تحركات المعارضة الروسية ضد سياسات الكرملين لا ترقي بعد للمستوي الذي يمكن أن يهز أركان السلطة, وإن تشير الأوضاع الراهنة إلي أن الأبواب تظل مشرعة علي كافة الاحتمالات. ورغم تعجل مجلس الدوما اقرار ما طرحه الرئيس ميدفيديف من إصلاحات سياسية في محاولة من جانبه لاحتواء غضب الشارع الروسي, فقد عادت المعارضة لتعلن عن عزمها علي الخروج في مظاهرات مليونية عشية تنصيب فلاديمير بوتين في الكرملين رئيسا للدولة في السابع من مايو المقبل. يتوقف المراقبون في موسكو عند عبثية اصلاحات الدوما التي اجازت تخفيض سقف عضوية الاحزاب السياسية حتي خمسمائة عضو بما يسمح بظهور اكبر عدد من الاحزاب والتنظيمات السياسية, في الوقت الذي تحظر فيه تشكيل التحالفات الانتخابية ما يثير دهشة واعتراض الكثيرين من رموز المعارضة ممن يحذرون من احتمالات ظهور المئات منها وبما يسفر عمليا عن تحول الأمر إلي فوضي سياسية. وفيما تعاود قوي المعارضة محاولاتها الرامية الي استثارة الشارع الروسي بتكرار الخروج في مظاهراتها التي لم ترق بعد إلي الحد الذي يمكن أن يهز أركان السلطة رغم وصولها حتي الميدان الأحمر في نهاية الأسبوع الماضي, يعكف خبراء الشئون السياسية والاستراتيجية علي دراسة الاوضاع الراهنة, ومنهم ميخائيل دميتريف رئيس مركز المعالجات الاستراتيجية, الذي قال باحتمالات نشوب الكثير من المتاعب التي يمكن ان تواجهها السلطة خلال الأشهر القليلة المقبلة. واشار دميتريف إلي احتمالات الانزلاق إلي ارتباك سياسي قد تزيد من تفاقمه موجة من الأزمات الاقتصادية لن تكون اقل حدة مما شهدته روسيا في الفترة2008 .2009 وقال أيضا ان هذه الفترة سوف تشهد تصاعد حركة الاحتجاجات التي من الممكن ان تبلغ ذروتها بعد ثلاث سنوات وبما قد يضطر الرئيس معه الي اجراء انتخابات برلمانية مبكرة وهو ما يهدد ايضا بانخفاض شعبيته إلي ما دون10% مع نهاية عام2017. ورغم ان هذه التوقعات تبدو وكأنها نتاج ما يمكن ان نسميه التحليل بالتمني, فان ما سبق وطرحه مركز المعالجات الاستراتيجية من توقعات اودعها تقريره الصادر بالتعاون مع الأكاديمية الروسية للاقتصاد القومي حول اخطار الأزمة السياسية في خريف العام الماضي, كان قراءة مبكرة صحيحة لما شهدته روسيا في اعقاب الانتخابات البرلمانية من تصاعد لموجات الاحتجاج في موسكو وكبريات المدن الروسية اكدت تراجع شعبية النظام الحاكم. ومن اللافت أن عددا من مؤلفي هذا التقرير كانوا من بين اعضاء الفريق الذي وضع برنامج الرئيس بوتين خلال سنوات ولايته الاولي. ونقلت وكالة ريا نوفوستي عن دميتريف بعض توقعاته التي يتنبأ فيها بمجموعة الاخطار التي تهدد نظام حكم بوتين خلال السنوات الست المقبلة ومنها ما قد تسفر عنه الاصلاحات السياسية المرتقبة من حالة عدم استقرار لابد ان تؤثر علي مناخ الاستثمارات. وكانت المصادر الرسمية كشفت عن هروب رؤوس الاموال والتي بلغ حجمها في العام الماضي ما يقرب من84 مليار دولار فيما تشير الارقام الي تزايد النسبة لتبلغ في شهر فبراير الماضي وحده ما يقرب من14 مليار دولار. ومن هذا المنظور يتوقع المراقبون اجراء العديد من التغييرات الجذرية في الجهاز الاداري للدولة يخدم ما يطرحه بوتين من اهداف في غضون الولاية المقبلة قد تسحب البساط من تحت اقدام المعارضة التي تجد في الخارج من يدعم مواقفها ماليا ومعنويا. وكان بوتين كشف علي سبيل الدعابة عن عزمه احكام ربط صواميل المجتمع في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة نيويورك تايمز عن ان الإدارة الأمريكية طلبت من الكونجرس توفير خمسين مليون دولار لدعم الديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني في الداخل الروسي.وذلك ما انقسمت اراء المعارضة الروسية في الداخل تجاهه.فبينما اعرب سيرجي ميتروخين رئيس حزب يابلوكو اليميني عن مخاوفه من احتمالات اساءة تفسير الدعم الأمريكي واعتباره نشاطا تخريبيا قد يضر اكثر مما يخدم المجتمع المدني والمعارضة في روسيا, اعلنت لودميلا الكسييفا رئيسة مجموعة هلسنكي لحقوق الإنسان انهم يضطرون إلي قبول الاموال الاجنبية لتمويل نشاطهم نظرا لان الحكومة الروسية لاتري ضرورة لانفاق المال من أجل دعم نشاط منظمات حقوق الانسان غير الحكومية. ورغم تأكيد ان اتهامات التمويل الاجنبي تظل دائما الحق الذي طالما يريدون به الباطل, فإن الأوضاع الراهنة للمعارضة تظل في حاجة الي تصحيح المسار بما في ذلك إعادة بناء صفوفها والبحث عن زعماء جدد من اجل تجاوز ما تعيشه من ضعف وتشرذم وعدم وجود حقيقي في الشارع الروسي الذي كان اكد خياره لبوتين رئيسا للدولة لثلاث ولايات وبغض النظر عما يقال حول بعض وقائع التزوير التي نجزم بأنها لم تكن لتؤثر علي النتيجة العامة للانتخابات!. علي ان ذلك لا ينفي ادراك بوتين لضرورة التغيير الذي تقول الشواهد بأنه سوف يطال الكثيرين من أعضاء فريقه وعلي رأسهم دميتري ميدفيديف الذي كان بوتين وعده بمنصب رئيس الحكومة بعد تنصيبه رئيسا للدولة في السابع من مايو المقبل, والذي يتوقعون التضحية به من اجل امتصاص غضب الشارع الروسي الذي طالما اعرب عن امتعاضه وادانته لمشروع التوريث واتساع دائرة المستفيدين الجدد من استمرار بوتين علي رأس الدولة.