لأن للتجربة الأولى دهشتها، وللنظرة الأولى سحرها، فقد سجَّل الكاتب وائل السمري هذه الدهشة وهذا السحر في كتابه «ابني يعلمني» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، حيث احتفى في كتابه بالحياة، بلحظة الميلاد الفارقة، الخلاقة، ومن خلالها دوَّن تاريخه الشخصي مع الأبوة ومشاعرها الفريدة، متحديًا الموت والنسيان والقبح ليصف أحد أهم وأبلغ التجارب الإنسانية بروح شعرية. ولم يكتفِ السمري في كتابه بسرد تجربته مع الميلاد، بكل تفاصيله المبهجة، ومسئولياته الثقيلة، ولكنه غاص في أعماق التجربة، ليستخرج حكمتها، ويعيش روعتها، من خلال نظرة إنسانية، أبوية، فلسفية، غلَّفها الكاتب بأسلوب أدبي، حاول من خلاله أن يصل إلى «ما بعد الوجود، بأجمل ما في الوجود» وقسَّم السمري كتابه إلى مقدمة سماها «قنطرة» وعشرين درسًا «فصلا» ثم خاتمة سماها «الدرس صفر» حيث تحدَّث في مقدمته عن احتفاء الكتاب والمبدعين بالموت على حساب الحياة والميلاد: «نحن مَن تجاهل الميلاد بكل بلادة خوفًا من أن نفقد الوليد، نجح الموت في أن يسمم أجمل لحظات حياتنا وأغناها وأخصبها وحط على ألسنتنا الخرس، فهزمنا من حيث أردنا أن نهزمه، تجاهلنا ما تحمله لحظة الميلاد من بلاغة نادرة بتجسيدها كل المشاعر الإنسانية مجتمعة، حُرمنا من أن نتأمل ابتسامة الوليد وأن نبتهج بها وأن نخلدها، حُرمنا من أن نفرح بمعجزة الله الدائمة وأن نرى في الميلاد دليلًا لحظيًّا على قدرة الله ومقدرته ثم يختتم مقدمته بتوضيح الهدف من الكتاب؛ إذ يقول: «هنا أردت أن أشارك الجميع فرحتي بابني الأول الذي ما إن رأيته حتى تأكدت من أنني رأيت ما لا عين رأت، وسمعت ما لا أذن سمعت». وفي الدرس الأول المعنون ب: «لا خروج إلى النور إلا بجرح وبكاء» يتحدث وائل السمري عن اللحظات المربكة في انتظار وصول المولود وخروجه إلى النور، وكيف يخفق قلبه وهو يقف «كتلميذٍ بليدٍ يترقب الدقائق دقيقة بعد دقيقة» ثم في الدرس الثاني، وعنوانه: «لا شيء يفوق دهشة الموت سوى دهشة الميلاد» يتحدث عن النظرة الأولى التي تشبه السهم النافذ، واللحظة الأولى التي تجبرك على الاعتقاد بأن العالم توقَّف عند قدميك، مشيرًا إلى لقائه مع «تلك اللحمة الحمراء التي تحملها بين ذراعيك فلا تكاد تبين» وتبدأ الأسئلة المربكة في التوالي: «هل يدفعك الخوف على ابنك الوليد إلى تذكر هذا الذي تخشاه؟ أم هل تخاف حقًّا من أن تموت أنت بعد أن أديت رسالتك؟ أم هل أنك تذكرت الأحبة الراحلين وتمنيت أن يكونوا ها هنا ليشاركوك تلك اللحظة الآسرة؟» بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الدرس الثالث، وعنوانه: «أبدًا.. لا يسأل الظمآن عن قصد المطر» وفيه يتناول المشاعر، والحضن الذي يصير «هو التعبير الأزلي الأبلغ عن المحبة والوفاء، ويصير الدنو من قلب إنسان آخر منتهى العشق وغاية الوله». وبمشاعره الفياضة تلك، ينتقل الكاتب من درس إلى آخر، مستخدمًا عناوين دالة، لا تخلو من صبغة شعرية شفيفة، تجعل القارئ شغوفًا بمواصلة القراءة. الكتاب: ابني يعلمني المؤلف: وائل السمرى الناشر: الدار المصرية اللبنانية 2015