باتت قضية اللجوء والهجرة مسألة شائكة ليس فقط بالنسبة للحكومة اليونانية بل وأيضا بالنسبة للشعب اليونانى الذى أصبح يعانى كثيرا من هذه القضية خصوصا فى الجزر القريبة من تركيا ووسط العاصمة أثينا فى ميادين فيكتوريا وأمونيا وأخرنون، حيث أصبحت هذه الأماكن مقرا دائما للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وتحولت إلى قنابل موقوتة صحيا، بسبب عدم وجود حمامات أو مياه لخدمة هؤلاء اللاجئين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. نساء وأطفال ورجال من مختلف الأعمار، حولوا ميدان فيكتوريا وسط العاصمة أثينا إلى مخيم دائم لإقامتهم، وبمرور الأيام، لا يستطيع المارة الاقتراب من هذا الميدان، حيث الرائحة الكريهة كما بدأت الأمراض المعدية تظهر على السطح وفقا للصليب الأحمر، وخصوصا لإطالة الإقامة فى هذا المكان من دون توفير الرعاية الصحية العامة، وزيادة عدد اللاجئين واحتلالهم الشوارع المحيطة للميدان، وبالرغم من محاولة السلطات اليونانية نقلهم إلى أماكن ومراكز للاجئين فإنهم يأبون المغادرة ويريدون البقاء فى وسط العاصمة. ولذلك فقد باتت ضواحى العاصمة أثينا، مركزا لوصول ومغادرة المهاجرين واللاجئين وخصوصا السوريين، حيث يشد انتباه المارة هنا فى أثينا، أفواج اللاجئين السوريين، والذين عندما يصلون إلى ميناء بيريوس غرب العاصمة عبر السفن التى خصصتها السلطات اليونانية لنقلهم من الجزر، على الفور يذهب هؤلاء الضحايا الفارون من الحروب والنزاعات إلى وسط العاصمة، للبحث عن وسيلة مواصلات أخرى تنقلهم إلى شمال اليونان على الحدود مع سكوبيا (مقدونيا) لبدء رحلة معاناة أخرى تجاه الوصول إلى بقية الدول الأوروبية الغنية. وأمام المقاهى العربية فى أثينا وبالتحديد فى حى أخرنون، تشاهد الباصات التى تعمل ليل نهر لنقل اللاجئين السوريين من وسط أثينا إلى الحدود اليونانية شمالا، وخلال الساعات أو الأيام القليلة التى يظل فيها اللاجئون فى أثينا للعثور على طريقة للذهاب إلى الحدود، يسرد هؤلاء اللاجئون قصصهم المأساوية والمعاناة التى لاقوها خلال الفترة الماضية سواء فى بلدانهم والصراع والحروب والخلافات، وأيضا خلال رحلتهم الشاقة من سوريا حتى الوصول إلى بر اليونان عبر الجزر والمخاطرة فى البحر للعبور من تركيا إلى شواطئ الجزر اليونانية. وأصبح خبر سماع غرق مراكب للمهاجرين واللاجئين وموت الأطفال خبرا عاديا فى القنوات التليفزيونية اليونانية، وكان آخرها إعلان قوات حرس الحدود اليونانية أنها انتشلت المئات من الأشخاص من البحر بالقرب من جزر شرقى بحر إيجه عندما كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان بطريقة غير شرعية عبر ساحل تركيا المجاورة. كما أن المسافر جوا إلى جزيرة ليسبوس غرب اليونان أو جزيرة كوس جنوب شرق اليونان، ربما يشاهد بسهولة القوارب المطاطية والبلاستيكية التى تصل إلى هذه الجزر قادمة من الحدود التركية وعليها اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين، وتستغرق الرحلة بين بيدروم التركية والجزر اليونانية القريبة ما بين ساعة و ساعتين تقريبا حسب الأمواج وشدة الرياح وأيضا نوع القارب أو اليخت، ولكن عادة فى فصل الصيف تصبح هذه الرحلات آمنة بعض الشيء مقارنة بفصل الشتاء، ولذلك يسارع العديد من اللاجئين فى الوصول الى اليونان قبل دخول فصل الشتاء والبرد القارس. ومعظم رحلات التهريب من تركيا إلى اليونان تنطلق بعد غروب الشمس وإن كانت النسبة الكبيرة تنطلق نحو الثانية عشرة مساء أو الواحدة بعد منتصف الليل، حتى لا تكون هناك دوريات لحرس الحدود البحرية.وقد تطور تفكير المهربين خلال الفترة الأخيرة، وبدلا من أن يقودوا القارب بأنفسهم ويتم إلقاء القبض عليهم من الجانب اليوناني، أصبحوا يعلمون أحد الضحايا كيفية قيادة القارب والاتجاه فى خط مستقيم إلى الجزيرة اليونانية والتى تظهر أضواؤها من جانب بداية الرحلة، وغالبا ما تكون هذه القوارب بطول ثمانية أمتار وتسع لأربعين شخصا ولكن يتم تحميلها بستين شخصا على الأقل. وعند وصول اللاجئين إلى الجزر اليونانية، عادة يتوجهون إلى وسط المدينة وبالقرب من مراكز الشرطة أو الميناء الرئيسي، وتشاهد هؤلاء اللاجئين وقد افترشوا الأرض والطرق والميادين العامة وبعض المبانى الحكومية، وهم فى حالة سيئة جدا. وفى لقاء ل «الأهرام» مع رئيس قسم شرطة جزيرة كوس، قال إن السلطات تبذل كل ما فى وسعها لنقل هؤلاء اللاجئين من جزيرة كوس إلى العاصمة أثينا ومن ثم التوجه إلى هدفهم الذى يسعون اليه فى الاتحاد الأوروبي، موضحا أن الشرطة تقوم بدورها فى معرفة الجنسية الحقيقيه للاجئ الذى يقول إنه فقد جواز سفره أو انه لا يمتلك هوية شخصية، مشيرا إلى أن العديد من الجنسيات الأخرى يصرحون بأنهم من سوريا حتى يحصلون على مستندات قانونية للجوء ولكن السلطات تعرضهم على مترجمين وأشخاص مختلفة من سوريا لمعرفة حقيقة جنسيتهم قبل منحهم وثائق يونانية. وحول إصدار وثائق يونانية للاجئين والمهاجرين تخول لهم السفر للدول الأخري، فقال رئيس قسم الشرطة أن بإصدار الوثيقة وأخذ بصمات الشخص وتصويره، يتيح لأى سلطات أوروبية معرفة هوية هذا الشخص، والشرطة تصدر هذه الوثائق لمدة ثلاثة أشهر للوجود القانونى على أرض اليونان، ولا تتدخل فى تحديد رغبة أو مقصد اللاجئ أو المهاجر إلى أين يتوجه. ويقول حسن كنفانى (23 سنة) ل «الأهرام» أنا من حماة فى سوريا، جئت إلى هنا عن طريق البحر من تركيا، دفعت 1300 دولار على مركب بلاستيك طوله مترين وكنا 7 أشخاص، وأنقذنا خفر السواحل اليونانية بعد أن قطعنا ثلاث ساعات فى البحر والمياه دخلت علينا القارب، ولى فى جزيرة كوس يومين وأنتظر السفر إلى العاصمة أثينا ومن هناك سوف أتوجه إلى النرويج حيث لى صديق هناك. أما سعيد ويبلغ من العمر 28 سنة، فقال أيضا ل «الأهرام» «أنا من منطقة عفرين غرب حلب فى سوريا، وتسببت الرحلة التى بدأتها من عام تقريبا منذ الخروج من حلب وحتى الآن، تسببت لى فى مرض صحى مستديم ويزداد بمرور الوقت، حيث أصبحت ارتجف لا إراديا وأشعر بألم شديد في قدمى الاثنين، وبعد كل هذا العناء قررت إن لم أتمكن من البقاء للعلاج هنا، فأنا لا أستطيع تكملة السفر، وأفضل العودة مرة أخرى إلى سوريا لأموت وأدفن هناك». أما حمود (24 سنة) من الحسكة، فقال: « خرجت من سوريا منذ شهر تقريبا بالتهريب إلى تركيا، بسب داعش وبسبب أنى مطلوب لحزب العمال الكردستانى حيث أنى مطلوب للتجنيد، فأنا أواجه النظام وحزب العمال وداعش، وتوجهت إلى أزمير فى تركيا ومنها إلى بيدروم، وتعرضت لعملية نصب أنا والمجموعة التى كانت ترافقنا وكان معنا أطفال، حيث خرج علينا من الغابة بين أزمير وبيدروم مسلحون أفغان وعراقيون سلبوا بعض أموالنا بالإكراه». وتجدر الإشارة إلى أن هناك معضلة كبيرة تواجهها السلطات اليونانية فى هذه القضية، وهى عملية وصول أطفال وقصر من دون ذويهم أو والديهم، ووفقا للقانون اليونانى يتم اتباع طرق قانونية صعبة وتستغرق وقتا طويلا، ولكن السلطات تحاول السيطرة عليها بكل الطرق حتى لا تزيد من مأساة ومعاناة هؤلاء الأطفال، سواء بالتعرف عليهم من أشخاص موثوق فيهم يحملون جوازات سفر أصلية، أو بالتحقيق المكثف مع من يعولهم أو من جاءوا معه إلى الجزر اليونانية. وأصبحت اليونان حاليا بصفة عامة وبعض الجزر بصفة خاصة منها جزر كوس وميتيلينى وسامو وكاليمنوس، وجهة رئيسية للمهاجرين واللاجئين الفارين من أعمال العنف فى دول العالم المختلفة وخصوصا سوريا، لتصبح محطة للوصول ثم المغادرة إلى بقية دول الاتحاد الأوروبى الغنية والتى توافق على طلبات اللجوء وتقدم لهم مساعدات. ولا يخفى على أحد أن العديد من اللاجئين اصطدموا بحقيقة أزمة اليونان على أرض الواقع، لأن السلطات اليونانية ليس لديها ما تقدمه للاجئين، فى الوقت الذى تعانى فيه من أزمة مالية حادة، بينما يستمر سكان الجزر فى الشكاوى من الوضع المأسوى لهؤلاء المهاجرين وتأثيرهم السلبى علي الموسم السياحى . من جانبها، طلبت الحكومة اليونانية مزيدا من الدعم من الاتحاد الأوروبى من أجل إدارة أفضل لزيادة تدفقات الهجرة غير الشرعية واللاجئين إليها.