تعتبر إدارة الموارد المائية عملية معقدة فهي تشمل العديد من المستهلكين لأغراض الري والمرافق المحلية والصناعة وتوليد الطاقة الكهرمائية والملاحة. وهو ما يجعل الاتجاه إلي تدبير موارد إضافية للمياه ضرورة حتمية لسد الفجوة بين الموارد والاحتياجات. وفي خطوة هامة لضمان المستقبل المائي لمصر جاء إعلان الرئيس السيسي أثناء زيارته إلي سنغافورة بإنشاء أكبر محطة لتحلية المياه ضمن مشروع تنمية محور قناة السويس. وهو ما اعتبره المتخصصون اعلانا بالاتجاه نحو تعظيم موارد مصر من المياه غير التقليدية والتي تشمل الصرف الزراعي، تحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف. في ضوء ما يحيط الموارد المائية من تحديات كثيرة منها زيادة الرقعة الزراعية وسلوكيات الاسراف في استعمال المياه، إضافة إلي القلق من سد النهضة واحتمالية تأثيره على حصة مصر. وتتضمن الاستفادة من التجربة السنغافورية عدة أهداف، أهمها نقل التكنولوجيا في مجال تحلية المياه، سواء الآبار او البحار، كذلك التعرف على التكنولوجيا المستخدمة فى معالجة مياه الصرف الصحى والمصارف الزراعية لدراسة إمكانية استخدام هذا المورد مستقبلا فى الزراعة. د. ضياء القوصي خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق يقول: إن الهدف من اختيار قناة السويس كمنطقة تتضمن عددا من المشاريع والخدمات اللوجيستية وعددا من الموانئ ومحطات صيانة السفن. وهو ما يجعل منها موقعا هاما لإنشاء محطات تحلية المياه لتلبية الإحتياجات المائية. وقد أثبتت الأبحاث أنه طالما ابتعدنا عن نهر النيل مسافة 70كيلومترا فأكثر فإن تحلية مياه البحر هو الاختيار الأفضل جدوي اقتصادية بدلا من نقلها. كذلك اتجهت رؤية القائمين علي مشروع قناة السويس للاعتماد علي الطاقة القادمة من الوادي والدلتا بينما يتم الاكتفاء ذاتيا من الموارد المائية لعدم تشكيل عبء إضافى. وأوضح أن سنغافورة تعتبر من أكثر الدول تقدما في تطبيق تقنيات تحلية المياه وكذلك معالجة مياه الصرف وصولا إلي حد يسمح بتعبئتها في زجاجات صالحة للشرب New Water وهو مايمثل مستقبلا مبشرا لأساليب إعادة تدوير المياه من أجل تحسين سبل الاستفادة من مياه الصرف الصناعية والمنزلية المعالجة في إنتاج كميات وفيرة من المياه العذبة. مضيفا أن سنغافورة لها خبرة كبيرة في مجال تحلية مياه الصرف الصحي والمياه البديلة وإنشاء الموانيء. ومن المتوقع أن يتم تنفيذ ثلاث محطات، وأشار إلى أن محطة العين السخنة ستكون هي الأولى بهدف تحلية 100 ألف متر مكعب يوميا، علي أن يتم الانتهاء منها خلال عام ونصف العام حيث طلب الرئيس تقليص المدة الزمنية لأقل من عامين علي أن يتم تدريب الكوادر ونقل الخبرات من الخارج إلى الداخل. مضيفا أن مصر ستقوم بتحلية 400 مليون متر مكعب سنويا. واستطرد د. القوصي قائلا إن المصريين يحتاجون يوميا إلى 25 مليون متر مكعب لاغراض الشرب فقط بما يوازي 10 مليارات متر مكعب في العام الواحد، وتزداد المتطلبات مع زيادة السكان. موضحا تزايد التحديات علي الوضع المائي في ضوء السلوكيات الخاطئة من المواطنين مما يهدر كميات هائلة من المياه الي جانب قلة الوعي من المزارعين بالتوسع في زراعة محاصيل شديدة الاستهلاك للمياه، وذلك الي جانب التحديات المحيطة بحصة مصر المائية في ظل بناء السدود في دول حوض النيل مما يوجب البحث عن بدائل مع تنامي الطلب المستمر على المياه العذبة. وتوضح د. أمال العيسوي استاذ الهندسة الميكانيكية أن تحلية المياه تعتمد علي أكثر من تقنية لإزالة كل أو جزء من الأملاح الزائدة والمعادن من المياه لاستخدامها في الشرب والزراعة والصناعة. وهناك طريقتان أساسيتان لتحلية المياه، الأولى باستخدام الأغشية وتسمى طريقة التناضح العكسي والتي تمثل 53% من طرق تحلية المياه، وفيها يسمح الغشاء بمرور الماء بينما يمنع مرور الملح و البكتيريا من خلالها. وتحتاج هذه الطريقة إلي توليد ضغط على ناحية الغشاء التي تملؤها مياه البحر وعادة مايكون عن طريق مضخات تعمل بالكهرباء. أما الطريقة الثانية فتتمثل فى استخدام التبخير بالحرارة وتسمى التقطير عن طريق رفع درجة حرارة المياه المالحة إلى درجة الغليان ومن ثم تكوين بخار الماء وتكثيفه بعد ذلك إلى ماء خال من الملح. وعادة مايتم اللجوء إلي الغاز الطبيعي أو الفحم لتوليد طاقة حرارية لتبخير الماء. وتشير د. العيسوي إلي أن مايجعل تحلية المياه عملية مكلفة هو الطاقة اللازمة لإتمام فصل الأملاح عن الماء. وهو ما تساهم الأبحاث في تطوير تقنيات التحلية التي تعمل بالطاقة المتجددة والصديقة للبيئة، أو المزج بين التقنيات القائمة والجديدة من أجل إتاحة تحلية المياه علي مدي أوسع لمواجهة ندرة المياه. وتضيف: يعد استخدام تكنولوجيا النانو لتطوير أغشية أفضل وأكثر فعالية هو الاتجاه الأحدث لتحلية المياه. وهو ما توصل اليه فريق مصري بالتعاون مع استراليا بتصنيع أغشية مطورة توضع بها أنابيب كربونية متناهية الصغر مع بوليمرات لتحسين كفاءة الغشاء، وذلك باستخدام تكنولوجيا هندسة المواد النانوية. وقد تم تقديم البحث كبراءة اختراع، كما تم نشر نتائج الدراسة في مجلة تحلية المياه الدولية. مشيرة الي ضرورة بحث تقديم حلول علمية عن صيانة واستبدال الاغشية بطريقة أقل تكلفة وصديقة للبيئة. من جانبه يقول د. وائل عبد المعز الاستاذ بقسم الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة جامعة المنيا ومدير مركز تطوير المشروعات وتكنولوجيا الأبحاث العلمية، إن هناك عدد من العوامل على الباحثين اعتبارها عند تطوير عمليات التحلية وفقا لطبيعة مياه البحر التي تختلف من مكان لاخر. فمثلا يمتاز البحر الأحمر بخصوصية من حيث ارتفاع نسبة الملوحة به. مشيرا إلي تكوين المحلول الملحي المركزالناتج عن عملية التحلية. والذي يزيد عند القائه في البحر كمية الأملاح الذائبة فيه وبالتالي يؤثر سلبا على الحياة البحرية. وهو ما يحتم أهمية اختيار مكان الأخذ من مصدر المياه وكيفية ضخ المياه إلى معمل التحلية وذلك لأنها قد تزيد من الطاقة المستخدمة وكذلك أختيار مكان التخلص من الماء المركز بالملح حتى لا يؤثر تأتثير ضارا بالأحياء المائية. ويوضح د. وائل أن إدخال تحسينات علي الطرق الحالية لعملية التحلية من أجل رفع كفاءة فصل الأملاح وتنقية المياه ومعالجتها اعتمادا علي وسائل الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية. وبصفته الباحث الرئيسى لمشروع تحلية مياه الآبار في منطقة حلايب وشلاتين من خلال الاعتماد علي الطاقة الشمسية باستخدام الخلايا “الفوتوفولتية” كبديل عن الطاقة الكهربائية. ويوضح ان هذه التقنية تمتاز بمعالجة الملوحة بسعات مختلفة لإنتاج مياه صالحة لأغراض الشرب والزراعة ويزيد نسبة المكون المحلى بها عن 50 % . موضحا أنه سبق تنفيذ هذا المشروع من قبل فى نويبع ومن المنتظر تطبيقه فى مناطق التنمية الجديدة كمحور قناة السويس.