تظهر القراءة الأولية لخريطة الانتخابات البرلمانية ولنتائجها على الأقل فى مرحلتها الأولى، أن تشكيل البرلمان المقبل سيكون، لأول مرة منذ عشرات السنوات، دون حزب يمثل الحكومة، كما لن تكون فيه أغلبية برلمانية تطرح برنامجا أو رؤية يمكن التفاعل معها بالتأييد أو بالمعارضة إذ يخلو من وجود قوى سياسية مسيطرة، وحتى تحالف فى حب مصر هو تجميع لعدة أحزاب وتيارات وأفراد لا يجمعها كيان حزبى واحد ، كما ان أغلب المستقلين الذين يشكلون نحو 80% من أعضاء المجلس ليس لديهم أجندة تشريعية. هذا الأمر يثير القلق على مدى قدرة مجلس النواب الجديد على القيام بمهامه التشريعية والرقابية فضلا عن الخوف من سقوطه ضحية لهذا التفكك، بل ان هناك توجسا من ان هذه الفسيفسائية التى تشكل الخريطة البرلمانية قد تضيع الميزات التى اكتسبها البرلمان فى الدستور. ومن هنا نقترح من الآن العمل على صياغة أجندة وطنية للبرلمان المقبل، على غرار الوثيقة التى وضعها الأزهر الشريف عقب ثورة يناير، بحيث يشارك فى إعدادها مختلف النخب والكفاءات والتيارات السياسية الوطنية، لتكون نبراسا للمجلس الجديد، تجسد الضمير الوطنى وتأخذ فى اعتبارها التحديات الداخلية والخارجية التى تواجه الوطن. وتحصر أولويات قضايا المرحلة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لا يتصور أحد ان تغفل هذه الأجندة طبيعة التحديات الإقليمية التى تجابه مصر بدءاً من أوضاع دول الجوار وما تموج به من هواجس مقلقة، وانتهاء بمخاطر سد النهضة على أمن مصر وشريان الحياة فيها. وعلى المستوى الداخلى، فمن المتوقع ان تغطى هذه الأجندة القضايا الوطنية المحلية فى ظل حزمة تحديات رئيسية. أولا التحديات الاقتصادية وبخاصة مشكلات التضخم والبطالة وسد عجز الموازنة، فقد بلغت معدلات البطالة أكثر من 12%، بينما ارتفع معدل التضخم إلى 11%،. أما العجز فى الميزان التجارى فبلغ 29.6 مليار دولار. ووصل حجم الدين الداخلى لمصر وفقا لبيانات البنك المركزى المصرى إلى 2.016 تريليون جنيه، بينما بلغ الدين الخارجى 39.853 مليار دولار، فضلا عن أن هناك حاجة حقيقية لنهضة تشريعية تتعلق بالاستثمار لتحقيق المشاريع التى سبق الإعلان عنها ووضع تشريعات تسهم فى تذليل العقبات التى تواجه المستثمرين. ثانيا التحديات السياسية حيث كشف تراجع الإقبال على الانتخابات البرلمانية عن خواء فى الخريطة السياسية يستوجب إعادة النظر فى قانونى الأحزاب والانتخابات، فضلا عن إعداد التشريعات السياسية التى يفرضها الدستور الجديد ومنها صياغة قانون جديد للإدارة المحلية وإصدار قانون مفوضية الانتخابات، وهو أحد مشروعات القوانين الذى انتهت وزارة العدالة الانتقالية من إعداده، ورأت تأجيل عرضه على الحكومة لإصداره، حتى يأخذ فرصة أكبر فى النقاش داخل اللجان البرلمانية المختصة، وهو ينظم عمل الهيئة التى ستتولى إدارة جميع الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، بدءا من تاريخ انتهاء أول انتخابات نيابية تجرى بعد العمل بالدستور. بالإضافة إلى العمل لتهيئة المناخ السياسى لمزيد من المشاركة الشعبية فى صنع القرار. ثالثا تحديات اجتماعية، فالدستور يحتوى على العديد من المواد ضمن فصلى المقومات الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى إعداد تشريعات متوازنة أو إجراء تعديلات على القوانين الحالية، وبخاصة المتعلقة بالمنظومة الصحية والتعليمية فى مصر، فبموجب الدستور فإن لكل مواطن الحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، كما ألزم الدستور الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم.ولا يخفى على أحد حال التعليم والصحة فى مصر اللذين لا يجدى معهما التشريعات فقط وإنما يتطلب الأمر مراقبة برلمانية قوية على الأداء . رابعا التحديات التشريعية والحقوقية، فعلى البرلمان الجديد مراجعة كافة القوانين التى صدرت فى غيابه، خلال 15 يوماً من بدء أعماله بنص المادة ا156ب من الدستور، وعلى رأسها قانون الخدمة المدنية، ويبرز التحدى فى ظل قصر المدة المحددة وكثرة القوانين التى صدرت،كما ان هناك عدة قوانين تنتظر البرلمان الجديد او ما يسمى القوانين المكملة للدستور، من أبرزها مشروع قانون العدالة الانتقالية، حيث تنص المادة ا241ب من الدستور على أن يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أُطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وفقاً للمعايير الدولية.بالإضافة الى إعداد مشروع قانون اللائحة الداخلية لمجلس النواب، ونتمنى أن تطلق اللائحة يد أعضائه فى الرقابة والتشريع، وتحديد مدة معينة لإصدار القوانين، لتدارك أخطاء الماضى من وضع مشاريع القوانين لسنوات فى الأدراج المغلقة. لمزيد من مقالات د. محمد يونس