بينما تتواصل المواجهات العسكرية في اليمن التي تجاوزت إلي الآن 200 يوم بين القوات الموالية للرئيس اليمني ومعها قوات التحالف العربي ، وبين ميلشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح لاستعادة الشرعية والاستقرار وتفويت الفرصة علي تدخل إيران ، يبدو في الأفق طرف خطير يترقب عن قرب نتائج المواجهات للانقضاض علي جسد اليمن المنهك، ويعتبر نفسه خصما لكل هذه الأطراف وهو تنظيم الدولة الإسلامية « داعش « بمسمياته المختلفة ومنها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو جماعة أنصار الشريعة . داعش أعلنت عن نفسها من خلال سلسلة تفجيرات في المساجد والهجوم علي معسكرات للجيش والشرطة ، لكن صبرها علي إضعاف المتقاتلين نفد عندما هاجمت خلال الأيام الماضية مقارا للحكومة اليمنية والقوات الإماراتية في عدن، وأعلنت مسئوليتها عن ذلك وراح ضحيتها 15 جنديا، منهم 10 يمنيين، و4 إماراتيين، وسعودي، فيما أسفر تفجير صنعاء، الذي استهدف تجمعا للحوثيين عن 7 قتلي . وتظهر هجمات داعش المزدوجة علي صنعاءوعدن في وقت واحد رسالة منه بأنه ليس طرفا طارئا في الصراع، أو جزءا من تحالف جهة ضد جهة ، بل جاء ليبتلع الجميع دون تمييز . في الوقت الذي تتبادل أطراف الصراع في اليمن المسئولية عن دعم داعش ، ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة اليمنية إن داعش صنيعة صالح والحوثيين، يؤكد الحوثيون وصالح أن داعش حظي بدعم الرئيس عبدربه منصور هادي والسعودية . وتؤكد التقارير الدولية أن داعش استغل ضعف السلطة المركزية والفوضي التي خلفها الصراع المتصاعد، وركز علي توسيع نشاطه في جنوب وشرق اليمن بشكل خاص، بل واستولي علي مناطق جديدة في محافظة أبين، إضافة إلي سيطرته علي مناطق أخري في حضرموت وشبوة وعدن . الجدير بالذكر ان محافظة حضرموت تنقسم السيطرة عليها بين تنظيم القاعدة وقوات عسكرية موالية للرئيس هادي، حيت تسيطر القاعدة علي جميع مديريات ساحل حضرموت فيما تسيطر قوات هادي علي مديريات وادي حضرموت . وتمكن مسلحو تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة قبل أيام قليلة من السيطرة علي المجمع الحكومي الخاص، بالإدارة المحلية بمدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، والتي تبعد عن عدن 40 كيلو مترا ، وطردوا حراسة كانت تتمركز بداخله. إمارات في الجنوب وكانت القاعدة فرضت سيطرتها التامة علي محافظة أبين وأعلنتها إمارة تابعة لها ، قبل 4 أعوام، وخاضت حربا دامت عاما كاملا، مع وحدات من الجيش اليمني واللجان الشعبية، قبل أن ينسحب مقاتلوها إلي محافظة حضرموت شرقا. ووفقا لتقارير غربية يسعي تنظيم داعش إلي السيطرة الكاملة علي جنوب وشرق اليمن وهي مناطق غنية بالنفط والغاز، وتكتسب أهميتها الإستراتيجية من إطلالها علي ساحل طويل علي البحر العربي . وكشفت التقارير عن قيام قادة تنظيم القاعدة بإجراء اتصالات لإبرام صفقة بيع النفط لوكلاء محليين أو لسفن في عرض البحر. وأجبرت عناصر التنظيم شركة «بترو مسيلة» الحكومية علي إيقاف ضخ النفط من حقول المسيلة ، حيث تسيطر القاعدة علي ميناء الضبة النفطي في المكلا إلي الغرب من مدينة الشحر الساحلية بحدود 30 كيلومترا منذ مطلع سبتمبر الماضي ، وقامت بنهب المباني والمنشآت، فضلا عن استحواذها علي نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل من النفط الخام كانت في ستة خزانات ضمن منشآت الميناء، الذي يستقبل صادرات لعدة شركات نفطية عالمية تعمل في محافظتي شبوة وحضرموت . وتظهر مشاهد وتسجيلات لتنظيمي القاعدة وداعش وأعوانهما أخيرا هجمات وعمليات اقتحامات لمنازل وإعدامات بالرصاص واعتقالات ، واستعراضات للقوة علي متن عدد من الأطقم تسير في مواكب مسلحة في عدد من شوارع محافظاتعدن وأبين وشبوة، في مشهد مماثل لما يجري بمدن العراق وسوريا. وفي أغسطس الماضي سيطر مسلحو داعش علي مواقع في بعض مديريات عدن مستغلين الفراغ الأمني الحاصل، وتجولوا براياتهم السوداء وعرباتهم في مديريات التواهي والمنصورة. معسكرات وتدريب وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب علي لسان القيادي جلال بلعيدي نهاية يونيو الماضي عن تأسيس معسكر تدريبي بمحافظة حضرموت والبدء بتشكيل « داعش اليمن». ويعتبر بلعيدي أحد ابرز القيادات الميدانية للقاعدة، وانتقل من أبين إلي حضرموت ، وقاد عددا من الهجمات ضد مدن حضرموت ، قبل أن يتحكم تنظيم القاعدة في عاصمة المحافظة اليمنية الأكبر مساحة بسهولة ، ويستولي علي معسكرات ومخازن مليئة بالأسلحة الحديثة والثقيلة. ويؤكد مسئولون يمنيون أن بلعيدي نجح في تأسيس معسكر تدريبي لداعش في منطقة قصر الكثيري بصحراء حضرموت ، حيث توافد العشرات من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلي محافظة حضرموت عن طريق البحر، بينهم فرنسيون وأفغان وصوماليون وسوريون، ومن دول مجاورة أخري ، واستقرت هذه المجاميع في بلدة وادي سر بوادي حضرموت، فيما تمركز آخرون في منطقة حجر الصيعر التابعة لنفس المديرية. وتأكيدا لذلك بث تنظيم داعش تقريرا مصورا عن أحد معسكرات التنظيم قال إنها في ولاية حضرموت يظهر مجموعة من مقاتلي التنظيم في معسكر « أنس النشوان « أثناء تلقيهم تدريبات عسكرية وقتالية علي استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقتال الشوارع . ونتيجة للمخاطر المتزايدة لتنظيم داعش في جنوب اليمن أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قرارا بتشكيل لواء القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في عدن كجزء من التغييرات التي تجريها الحكومة اليمنية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، كما جاء القرار بعد الهجوم الذي استهدف مقر إقامة الحكومة اليمنية . ويتزامن التطور المتسارع لدور داعش في اليمن مع تعقيدات كبيرة يعيشها مشهد المواجهات العسكرية المشتعلة في عدة جبهات بوسط البلاد ، وتعثرات واضحة في ملف التسوية السياسية التي تديرها بشكل غير مباشر الأممالمتحدة عبر ممثلها إلي اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد . وبينما يستعر القتال سجالا في جبهات مأرب وتعز الواقعة في وسط اليمن ويتحدث كل طرف عن انتصاراته نجحت قوات الجيش الوطني والمقاومة المدعومة من التحالف العربي في تحقيق نجاحات في منطقة باب المندب وتطهير الجزء الحيوي في مدخل جزيرة ميون، من تواجد الحوثيين وقوات صالح لتأمين الملاحة الدولية من ناحية ووقف الدعم الإيراني للحوثيين من ناحية البحر وهو ما يفسر توجه قوات التحالف للتركيز علي الساحل الغربي لليمن في الحديدة وتعز وباب المندب لتجفيف الإمدادات المحتملة للحوثيين عبر التهريب من البحر وهو ما أسفر عن ضبط سفينة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلي السواحل اليمنية . وتسعي القيادة اليمنية إلي كسب تعاطف القبائل الكبيرة واستمالتها بالمال والسلاح إلي صفوفها لإزالة العقبات من طريق معركة صنعاء التي طال انتظارها، ويبدو أنها تواجه تحديات جمة . ويؤكد اللواء عبدربه الشدادي قائد المنطقة العسكرية الثالثة إن صرواح تعد بداية الدخول لمحافظة صنعاء واستردادها يعتمد علي دور مشايخ ومقاتلي القبائل الذين أظهروا تعاونا كبيرا ورغبة شديدة في خوض المعركة، ولذا فإن كسب القبائل خلال هذه المرحلة يعد عنصرا مهما . ويري مراقبون عسكريون أن معركة تحرير محافظة الجوف المحاذية لمأرب ، والمجاورة لصعدة، معقل ميليشيات الحوثي، ستكون نوعية ومهمة في سجل انتصار قوات التحالف والتقدم نحو العاصمة .