التعليم: مادة التاريخ الوطني ل«2 ثانوي» غير أساسية    نشر تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية    محافظا الفيوم وبني سويف يشهدان انطلاق المهرجان الثالث للنباتات الطبية والعطرية    إنشاء قاعدة بيانات موحدة تضم الجمعيات الأهلية بالدقهلية    رئيس جامعة المنوفية من الأعلى للجامعات: الأنشطة الطلابية من أهم أُسس المنظومة    السعودية تبدأ تشغيل أول مشروع لتخزين الغاز بتقنية الحقن المعالج    «الأونروا»: الظروف الصحية والمعيشية في قطاع غزة غير إنسانية    ناصر منسي: ليفاندوفسكي مثلي الأعلي أوروبيا.. وعماد متعب محليا    يوتيوب دون تقطيع الآن.. مباراة الأهلي السعودي والوصل Al-Ahli vs Al-Wasl اليوم في دوري أبطال آسيا للنخبة 2024    ضبط تاجر نصب على شخصين واستولى على 620 ألف جنيه بسوهاج    مصرع فتاة بسبب جرعة مخدرات بالتجمع الخامس    النيابة نستمع لأقوال اثنين من الشهود بواقعة سحر مؤمن زكريا    متاحف الثقافة ومسارحها مجانًا الأحد القادم    «كونشيرتو البحر الأحمر» في افتتاح ملتقى «أفلام المحاولة» بقصر السينما    6 أكتوبر.. مؤتمر صحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري    فان دايك: صلاح لديه الالتزام الذي يحتاجه ليفربول    برلمانية: هل سيتم مراعاة الدعم النقدي بما يتماشى مع زيادة أسعار السلع سنويًا والتضخم؟    ننشر التحقيقات مع تشكيل عصابي من 10 أشخاص لسرقة السيارات وتقطيعها بالقاهرة    1 أكتوبر.. فتح باب التقديم للدورة الخامسة من "جائزة الدولة للمبدع الصغير"    100 يوم صحة.. تقديم 95 مليون خدمة طبية مجانية خلال شهرين    قافلة طبية مجانية بمركز سمالوط في محافظة المنيا    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة، لغداء شهي ومفيد    وزير الشباب يستعرض ل مدبولي نتائج البعثة المصرية في أولمبياد باريس 2024    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    ناصر منسي: إمام عاشور صديقي.. وأتمنى اللعب مع أفشة    محافظ الشرقية يُناشد المزارعين باستثمار المخلفات الزراعية.. اعرف التفاصيل    الإدارية العليا: وجوب قطع المرافق في البناء المخالف والتحفظ على الأدوات    سياسيون: الحوار الوطني يعزز وحدة الصف ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية    جامعة بنها: منح دراسية لخريجي مدارس المتفوقين بالبرامج الجديدة لكلية الهندسة بشبرا    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غدا الثلاثاء 1 - 10 -2024    جمارك مطار الغردقة الدولي تضبط محاولة تهريب عدد من الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    إيران تعلن رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا بشكل جدي    كريم رمزي: عمر مرموش قادر على أن يكون الأغلى في تاريخ مصر    سي إن إن: إسرائيل نفذت عمليات برية صغيرة داخل الأراضي اللبنانية مؤخرا    عاجل:- بنيامين نتنياهو يحرض الشعب الإيراني ويهاجم قيادته: "إسرائيل تقف إلى جانبكم"    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    الحكومة الإسرائيلية: إعادة سكان الشمال لمنازلهم تتطلب إبعاد حزب الله عن حدودنا    فلسطين.. العنوان الأبرز فى جوائز هيكل للصحافة    «أوقاف مطروح» تكرم 200 طفل من حفظة القرآن الكريم في مدينة النجيلة (صور)    هيئة الاستشعار من البُعد تبحث سُبل التعاون المُشترك مع هيئة فولبرايت    مجلس النواب يبدأ دور الانعقاد الخامس والأخير و 5 ملفات ضمن الاجندة التشريعية    فصل نهائي لموظفين بشركات الكهرباء بسبب محاضر السرقات المكررة -تفاصيل    تهدد حياتك.. احذر أعراض خطيرة تكشف انسداد القلب    بعد رسالة هيئة الدواء.. خدمة للمرضى لمعرفة "بدائل الأدوية"    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    فؤاد السنيورة: التصعيد العسكرى فى لبنان ليس حلا وإسرائيل فى مأزق    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر، فتح المتاحف والمسارح والسيرك القومي مجانًا    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة سياسية للبورقيبية لكن بدون أيديولوجيا..
هُنا المنستير مهد «الحبيب» الميت الحى
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 10 - 2015

يعد الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى الذى زار القاهرة أخيرا الوجه الأبرز لظاهرة البورقيبية الجديدة. وفى هذا التحقيق محاولة لفهم الظاهرة ومعها عودة السبسى للسياسة بعد طول غيبة.
كل الطرق تؤدى الى المجاهد الأكبر مؤسس الجمهورية التونسية " بورقيبة ". من مقاهى العاصمة تونس حيث يثرثر الناس عن تشبه الرئيس الباجى قايد السبسى "المولود عام 1926 بالرجل فى اسلوب الخطابة و ارتداء النظارات الشمسية و النظر الى أعلى وحركة اليدين الى مدخل مدينة المنستير على بعد ساعتين بالسيارة حيث المطار الذى يحمل اسم " الحبيب بورقيبة".
الطريق السريع الوسيع الذى يربط بين تونس العاصمة و المنستير ( نحو 140 كيلو مترا ) أفضل كثيرا من الطريقين الذين سلكتهما جنوبا الى سيدى بوزيد .لكن ما إن تصل مدينة بورقيبة هذه بعد المرور على "سوسة" إلا ويساورك الشك فيما سمعت من أهل الداخل عن بهاء المنستير ورفاهتها و مدى اعتناء مؤسس الجمهورية بها .فهل تسكن المبالغات حديثهم عن تهميش مناطقهم مقارنة بالساحل ورمزه الأثير "المنستير "؟. فالمدينة هنا تبدو متواضعة الشأن مقارنة بالعاصمة . بل وبصفاقس . ويندر ان ترتفع منازلها ومبانيها عن طابق واحد أو طابقين . وغالبية شوارعها ضيقة. هذا باستثناء مقبرة المجاهد الأكبر و مسجده .وهما ليسا فى مكان واحد كما هو حال مقبرة زعيم التحرر الوطنى فى مصر "جمال عبد الناصر. والمقبرة والمسجد هنا هما الأثران المعماريان الأضخم والأفخم والأعلى فى مدينة تشعرك بأنك تسير تحت سقف منخفض . ولمزيد من الدقة فان السور المحيط بالمدينة القديمة لاشك انه مرتفع أيضا، لكنه لايبلغ ارتفاع وبهاء مقبرة بورقيبة ومسجده بأبراجهما ومآذنهما العالية .
زائر المقبرة عليه ان يمشى على قدميه فى طريق طويل حتى يبلغها. طريق متميز بحق ومعتنى به تحيطه من الجانبين أشجار طويلة تحاول اخفاء مقابر أهل المدينة البيضاء المتواضعة والمنسحقة الى جانب عملقة العمران البورقيبى . لكن الطريق كان شبه خال مع ساعة منتصف اليوم فى تمام الظهيرة . باستثناء بائع قبعات وحيد وزوجين من السائحين الأجانب يحثان السير معى نحو المقبرة ( عندما زرت المدينة فى شهر نوفمبر 2014) .وما ان تبلغ المبنى حتى تستقبلك من الخارج أعمدة رخامية فخمة تحمل قصائد مديح لصاحب المكان بوصفه " سيد الأسياد " و"محرر البلاد". كما يستقبلك باب ملكى مذهب نقشت عليه من أعلى الى أسفل عبارة :" المجاهد الأكبر بانى .. تونس الجديدة .. محرر المرأة ".
وفى الداخل حيث يندر الزائرون أبلغنا مشرفون على رعاية الضريح بأن الكثير يأتون هنا كل عام فى 6 أبريل ذكرى وفاة بورقيبة (عام 2000). وسألناهم عن الرئيسين السابقين "زين العابدين بن على " و " المنصف المرزوقى " فأجابوا بأن الرجلين لم يتخلفا طوال عهدهما فى قصر الرئاسة بقرطاج عن المجىء فى هذا اليوم لقراءة الفاتحة والترحم على "المجاهد الأكبر" . علما بان الأول أطاح ببورقيبة من الحكم بانقلاب طبى أبيض فى 7 نوفمبر 1987. لكن من وقتها وحتى قيام ثورة 14 يناير 2011 لم يكن مسموحا بإعادة بث خطب بورقيبة فى إذاعة المنستير أو غيرها من إذاعات وتلفزات تونس، كما أخبرنى الإعلامى بإذاعة المدينة " محمد بشير شكيكو". بل ان صور مؤسس الدولة ظلت مطاردة فى مدينته . وأبلغنى غير صاحب محل بأنهم اضطروا الى ازالتها فى زمن "بن على" بناء على نصائح من الأمن . وإن كان بعضهم الأكثر وفاء وعنادا قد عمدوا الى وضع صور أصغر مساحة فى زوايا منزوية بالداخل .
وعلى الأرجح فإنه فى حالة " المرزوقي" تغلب على الزيارة السنوية للضريح ضرورات البروتوكول الرئاسى .لكن بالنسبة ل "بن على " فإن المناسبة كانت تختلط بلاشك بتسويق صورة الرئيس والإبن الوفى وبمديح إعلام عبادة الفرد لخصال "الرئيس منقذ البلاد" من " خرف بورقيبة"ولسجاياه وأخلاقه الحميدة . وحتى كتاب " محمد الحبيب براهم "والى المنستير فى سنوات الإقامة الجبرية المفروضة على بورقيبة لا يخلو من صور ضوئية لبرقيات كان يبعث بها الرئيس بن على الى المجاهد الأكبر فى عيد ميلاده (ولد عام 1900 وعاش مائة عام بالتمام والكمال) . وقد أضاف الرئيس المخلوع بخط يده كلمة "ابنكم" قبل توقيعه . على أن الكتاب الحافل بالصور الملونة والعديد منها من داخل مقر الإقامة الجبرية بالمنستير لا يحتوى على صورة واحدة تجمع بورقيبة وبن على . وعلما بان "براهم " لم يتمكن من اصدار كتابه هذا إلا بعد ثورة 2011.
زيارات المرزوقى لضريح بورقيبة لا تمنع الرجل وهو حقوقى ومعارض سابق من نقد حكم المجاهد الأكبر .ولقد حضرت فى 2 نوفمبر 2014 انطلاق حملته الانتخابية الرئاسية فى دار سينما " الكوليزي" بشارع الحبيب بورقيبة أكبر وأشهر شوارع العاصمة .واستمعت من مناصريه ومعظمهم شباب الى هتاف طالما تردد قديما على السنة معارضى بورقيبة نفسه وحزبه فى زمانه وأوانه " يسقط حزب الدستور .. يسقط جلاد الشعب ". ولم ينطق المرزوقى فى كلمته الانتخابية التى استمرت لنحو نصف الساعة باسم المجاهد الأكبر ولو لمرة واحدة . تماما مثلما كان الحال مع رئيس حزب النهضة الإسلامى الحداثى "راشد الغنوشي" فى كلمته الطويلة مع نهاية حملة حزبه للانتخابات التشريعية مساء يوم الجمعة 24 أكتوبر 2014 . لكن المرزوقى أفاض فى الحديث عن أكثر من خمسين عاما من الاستبداد والسجون والتعذيب والنرجسية والشخصانية والإعلام الفاسد.وأيضا السياسات الجهوية التى همشت مناطق بأسرها فى تونس . كما ركز على اهدار فرصة الديمقراطية وضياعها على تونس بعد الاستقلال مرتين فى 1956 و1981 .أى فى عهد حكم بورقيبة المديد الذى استمر نحو ثلاثين عاما . وهذه الاشارات سمعتها صراحة من العديد من المثقفين التونسيين حتى المعارضين لحكم "التوريكا" والرئيس المرزوقى . وطالما استدعوا فى حوراتهم معى مثال الرئيس السنغالى الديموقراطى "سنجور" بوصفه احد قادة التحرر الوطنى فى إفريقيا الذين لم يهدروا على شعوبهم ودولهم فرص التحول الى الديمقراطية بعد الاستقلال .
جرحاه يمنحونه الغفران
لكن ثلاثة من جرحى بورقيبة التقيتهم فى العاصمة منحوه الغفران عن سنوات الاعتقال والسجن والتعذيب . الدكتور " محمد الحماص" الباحث فى التاريخ المعاصر نجا من الموت بعدما أصيب برصاصة فى الصدر من شرطة بورقيبة عندما قمعت مظاهرة سلمية بمدينة القيروان عام 1964 قال :" هو رجل أسس دولة ومجتمعا حديثا وأهتم بالتعليم والمرأة والصحة..وأحبه رغم انه كاد يقتلنى ". وأضاف :" بعد الثورة ذهبت الى الإذاعة الثقافية وتحدثت عن ذكرياتى مع مظاهرة القيروان .. لكن بعد حكم الإخوانجية (فى اشارة للترويكا بقيادة النهضة) راجعت نفسى وندمت . بل وصوت لنداء تونس فى الانتخابات التشريعية (اكتوبر 2014) رغم اننى من مناصرى الجبهة الشعبية اليسارية.وهذا هوالتصويت النافع ،و لأن النهضة سعت الى ان تذهب بتونس الى الخلف الى ماقبل الحداثة وفتحت الباب للإرهابيين وتعاملت مع السلطة كغنيمة ".
أما "عز الدين الحازجي" أحد مؤسسى مجموعة " آفاق " اليسارية فى السبعينيات والذى سجن بين عامى 73 و 1979 فقال :" بورقيبة إجتهد فاصاب وأخطأ ". وفسر احياء البورقيبية بأن " المواطن العادى لديه حنين الى الأب .وهى ظاهرة لا تنمو إلا فى فترات الفراغ الفكرى والسياسى ". وعلى عكس "الحماص " فإن " الحازجي" لا يرى للبورقيبية مستقبلا فى تونس .وقال :" هى مجرد ظاهرة شعاراتية . وليس لدى حزب نداء تونس أو غيره من البورقيبيات العائدة ماتقدمه لتونس القرن الحادى والعشرين ، لا على مستوى الفكر أو البرنامج السياسى ، تماما كالإسلاميين .كل ما لديهم هو خطاب أجوف .وهم فى نظرتهم الاقتصادية شديدو الارتباط والتبعية مع الغرب ". وعند " الحازجي" تفسير نفسى طريف لما جرى ويجرى فى تونس . قال :" بورقيبة بالأصل عنده عقدة الأم .وكلما كان يذكرها فى خطاباته بكى . وهاهو السبسى يبكى الآن عندما يذكر بورقيبة فى خطاباته ".
فى مكتبة " الكتاب " أهم وأشهر مكتبة لبيع الكتب العامة فى تونس أبلغنا المدير بالمكتبة "كمال حمايدي" بأن نحو عشرة عناوين كتب تحمل اسم بورقيبة صدرت فى تونس بالعربية والفرنسية منذ ثورة يناير 2011 وحتى انتخابات نهاية عام 2014 .وأكد أن الكتب التى تتناول " المجاهد الأكبر " زاد توزيعها عن عهد بن على ، وحيث كان هناك نوع من التضييق على نشر وبيع مثل هذه الكتب . لكن ثمة نص أدبى منشور بعنوان " أحباب الله " قادنا الى مؤلفه الروائى " كمال الشارنى"
والنص يعالج تجربة المؤلف فى سجون بورقيبة عندما أمضى نحو ثلاث سنوات وهو ما زال صبيا . وقال لنا ثالث جرحى بورقيبة ممن التقيتهم :" شخصيا أغفر له ما حدث معى من سجن ظالم وتعذيب فظيع .هذا لأن انجازاته العامة كمحرر للمرأة ( أمى وأختي) وفى التعليم لا يمكن نكرانها .كما أغفر له لأنه عندما مات لم يجدوا فى حسابه البنكى مليما ". ومع ذلك فإن " الشارنى " لا يجد مستقبلا لبورقيبية جديدة . وقال :" ليست هناك نظرية أو أيديولوجية بورقيبية .. فالرجل لم يترك لنا كتابا . بل مجموعة خطابات . وبالأصل تقلبت سياساته بين الاشتراكية والرأسمالية . ولا أرى فى (النداء) وغيره من الأحزاب التى ظهرت بعد الثورة رافعة صور بورقيبية إلا مجرد توظيف سياسى لن يستمر طويلا ". وباختصار وصف الأمر بأنه "أشبه بقميص عثمان".
بين النهضة والنداء
قبل أن أذهب الى المنستير بأيام معدودة كان " السبسى " قد أطلق حملته لانتخابات الرئاسة من أمام مقبرة بورقيبة . وأبلغنى "محمود بن رمضان " القيادى وعضو المكتب التنفذيذى بحزبه نداء تونس بأن حضور هذا المؤتمر نحو 25 ألفا (عدد سكان مدينة المنستير نحو 125 ألف نسمة ). وقال ان "النداء" بما يحمله من إرث بورقيبى تمكن من هزيمة النهضة أيديولوجيا قبل ان يهزمها فى الانتخابات التشريعية .وبالنسبة له وهو من أبرز وجوه الحركة الحقوقية فى بلاده سابقا فإن البورقيبية تعنى " الوطنية التونسية ". وأوضح :" الغنوشى وقادة النهضة كانوا لا يترحمون على بورقيبة وطالما هاجموه . بل انهم عندما حكموا أهملوا الاحتفال بالمناسبات والأعياد الوطنية . والآن هم يتحدثون بايجابية عن المجاهد الأكبر ،وأضطر الغنوشى أخيرا الى الترحم عليه . لقد ربحنا المعركة الأيديولوجية وهزمناهم بالمعنى الجرامشى ".
لكن فى رأى القيادى بالنهضة " خالد البارودى " فإن كل ما حدث لحركته هو نوع من " وضوح الرؤية " ليس إلا . وقال : لا أحد يشكك فى ان بورقيبة رجل إصلاح . لكن تظل هناك نقطتان تحددان خلافنا معه ومع انصاره : الأولى هى غياب الديموقراطية وخصوصا عندما أعلن نفسه حاكما مدى الحياة .والثانية هى مشكلة الهوية العربية الإسلامية .وهو بالقطع كان فرانكفونيا مائة فى المائة . بل اعتدى على المقدسات عندما أجبر الناس هنا على الإفطار فى نهار رمضان ". وأوضح :" نحاول إزالة اللبس عند الناس بأننا نكرهه ونعاديه بشكل مطلق .للرجل ايجابيات وسلبيات .لكن لا عودة للبورقيبية لأن مايجرى الآن على الساحة السياسية هى ان التجمعيين (حزب بن على) لم يعد بامكانهم احياء ( التجمع) فسعوا الى اخفائه خلف صورة بورقيبة وحزبه (الدستور)".وأضاف :" والناس تعرف فى النهاية ان الذى فاز فى انتخابات برلمان 2014 هم التجمعيون ليس إلا".
وقبل نحو العامين لفت نظرى فى مدخل المقر الرئيسى لحزب النهضة بمنطقة "مونبليزير" بالعاصمة كتاب معروض للبيع عنوانه :" نهاية البورقيبية :قراءة فى الثورة التونسية " لمؤلفه نور الدين عرباوي. وقد جاء فيه :"إن تجاوز البورقيبية هو فى رأينا الهدف الحقيقى للثورة الذى ينبغى ان تحققه وهو أبلغ تعبير عن نجاحها .ليس فقط لأن البورقيبية نموذج فاشل فى التنمية وإنما لأنها أيضا نموذج فاشل فى التحديث . إذ عممت ثقافة الاغتراب والقهر و أنتجت دولة تبدو عصرية لكنها عاجزة عن تحقيق التقدم واستنبتت ثقافة لائكية ( علمانية ) متطرفة تتبناها النخب لكنها منبوذة اجتماعيا". وعندما عدت الى زيارة مقر النهضة مع انتخابات 2014 أجد هذا الكتاب معروضا .
شباب يطبع
"توجيهات السيد الرئيس"
لكن الى أى حد تجتذب البورقيبية العائدة الشباب ؟
للإجابة على السؤال عدنا الىكل إجابة على مقدمة الطبعة التونسية من كتاب الصحفى الشهير " الصافى سعيد " المعنون ب"بورقيبة سيرة شبه محرمة "و الذى ظل ممنوعا من التداول فى تونس منذ نشره خارجها عام 2000 الى مابعد ثورة 2011. قال سعيد :"إن الجيل الجديد الذى ولد فى سنوات الثمانينيات والذى كان يسمى بجيل بن على يمثل اكثر من 40 فى المائة من الشعب التونسى .. وهؤلاء لم يعرفوا بورقيبة ولم يعيشوا زمنه كما انهم لم يتربوا على اقواله وتوجيهاته ولم يكابدوا قهره .وبالتالى فهم لايعرفون حتى التاريخ الأقرب لبلادهم . وتكمن المفارقة المذهلة فى ان هؤلاء الأربعين فى المائة أى نصف الشعب الذى لم يعرف بورقيبة والذى حكم برجال بورقيبة و بأفكار بورقيبة وأساليب بورقيبة هم أولئك الذين اشعلوا الثورة ".
وفى مقهى بالمنستير على مقربة من منزل أسرة بورقيبة بساحة " الطرابلسية " التقينا "محمد بريك الحمرونى " ( 33 عاما ) مؤسس ورئيس جمعية الفكر البورقيبى .وروى قصة تأسيس الجمعية بداية بتسعة من شباب المدينة . فأوضح ان البداية كانت على " الفيس بوك " بعد أقل من أسبوعين من فرار بن على من البلاد ( أى فى 5 فبرير 2011). وقال :" قبل الثورة لم يكن ممكنا لأن الكلام فى السياسة كان ممنوعا ". وأبلغنا ان اعادة احياء ذكرى بورقيبة وجدت تفاعلا كبيرا على شبكة الانترنت بين الشباب .لكن غالبية من انضموا الى الجمعية بعد اشهارها فى 31 مايو 2011 كانوا من النساء .ثم لحقت بهم اعداد كبيرة من الشباب بعد تأسيس حزب "النداء " فى عام 2012.
وقبل أن أغادر المنستير أمدنى "الحمرونى " بكتاب طبعته جمعيته بعنوان " توجيهات السيد الرئيس الحبيب بورقيبة"وعليه صورة للمجاهد الأكبر فى شبابه بطربوش تركى . ولقد حاول اقناعى بأن " البورقيبية" فكر خليط من ايديولوجيات عديدة كالإسلام والليبرالية والاشتراكية ولكنه "نابع من شخصية تونس والحضارات التى تعاقبت عليها ". وعندما تصفحت الكتاب لم أجد إلا مقتطفات من أحاديث فى موضوعات شتى كان "بورقيبة " يوجهها عبر الإذاعة قبل نشرة الأخبار الرئيسية فى الثامنة مساء . وهذه المقتطفات بالغة البساطة وربما العفوية .ولقد سألت مثقفين من مختلف المشارب والاتجاهات فى المنستير والعاصمة عن مفكرين حاولوا تنظير أو تجديد تراث "بورقيبة" .لكن أحدا لم يدلنى على اسم واحد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.