لحظة واحدة من الخوف الحقيقي والحب الحقيقي بدلا من الحياة الكذب, من المشي بلا سبب والكلام بلا معني وفتح الأبواب وغلق الأدراج وطلوع السلم والرد علي التليفون وانتظار السيارات وقناع كاذب للحزن وقناع أكذب للضحك لمقابلة أقنعة الآخرين. ينبهنا لمعني الحصول علي هذه اللحظة وقيمتها الروائي بهاء طاهر في نقطة نور مضيفا لحظة واحدة تبعث فيها الأرواح الميتة لتلتقي, ولكن كيف تبعث هذه الأرواح؟. كما يذكرنا في تلك الرواية:ما الذي يجعل خطانا تقودنا الي عكس الطريق.. ونحن نعرف أنه عكس الطريق؟ وأيضا.. كان فرق السن بيني وبينها يزيد علي خمسة عشر سنة.أتظن أني شعرت بذلك أو أنها شعرت به؟ الحب يا ولدي التقاء روحين. والأرواح لا عمر لها .............. وسواء سعينا لتلك اللحظة الصادقة والمطلوبة بالحاح في حياتنا أو اجتهدنا( كما اعتدنا دائما) من أجل الوصول الي نقطة نور أو نقاط عديدة ومختلفة تضئ مشاهد حياتنا فان المحاولة ذاتهاانجاز لا بد منه. وطالما كانت المحاولة جادة وصادقة فأهلا بها دائما وأبدا. والحديث الملفت للانتباه لدي عشاق الأدب العالمي هذه الأيام هو أورهان باموق وروايته الجديدة والتي صدرت ترجمتها الانجليزية منذ أيام قليلة. ورواية الكاتب التركي الحائز علي نوبل للآداب( عام2006) اسمها غربة ما في عقلي. والرواية تتضمن في صفحاته ال624 وحسب وصف المؤلف مغامرات وأحلام مولود بائع شراب البوظة وأصدقائه وأيضا بورتريها للحياة في اسطنبول ما بينعامي1969 و2012 من جانب وجهات نظر مختلفة وعديدة. بطل الرواية بائع متجول مولود كاراتاس وما يبيعه هو اليوغورت( الزبادي) والبوظة. ذلك الشراب الشهير من الشعير المخمر والذي يباع أكثر في الليالي الباردة حين يتعالي فيها نداء البائع بووووظهههه حسبما يذكر بامق ويكرر ذكره في روايته الأخيرة. ويذكر عشاق باموق وأدبه بأن الروائي التركي مرة أخري يعبر عن عشقه الممتد لمدينته أسطنبول. وتحديدا لتلك اسطنبول التي كانت.أو كانت بالنسبة له ولطفولته وصباه وأحلامه وذكرياته.. وخياله المجنح أو خياله المحلق. انها رواية أجيال بما فيها ولها من حكايات علي امتداد خمسة عقود. باموق( كما هو معلوم) لديه عشق دائم للتفاصيل وقدرة ساحرة علي السرد. وبالطبع الانسان( بشكل عام) يبحث دائما عن هذا السرد الساحر وذاك الحكواتي الذي يحكي بشوق وعشق وخيال وفي الجانب الآخر يستمع اليه الناس بتشوق وفضول وحنين. وفي حديث اذاعي بث منذ أيام ذكر باموك( وهو من مواليد1952) أنه يتشابه كثيرا مع مولود في عقله.. حتي لو اختلف معه كثيرا في حياته. في الحقيقة أنا أقول دائما لأصدقائي ربما لا تحب روايتي, الا أني سأكون سعيدا جدا اذا أحببتم مولود. ويضيف رد فعل جمهور القراء يعجبني وهم عادة لا يذكرون اسم الرواية بل يقولون قرأت مولود وأحببت مولودوذكر باموق أيضا كيف أنه لكي يكتب هذه الرواية أجري حوارات مطولة مع من كانوا باعة متجولين, وعاشوا ذلك الزمن الجميل, وأن البعض منهم الآن في التسعين من عمرهم. وهو يري من خلالهم ومن خلال ما يعيشه هو هذه الأيام كيف أن الدنيا التي كان يعرفها في اسطنبول تغيرت أني أري التغيير الاجتماعي للشوارع والدكاكين ولكل شئ.. وأيضا للطريقة التي يتعامل بها الناس وطريقة مشيهم وحديثهم واستمتاعهم بأنفسهم في شوارع اسطنبول.. من خلال عيون بطل الرواية مولودويري بعض النقاد أن باموق ينظر عادة الي أي رواية وينتظر منها أن تحمل( عند قراءتها) وجهة نظر مغايرة أو رؤية شخص آخر للعالم. ومن هذا المنطلق وبهذا المفهوم كتب باموق روايته الجديدة. لقد أمضيت ستة أعوام مع مولودي.. هذا ما يذكره الروائي في محاولته لكي يري مدينته المحبوبة من زاوية مختلفة عن زاويته الخاصة به. ومن الطبيعي أن يتساءل المرء دائما ماذا حدث لمدينتي الحبيبة؟ تلك التي كانت.. أو التي لم تعد كما كانت. هكذا يتساءل أهل الاسكندرية وأهل القاهرة.. وكل مدن مصر علي امتداد أراضيها. شكل مدينة ما يتغير أسرع( وللأسف) من القلب الانساني قول لبودلير يستعين به باموق في نهاية روايته. ولكن هل هذا صحيح؟. أما باموق نفسه يقولأني في حاجة الي ألم الوحدة حتي أجعل خيالي ينطلق.. ثم أجد نفسي سعيدا وعشاق الأدب العالمي.. ومحبو الأصوات المختلفة في حالة انتظار لرواية جديدة لايزابيل الليندي ستصدر خلال أيام اسمها العاشق الياباني. وبالطبع نجد من حولنا محبو عالمها السحري يتساءلون ما الذي يمكن أن تضيفه روايتها الجديدة لما كتبته من قبل؟. الليندي الكاتبة التشيلية/ الأمريكية في هذه الرواية(336 صفحة) تحكي قصة حب ورحلة حياة تجمع بين العاشق الياباني ايتشيمي فوكودا والمعشوقة البولندية آلما بلاسكو حيث تتلاقي الأقدار وتدور أحداث الرواية في سان فرنسيسكو وفي أمريكا وبولندا بدءا من الحرب العالمية الثانية. ايزابيل الليندي في73 من عمرها ولها علي امتداد تاريخها الابداعي17 رواية. وتقولفي كل كتبي هناك نساء قويات يتغلبن علي عوائق عظيمة لكي يكتبن أقدارهن. أنا لا أحاول أن أخلق نماذج تقلدها النساء. كل ما أريده من القارئات أن يجدن القوة, ومن القراء أن يعرفوا معني أن تكون امرأة. أن يجدوا التعاطف. وتصف لحظة الابداع والخلق الأدبي بالقولعندما تشعر بأن القصة قد بدأت بالتقاط ايقاع, الشخوص تتشكل, ويمكنك أن تراهم, وأن تسمع أصواتهم, وهم يفعلون أشياء لم تخطط لها عندما تعرف بأن الكتاب موجود في مكان ما, وكل ما عليك فعله هو أن تجده, وأن تحضره كلمة بعد كلمة الي هذا العالم. وتذكرناعندما تروي قصة في المطبخ, فهي مليئة بالأخطاء والتكرار. من الأفضل أن تتجنب هذا في الأدب, ومع ذلك, يجب علي القصة أن تبدو كمحاورة, لا كمحاضرة ............ في بداية رواية نقطة نور لبهاء طاهر نقرأ: قال أستاذنا الحكيم: الناس أجناس والنفوس لباس, ومن تلبس نفسا من غير جنسه وقع في الالتباس. فسألناه: يا معلمنا, فهل النفس قناع نرتديه أن أحببناه وان كرهنا نبذناه؟ فرد مؤنبا: أو لم أقل لكم من تقنع هلك؟ نعم,من لبس القناع أو ارتداه( والأخطر منه ارتضاه) هلك.. حينئذ لا ينفع الندم ولا يجدي لوم الآخرين!