه عن رؤيته لما يعيشه عالمنا العربى وحال الموسيقى، كما عبر عن مدى إيمانه بأن هناك مستقبلا أفضل يقوم على الحرية.. عندما كنت صغيراً لم أدرك أن الكبار كانوا صغاراً مثلنا ذات يوم .. كانوا يوهموننا بأنهم يعرفون كل شيء يسرقون منا طفولتنا المنذورة للرحيل المبكر لندخل فى عالمهم المفضى إلى العدم، لماذا يدفعوننا لنخسر طفولتنا ونقحم فى عالم لا نفهمه ولا نفقه كنهه ولا سره؟ كنّا أطفالاً منذورين للعب والضحك والمطر والشمس وكانت الأرض تهرب من تحت أقدامنا كالرياح العاتية تقصف فى دربها كل شيء، كنّا كالسيل العارم نجرف بدربنا معالم الحقول والهضاب ونرميها فى تلك الوديان السحيقة وكان يأخذنا الدهش من كل شيء نجلس على أكوام القش فى الحقول نراقب العصافير تحوم على الحبوب المنثورة فتختلط رائحتنا برائحة الزعتر والنعناع وفى الليل كانت أجسادنا تغتسل بضوء القمر الفضى على إيقاع البحر ونظامه. الزمن قاس، يراقبنا ويداهمنا، نستعجله وهو يتباطأ كى لا نراه، إلى أن غافلنا وبدأنا نستمهله وهو يجد السير بنا. أحب عزلتى عن الجو المأزوم فى التليفزيونات والإذاعات والفضائيات والمجلات والمقاهى والساحات .. عزلة أصونها من مشاغبات خارجية وأقلب المدن صفحة صفحة، وأصغى إلى نفسى وإلى العالم بطريقة أكثر صفاء وأنتبه إلى عملى وأقيم في صمتى لأكتب. الموسيقى بحاجة إلى كثير من الوقت، أحلم، أعالج شقاء الحياة بالكتابة، الحياة ساحرة مدهشة، فى الموسيقى يتحوّل الأسى إلى عصفور والغضب إلى بسمة والقبح إلى وردة فى ارتقاء بهيج بجوهر الحياة. من المهم إيقاظ وعى الناس، كيف تمت كتابة المقطوعة وما الذى ألهم المؤلف فى كتابتها؟ لماذا يحتوى الصوت على كل هذه العاطفة؟ كيف نستمع؟ الموسيقى هى الأقل معرفة من قبل الناس. سأظل أحاول أن لا أهدأ فى مكان ولا فى قالب ولا فى حالة وأبحث عن شمس حارقة حتى لو ذابت فى أفق بعيد وأن أقترب من ذلك السراب وأعاود البحث وأن لا أطمئن ولا أستقر وأن أفتش دائماً عن نهار جديد وكأنه نهار أخير وأن أعشق المغامرة والتحولات وأن أغوص عميقاً فى التجارب وأن أتعلم كل يوم كيف أحب وكيف أشتاق. كيف أبكى وكيف أضحك وكيف أتخيل وكيف أكتب الموسيقى وأن لا أشعر بالزمن الفيزيائى الذى يتلاشى فى الجسد وأن أظل أسعى إلى إنسانية راقية وأن أتحرر من اليقين سبيل للانتقال من المجهول إلى المعلوم، الجو خانق أريد قليلاً من الأوكسجين لأكتشف غموض الآفاق لأجترح المستقبل. انتصفت قنينة العرق، العود مثل امرأة عطشى على فخذى كالاستسلام الأول، نط اللحن من الوتر أشعر برغبة فى الصمت، أشعر برغبة فى اللعب، اشعر برغبة فى الغناء! ما زال صدى تلك الأيام العابرة مع صديقى محمود درويش يحلّق بى على غيمة بيضاء فى بيروت، فى القاهرة، فى باريس، فى دمشق، فى الجزائر، فى تونس، فى الرباط، فى عمان، فى نيويورك، وفى الطريق إلى القدس. فى الزهرة الطالعة من جرح الصخرة، فى الجلسة، فى السهرة، فى ليلة رأس السنة، فى الفندق، فى المطعم، فى المقهى، فى الساحة، فى القطار، فى الباخرة, فى الطائرة، فى الباص، فى السيارة، فى كل شيء، كل شيء، كل شيء. أصدر أولى اسطواناته الموسيقية عام 1977 بعنوان «وعود مع العاصفة»، وتضمنت قصائد لمحمود درويش وانخرط فيما بعد فى مشروع الأغنية الجديدة, ثم توالت محاولاته منذ التسعينيات بحثا عن توظيف أفضل وأجمل الآلات الشرقية والتراث الموسيقى الشرقى ضمن البنية الأوركسترالية الغربية. خلال أواخر السبعينات والثمانينات لحن مارسيل أولاً قصائد الشاعر الفلسطينى محمود درويش مطلقاً ظاهرة غناء القصيدة الوطنية الفلسطينية التى تمتزج فيها صورة المرأة الحبيبة بالأرض والوطن أو الأم والوطن معاً, وشعر درويش الرمزى الوطنى العاشق فكانت «أمي» وكانت «جواز السفر» أفضل شعارات تحملها وترددها الجماهير العربية المنادية بالنضال فى فترة ما بعد النكسة. شكل مارسيل ودرويش أقرب ما يشبه الثنائى فى أذهان الناس. لحن مارسيل أيضا لشعراء آخرين مثل حبيب صادق وطلال حيدر واستطاع أيضاً إدخال الساكسفون إلى الموسيقى العربية فى واحدة من أهم أغانيه «يعبرون الجسر» للشاعر خليل حاوى. فى المرحلة الثانية «من التسعينات إلى الآن» بدأ مارسيل يميل أكثر للتلحين الموسيقى البحت دون الغناء فكانت بداية مشاريعه الموسيقية التى بدأها بمعزوفة «جدل» التى تعتبر نقاشا بين «العود القديم» مارسيل خليفة و«العود الجديد» شربل روحانا، فكان محاولة أكثر من ثورية بالنسبة لتقديم العود، وقام بتأليف موسيقى تصويرية فى العديد من مسرحيات عبدالحليم كركلا الأخيرة: مثل حلم ليلة صيف والأندلس وحالم المفقود. قام مارسيل مؤخراً بقيادة فرقة أوركسترا شارك بها العديد من العازفين العالميين وهو يغنى أغانيه عن حبيبته فلسطين ويعزف معزوفاته الرائعة، كانت إحدى هذه الحفلات فى قصر الأونسكو فى بيروت، كما أصدر ألبوماً جديداً بعنوان تقاسيم. تمت تسمية مارسيل خليفة عام 2004 سفيراً للسلام من قبل منظمة اليونسكو. عالمنا؟ خيبة أمل بهذا العالم، خيبة أمل بهذا الواقع. لماذا؟ نعيش فى محرقة نأكل بَعضُنَا البعض. الحياة؟ بنوك .. كازينوهات .. شركات طيران .. سماسرة ..عمولة .. تهريب, ليس هناك شىء حقيقى. الأزمة؟ العلة فينا داخل أرواحنا .. داخل التراث والفكر .. وما لم نعالجها بالثورة عليها فسنظل مهزومين. القضية؟ يا عالم ماذا فعلتم بفلسطين؟ ماذا فعلنا بفلسطين؟ الإصرار؟ معركة حياة او موت، لا حياة حرّة فحسب بل أحراراً فاعلين متجددين خلاّقين على كامل التراب العربى. البداية؟ نزيل العوائق وندّد الأوهام وليكن ذلك من الجذور لا من القشور .. من الجذور الروحيّة والحضاريّة والفكريّة والنفسيّة، من البداية لتكن البداية بالهدم. الحل؟ أن نثور على أنفسنا ونعلن حربنا الذاتية داخل النفوس والعقول والإرث والتراث وإلا فلن يحصل شىء وسيتزايد العدميون" الهدامون" الانهزاميون. المستقبل؟ نتطلع إلى المستحيل لأنه وحده فى حجم اليأس بين الحب والشعر والموسيقى والأغنية .. بين الصلاة والكفر, وفوق مدننا نعلن الحب وبأقدامنا نجتاز الحقارة .. النجمة التى فى السماء هى النجمة التى فى القلب .. القمر الذى فى السماء هو القمر الذى فى القلب .. البياض الذى فى الطبيعة يجب ان يكون لون نقائنا. العائق؟ هناك من يتاجر فى الخفاء، هناك من يستعد لتليمنا، هناك خديعة كبرى. لمن؟ خديعة موجهة ضد وجودنا النفسى والتاريخى وضد النظيف من تاريخنا ومن ماضينا والبرىء من حاضرنا والوعد الجميل المزروع فى مستقبلنا. نصيحة؟ إذا نجح المتآمرون فسيهبط الويل أكثر ثمّ أكثر إلى عالمنا العربى. الأمل؟ يجب أن تبقى لدينا القدرة على الرؤية فى الظلام ومهما حدث يجب أن تظل ترتفع أصوات تمسكنا من يد فى الظلام وتقول: لا تخافوا ! استمرارك؟ استمريت بمجرد استمرارى فى الإبداع من أجل حق فى الجمال والحب وحده الفن وحب الجمال أقوى من الغضب والحرب ومن الظلم. التمييز؟ أحب جميع الحالمين دونما تمييز عرقى أو قومى أو دينى أو من أى صنف آخر. الإرهاب؟ لن تُغلِّب الطيبة لن تدحر المحبة لن يغرز اللؤم سيفه فى جوفنا ومنظر استمرار دورة الإرهاب والإرهاب المضاد لن يستمر إلى ما لا نهاية ولن يسقط أبدا جمال السلوك وفى هذا الجو الخانق كم يعوزنا "أكسجين" الموسيقى والفن بشكل عام. المواجهة؟ إن الإجرام الذى يمارس على أرضنا والموت الايديولوجى والدينى والسياسى والجنسى والعاطفى والعضوى كل أنواع هذا الموت ولكن هناك محل صغير لأنمل من الأمل. تساؤل؟ كيف يستمدون المتعة من تعذيب الآخر وكيف نحرّر الحياة من هذا الموت؟ توصيفك؟ إجرام شامل سواء للدول أو للجماعات أو الأفراد الذى تجمّع فى هذه الحروب عندنا يفوق ما حصل فى الحرب العالمية الثانية. كلمة؟ ما يحصل عندنا إلاّ موتاً لا يشتهى غير الموت. احتجاجك؟ احتجاجى على الاجرام والعنف كان منذ البداية منذ "وعود من العاصفة" واحتجاجى على الحرب كلها صدر تباعاً فى أعمالى الموسيقية والقصائد والأغانى. إحساسك؟ كان غليان الحق وهدير الحلم أعلى من السماء، إنه من تدفق مثلاً غنائية "أحمد العربى" فى عمل فنى لا يريد ان يكون ثمّة لحظة لغير الشوق ولا متسع إلا للحب. الخيبة؟ ما من شىء أعمق من هزيمة الحلم. التحدى؟ الخيبة هى النهاية ولكن أحاول أن ابعد عنى هذه الحقيقة وأن أتمسك بحبل نجاة ما سواء بالموسيقى أو الإبداع أوالجمال, ودائما انتظر ان أبصر مستمعاً وراء الحائط العالى أتسلقه، ربما يكون ينتظرنى عندما اعبر ليستقبلنى ليعطينى أملا وليقول لى: لا لم تكن مخطئاً. أحلامك؟ أخبئ بعض أحلامى المتبقية وامضى فى اللعب والموسيقى والغناء وكلما أضعت حلماً حملنى حلم آخر وهذا الذى يضيئنى. الوعد؟ هذه الشعلة التى لا تنطفئ هى الوعد الذى يرفض أن يخيب, هى الحدس بوجود واقع آخر يحمل كل الحب من هذا الواقع المرعب والمقرف فى آن واحد. اليقين؟ الإيمان بأن هذا العالم المعادى لا يواجه إلا بقوة الخيال الساحقة وكبرياء الرفض وبشعور يخترق الارض والسماء .. شعور لا يعرف المغيب .. شعور ان ما تمنيناه فى سرّ قلوبنا هو الذى سيتحقق. النتيجة؟ عالماً أفضل هنا على هذه الأرض, حيث أقام الفن والفكر, عالم الجمال والرغبة تحت سقف الحلم والخيال وفى هواء الحريّة. الحريّة ! نعم الحريّة تلك الشعلة التى لم تطفئها العواصف بل زادت فى توهجها, ذلك هو السبب الذى جعلنى قادرًا أن آتى إليكم وأُقدِّم كونشرتو الربابة مع الاوركسترا السيمفونية بقيادة المايسترو ناجى والسوليست حسن المعتز. المهرجان؟ أطلب من هذا المهرجان ان يذهب بعيدا فى خياراته ويقدم أعمالا جديدة فى اختراق السائد وان يبتعد عن أمسيات المنوعات الممتلئة بها الأرضيات والفضائيات والتى أكل وشرب الدهر عليها. الاختراق؟ هناك ظواهر موسيقية جادة فى العالم العربى يستطيع هذا المهرجان أن يكون بجانبها وأتمنى أن يحصل ذلك ويبتعد كلياً عن المنوعّات التليفزيونية فكل شىء أو لا شئ هو شعار حياة موسيقية جديدة. الشوق؟ أن أكبر انتصار على اليأس هو هذا الشوق الملتمع فى أعماق يأسنا من ما وصلت إليه حالتنا فى كل الميادين وتحت هذا الفيض من حرارة الشوق يغمرنى إحساس بأن الأمور ستتغيّر وسيكون هناك عاصفة من الحياة والجمال والحب والموسيقى والفن يخترقها الوعد كما يخترق البرق ظلام الليل. رسالتك؟ ككل عاشق حلم دون صبر وبمنتهى الانتظار دون سلاح غير نهم الحريّة ونهم آخر لا يقل احتداماً هو نهم السكر بما يذهل الإبداع وبما يبث فى نار الرغبة روحاً يديمها متأججة فحسب.