يقول الحق تبارك وتعالى : «وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها» وتعتبر نعمة الصحة من النعم التى لا تعد ولا تحصي، فلقد خلق الله جلت قدرته فى أجسامنا أشياء كثيرة يستحيل عدها وإحصاؤها منها الخلية، وهى وحدة تكوين الجسم والتى يقدر عددها بنحو مائة تريليون خلية يستغرق عدها بضعة ملايين من السنين، وفى أحد المؤتمرات التى عقدت فى بداية الألفية الثالثة قال أحد العلماء : منذ عشرين سنة اعتقدنا أننا توصلنا إلى معظم أسرار الخلية، وإنى أعلن الآن أن الذى اكتشفناه فى الخلية قطرة فى محيط، وإذا دققنا وتأملنا مايدور فى الخلية الموحدة فسنجد أنها مزودة بأسلحة دفاعية وأخرى هجومية تقيها من الميكروبات والمواد الضارة التى تسبب الأمراض، وهذا عنصر أساسى لتحقيق نعمة الصحة. وبالنظر إلى أعضاء الجسم المختلفة نجد أنها مزودة بوسائل تقيها من الأمراض، فالجلد، بما يفرزه من عرق ومادة دهنية، وبما يحمله من ميكروبات نافعة، يقضى على الميكروبات التى تصل إليه، كما يمنع الجلد السليم الميكروبات والمواد الضارة من الوصول إلى الدم. وفى الجهاز الهضمى خطوط دفاعية وأخرى هجومية بداية من الفم ومروراً بالمعدة والأمعاء وانتهاء بالقولون والمستقيم، ويعتبر الكبد حصنا منيعاً ضد الميكروبات والسموم، فهو بمثابة الصخرة التى تتحطم عليها الميكروبات المسببة للأمراض، كما أن للكبد قدرة على تحويل المواد السامة إلى أخرى أقل ضرراً أو عديمة الضرر تستخرج عن طريق الكليتين وأعضاء أخري، كما يسهم الكبد فى إنتاج مواد تساعد فى رفع مستوى المناعة، وهى بروتينات المناعة التى تؤدى دوراً فعالاً فى القضاء على الميكروبات. وبالجهاز التنفسى وسائل عديدة لمقاومة الميكروبات تبدأ فى الأنف الذى يفرز المخاط، كما تحتوى بطانته على أهداب دقيقة تدفع المخاط ومايحمله من مواد ضارة إلى خارج الأنف، ويساعد الشعر الموجود فى بطانة الأنف فى منع دخول الحشرات والأتربة من الأنف إلى الرئة، وإذا تخطت الميكروبات خط الدفاع الأنفى نجد خط دفاع آخر فى القصبة الهوائية والشعب والشعيبات الهوائية التى زودت بطانتها بالمخاط والأهداب التى تدفع المخاط وما به من ميكروبات ومواد ضارة إلى أعلى ليصل إلى الأنف والبلعوم ثم إلى المعدة التى تقضى إفرازاتها على الميكروبات. ويلعب الدم دوراً كبيراً فى مقاومة الميكروبات التى تصل إليه حيث يتم القضاء عليها والحد من انتشارها فى أعضاء الجسم، فالدم يحتوى على ملايين من خلايا الدم البيضاء والخلايا الليمفاوية التى يقوم جميعها بالتهام الميكروبات والفتك بها. وتشمل الأعضاء المقاومة للميكروبات والمواد الضارة الغدد الليمفاوية والطحال والغدة التوتية واللوزتين، ويوجد بالجسم أسلحة مناعية أخرى منها ما اكتشف ومنها لايزال قيد الدراسة والبحث. وقد يتساءل البعض لماذا يمرض الإنسان بالرغم من احتواء جسمه على هذه الأسلحة التى تقضى على مسببات المرض ؟ وأقول : إن هناك عوامل قد تضعف مناعة الجسم، مثل قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة البدنية وتعاطى المخدرات والكحوليات والتدخين والتعرض المستمر لتلوث الهواء والغذاء والماء، وسوء التغذية والإفراط فى تناول الطعام، والإجهاد والغضب الشديد والانفعالات العصبية، كما أن هناك عوامل وراثية تؤدى الى الاصابة بأمراض الوراثة التى تحقق علاج القليل منها، وسوء استخدام الأدوية، وغيرها من عوامل. فإذا أردنا أن نحافظ على سلامة جهاز المناعة والوقاية من الأمراض، علينا ممارسة الرياضة البدنية، مثل المشى الذى تبين أنه يساعد فى تنشيط المناعة وزيادة الأجسام المضادة للبكتيريا والميكروبات الأخري، ومن فوائد المشى التخلص من الوزن الزائد وعدم الاصابة بالسمنة التى تعتبر من أهم أسباب الاصابة بعدة أمراض، كما يساعد المشى فى تخفيض ضغط الدم المرتفع وتقليل مستوى كوليسترول الدم والوقاية من هشاشة العظام ومرض السكر وأمراض القلب والاكتئاب ومرض الزهايمر. ونستطيع المحافظة على سلامة المناعة بتناول الزبادى واللبن، ويعتبر لبن الأم أفضل غذاء للطفل الرضيع حيث يكسبه مناعة طبيعية ضد الأمراض الميكروبية والفيروسية. ويعتبر الثوم من الأغذية التى اتضحت أهميتها فى علاج بعض الأمراض والوقاية منها منذ آلاف السنين، ولقد اكتشف حديثاً أن الثوم يحتوى على مواد تشبه المضادات الحيوية فى فعاليتها ضد الميكروبات، كما أثبتت بحوث أجريت فى أمريكا أن الثوم يفيد فى تقوية المناعة وفى الوقاية من السرطان، وتشمل الأغذية المقوية للمناعة الأسماك والخرشوف وعيش الغراب وعسل النحل والأطعمة الغنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة، مثل الخضراوات والفواكه، ويعتبر فيتامين سى من أهم مضادات الأكسدة التى تقى الجسم من غزو البكتريا والفيروسات، وتشمل مضادات الأكسدة المقوية للمناعة فيتامين ه (E) الذى يتوافر فى زيت جنين القمح والخس والبقول واللحوم والبيض واللبن، كما تشمل مقويات المناعة فيتامينات من مجموعة ب المركب مثل ب 1، ب 2، ب 6 والبيوتين وحمض الفوليك ويتوافر جميعها فى الخضراوات والفواكه. د.عزالدين الدنشارى