تعتبر 2015 سنة فارقة ومنعطفا مهما فى تاريخ التنمية المستدامة. فهناك أجيال سيتشكل مستقبلها من خلال القرارات المهمة التى يتخذها المجتمع العالمى فى يومنا هذا. ونحتفل هذا العام بذكرى مرور سبعين عاماً على قيام الأممالمتحدة، التى تأسست على أيدى 51 بلداً من بينها مصر، لتأكيد إيماننا بكرامة البشرية، وإفشاء السلام والأمن، وتعزيز التطور الاجتماعى، والارتقاء بمستويات المعيشة وحقوق الإنسان. وفى سبتمبر من هذا العام، تبنى المجتمع العالمى خطة إنمائية طموح وعالمية، ألا وهى أهداف التنمية المستدامة، التى تعترف بأوجه الترابط بالغة الأهمية بين القضايا الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وتجسيداً لروح ميثاق الأممالمتحدة، ترمى هذه الأهداف إلى القضاء على الفقر والحد من عدم المساواة بحلول عام 2030، وزيادة الرخاء من خلال اقتصادات شاملة للجميع، وحماية الكوكب وإيجاد مجتمعات مسالمة، وذلك من خلال الشراكات القوية. هذه الأهداف هى نتاج مشاورات عالمية مكثفة مع أشخاص من جميع مناحى الحياة سُئلوا عن العالم الذى ينشدونه. وفى مصر، ساندت الأممالمتحدة الحكومة فى مشاوراتها الوطنية، حيث برزت فرص العمل والتعليم كأولويتين. تبنى أهداف التنمية المستدامة على الأهداف الإنمائية للألفية، لكنها تمضى أبعد منها بكثير، فى ظل وجود أهداف جديدة معنية بالطاقة وتغير المناخ والعدالة، ضمن أمور أخرى. كان تمويل هذه الخطة الطموح موضع كثير من النقاش، وأتاح مؤتمر تمويل التنمية الذى عقد فى أديس أبابا فى يوليو إطاراً مهماً للمداولات. ستعتمد هذه الخطة إلى حد كبير على موارد محلية عامة وخاصة، تكمّلها المساعدات الإنمائية الرسمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، ونقل التكنولوجيا، والتعاون فيما بين بلدان الجنوب. ويظل للأمم المتحدة دور كبير فى عالم سريع التغير يواجه تحديات معقدة تتجاوز الحدود بين البلدان. فهناك حوالى 900 مليون شخص يعيشون فى فقر مدقع، وتهدد الصراعات والإرهاب بتقويض مكاسب سنوات التنمية، مما يسفر عن تشريد غير مسبوق للبشر. والآثار السلبية المحدقة نتيجة تغير المناخ هائلة وحقيقية. وما لم نتوصل إلى اتفاقية عالمية بشأن تغيُّر المناخ فإننا نجازف بحياة أولادنا والأجيال القادمة. ستتيح قمة المناخ المقرر انعقادها هذا العام فى باريس فرصة فريدة. ولمصر، بصفتها رئيس المؤتمر الوزارى الأفريقى المعنى بالبيئة ورئيس لجنة رؤساء دول وحكومات أفريقيا المعنية بتغير المناخ، دور شديد الأهمية فى بلورة هذه الاتفاقية الجديدة. تعمل الأممالمتحدة من نواح عديدة على تحسين حياة البشر، من تطعيم للأطفال وتوزيع للمعونات الغذائية وتوفير لفرص العمل ومساندة للمهاجرين واللاجئين وحماية للبيئة والتراث الطبيعى والثقافى وتشجيع لحفظ السلام وبناء السلام والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان وسيادة القانون. قطعت مصر أشواطاً كبيرة منذ تبنى الأهداف الإنمائية للألفية عام 2000. فعندما أزور برامجنا المنفذة فى كل أنحاء البلاد، تدهشنى قوة المصريين وصمودهم ممن يعملون بلا كلل ولا ملل لتحسين حياتهم. ومن خلال جهودنا المشتركة، حققت مصر المساواة بين الجنسين فى نسبة الفتيات إلى الصبيان فى مرحلتى التعليم الأساسى والثانوي، وخفضت معدل وفيات الأطفال دون 5 سنوات بمقدار النصف، وحصنت ملايين الأطفال وبالتالى قضت على مرض شلل الأطفال، وحاربت وصمة ختان الإناث التى ظلت قائمة قروناً من الزمن، فقللت بالتالى معدلاته بنسبة 13 فى المائة فيما بين عامى 2008 و2014. فى عام 2014 وبالشراكة مع الصندوق الاجتماعى للتنمية، وفّر 450 مشروع أشغال عامة 218 ألف يوم عمل كان نصيب النساء منها أكثر من 40 فى المائة. كما مكّنت مكاتب المساعدة القانونية الاثنان والثلاثون التى أنشئت فى محاكم الأسرة فى 20 محافظة الأميات الفقيرات من الاستفادة من خدمات قانونية بالمجان. كما أسفرت المساندة فى تركيب أنظمة إضاءة تتسم بالكفاءة فى استهلاك الطاقة فى 15 مبنى حكومياً وبنكاً وفندقاً عن توفير بنسبة 42 فى المائة فى استهلاك الكهرباء. وهناك 950 وحدة بيوغاز فى 18 محافظة تمد الأسر المعيشية الفقيرة بطاقة نظيفة وموفرة للتكلفة. هذه مجرد بضعة أمثلة على عملنا، والذى تيسّر من خلال التعاون الوطنى والدولي. دور الشباب فى الترويج للخطة الإنمائية الجديدة حاسم الأهمية؛ فهم الذين سيحملون عبء التصدى للتحديات العالمية والاستفادة من الفرص الجديدة. ونحن نساند فى مصر مبادرات معنية بتنمية المهارات الابتكارية لدى الشباب والتوظيف وريادة الأعمال ومحو الأمية الرقمية. يحتل تمكين المرأة صميم هذه الخطة الإنمائية الجديدة، ويسرنا أن نعمل فى مصر على العديد من البرامج التى تساند الارتقاء بالمرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. إننا نحتفل بمرور 15 سنة على قرار مجلس الأمن رقم 1325 الذى يسلط الضوء على الدور الحيوى الذى تلعبه النساء فى قضايا السلام والأمن. وقد دخلنا فى مصر فى شراكة مع مركز القاهرة الإقليمى للتدريب على تسوية المنازعات وحفظ السلام فى أفريقيا، الذى يركّز أيضاً على تعميم مراعاة المساواة بين الجنسين فى عمليات حفظ السلام وتسوية المنازعات. لكى تكون أهداف التنمية المستدامة أوثق صلةً بمصر، لا بد من تكييف المستهدفات العالمية مع السياق المصرى الوطني، على أن تتمّم هذه بيانات جيدة النوعية لرصد التقدم المحرز. وتساهم الأممالمتحدة فى إثراء الحوار حول سياسات التنمية المستدامة من خلال القيادة ووثائق السياسات الرئيسية كالتقارير الوطنية للتنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. ويعتبر مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، وافتتاح قناة السويس الجديدة مؤخراً، ورؤية مصر 2030، والانتخابات البرلمانية كلها خطوات مهمة فى الاتجاه الصحيح لإحداث تحوّل فى تنمية البلد. ونهنئ مصر على فوزها بمقعد فى مجلس الأمن الدولي، ونعتمد على قيادتها فى المضى قدماً بالخطة العالمية لبناء السلام والأمن وتعزيز التنمية. لقد حان الوقت الآن لاغتنام الفرص والعمل على أساسها، لننتقل بذلك من التبنى إلى التطبيق. ونحن نتطلع إلى الشراكة مع مصر فى المضى قدماً بهذه الخطة الإنمائية التاريخية. لمزيد من مقالات أنيتا نيرودى