من يقرأ التاريخ يعرف قدر الحركات الطلابية ونشاطهم السياسى بدءا من عام 1935 م حين انتفض أكثر من 2000 طالب ضد تعطيل المحتل البريطانى دستور 1923 والتى انتهت بالنزول على رغبة الطلبة وقتها ، مرورا بانتفاضة الطلبة فى 1946 ضد معاهدة 1936 مع الإنجليز والتى أدت بالنهاية الى عزل النقراشى باشا رئيس الوزراء آنذاك وبدأ إضراب عام بالتوافق مع العمال حتى اضطرت القوات البريطانية الى الانسحاب من القاهرة والدلتا وتمركزها فى قاعدة عسكرية بمنطقة قناة السويس ،وظلت الحركة الطلابية الى أن بدأ عهد الرئيس عبدالناصر والذى شهد اختلافا على الرؤية فى بعض الامور التعليمية فتم إيقاف جميع انشطة الحركات الطلابية ولم تعد إلا فى الستينيات بعد هزيمة 67 ، حيث اندلعت انتفاضة طلابية جديدة ، ومرة أخرى انتفض الطلبة فى عام 1968 بسبب إعلان قانون جديد للتعليم لم يوافق عليه الطلبة ، ثم اشتد النشاط السياسى للطلاب فى عصر السادات بسبب تأجيل الحرب على إسرائيل لعامين ، وبعد نصر أكتوبر لم يعد النشاط الطلابى كسابقه ، برغم أن الجامعات شهدت حراكا سياسيا تضامنا مع قضايا عربية أخرى .. ولكن أين ذهب هذا النشاط السياسى والحراك الطلابى داخل الجامعة ؟ ، وهل كان قرار حظر النشاط السياسى داخل الجامعة هو المنوط به تراجع ذلك الحراك ؟، وهل تستطيع إدارة الجامعات إيقاف ذلك النشاط إذ ما نشأ ؟ ..وماهى إرهاصات الحراك السياسى داخل الجامعة هذا العام ؟ هذه الأسئلة يجيب عنها د.مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة محللا رؤيته للنشاط السياسى داخل الجامعة قائلا: بالرغم من تصريحات وزيرى التعليم والتعليم العالى هذا العام عن حظر ممارسة النشاط السياسى داخل الجامعات إلا أن القرار ليس جديدا، فهذا القرار صدر بالأساس منذ يونيو 2013 وبالتالى فليس هناك جديد. أما على صعيد الأحزاب السياسية ، فيؤكد السيد أن أغلب الأحزاب التى ستخوض الانتخابات القادمة هى أحزاب جديدة، ليس لها تواجد داخل الجامعة. وبالنسبة للطلبة ، يرى د. مصطفى إن طلاب الجامعة ليس لديهم ميول للمشاركة وغالبا سيعزفون عن المشاركة السياسية ، ولذلك فالأحزاب السياسية ستتجه الى الشارع لضمان جذب عدد أكبر ولن تنفق مجهودها داخل الجامعة ، أما بالنسبة للجماعات المحظورة ، فهذه الجماعات فى الأغلب ستحاول العمل دون استثارة قيادات الجامعة أو كشف أنفسهم تجنبا لتدخل الشرطة. مضيفا أن النشاط السياسى فى الجامعة يمكن وصفه فى نهاية العام الماضى بالهادئ ، لكن ينبغى الإشارة الى أنه إذا ظهر نشاط سياسى للطلبة فسيمارس رغم أنف الجامعة ، فالحراك الطلابى لايمكن إيقافه إذ ما نشأ ، لكن النشاط السياسى الحقيقى فى الجامعة الآن هادئ. دعاية فى الحرم وفى الوقت نفسه يرى د.احمد يحيى عبد الحميد استاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة السويس أن التثقيف السياسى فى الجامعة ضرورى لتشكيل وعى الطلاب تجاه مشاكلهم السياسية التى يعانون تبعاتها مستقبلا ،ولكن دون أن تدخل الحزبية الى حرم الجامعة ،مضيفا أنه من الطبيعى ممارسة الثقافة الحزبية ،لكن لايجب التحزب داخل الجامعة ،بحيث لا يمارس نشاط الحزب داخل الجامعة ،حتى لا تكون هناك حزبية ولا تفرقة تؤدى بالنهاية إلى تفتيت الجامعة ،مع التأكيد على حق ممارسة الفكر الحزبى، فكيف يمكن قبول دعاية انتخابية داخل حرم الجامعة؟ مشيرا الى أن بعض القيادات الحزبية القديمة تحاول استخدام هذا التوجه للضغط على أعضاء الجامعة وطلابها مستخدمة نفوذها فى الضغط على زملائهم أو الطلاب لخدمة توجهاتها السياسية. وعن الحدود المسموح بها فى ممارسة النشاط الطلابى داخل الجامعة ،فقد أكد عبد الحميد أنها هى ماتنص عليها اللائحة الطلابية من تشكيل اللجان الرياضية والفنية والاجتماعية والثقافية والعلمية والجوالة والأسر الطلابية ،علاوة على التثقيف السياسى من خلال الندوات والمؤتمرات التى تنظمها اتحادات الطلاب وعمداء ورؤساء الجامعات ،ومايعرف بالموسم الثقافى الذى تقيمه الجامعات وتدعو شخصيات ثقافية عامة للتحاور مع الطلبة ،بالإضافة الى دور معهد إعداد القادة صاحب الدور الكبير فى توعية وتثقيف الطلبة سياسيا ،وإقامة ورش عمل للطلبة، وحث الشباب على المشاركة السياسية فى كافة الاستحقاقات الانتخابية ،وفى الوقت نفسه لايجب المساس بحرية الرأى والتعبير داخل الحرم ،كما يجب أيضا على الشباب التعبير عن آرائهم دون المساس بالجامعة أو الإساءة إلى أشخاص استغلال سلطة ويستطرد د.أحمد يحيى قائلا إن هناك صعوبة فى السيطرة على النشاط السياسى داخل الجامعة ، وهناك أسباب ساعدت فى ذلك ،أهمها وجود قيادات جامعية متسلطة تعمل على توجيه الطلبة،ولمعالجة ذلك يجب تطهير الجامعة من التوجهات السياسية والقادة المتسلطين،كما يجب تحييد الجامعات وعدم اختراقها فكريا،وعلى الجانب الآخر يجب الاستفادة من نصف مليون شاب داخل الجامعة لهم الحق فى المشاركة السياسية بدفعهم نحو المشاركة والتفاعل فى الاستحقاقات الديمقراطية. ويختتم يحيى حديثه قائلا: إن البداية دائما تكون داخل الجامعة ، ثم ينطلى على المجتمع ما بدأ فى الجامعة ، فكل الظواهر الاجتماعية والثقافية نشأت فى الجامعة أولا ثم امتدت الى باقى المجتمع ،وإجمالا فإنه إذا فسدت الجامعة فسد المجتمع ، لأن الجامعة هى بيت الخبرة والتمويل الإنسانى والثقافى للمجتمع.