تتواصل الجهود الاممية والاقليمية من أجل التوصل الى حلول للعديد من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الذي يتنامي الاتجاه فى المسرح الدولى إلى اجراء تسويات تفاوضية للمشكلات السياسية المستعصية. بدلا من الاستمرار فى المواجهات الميدانية العنيفة والجمود القائم منذ فترة فى مواقف الأطراف ازاء قضايا الشرق الأوسط وخاصة بعد ظهور أبعاد جديدة للارهاب فى بعض مناطق العراق وسوريا و ليبيا. السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية رصد ل «الأهرام» الفرص والاوضاع بعد ثلاث سنوات من الصراعات السياسية والمسلحة التى أعقبت سقوط نظام القذافي حيث يكشف انه بعد أن اوشكت الأممالمتحدة على التوصل من خلال مبعوثها الدولي برناندينو ليون الى اتفاق سياسي لتسوية الصراعات وبناء دولة ليبيا على اركان جديدة ومفاهيم توافقية تحفظ وحدة الأرض وتعلي سيادة الشعب بجميع مكوناته ومناطقه ظهرت هناك تحركات خطيرة لتنظيم داعش فى سرت ومحاولاته لافشال اى مشروع توافقي يرتضيه الليبيون، حيث ضاعف التنظيم عملياته الارهابية وراح يستعد لمد نفوذه الى مدن ومواقع اخري خارج سرت، وبدأ يخطط لاقامة مؤسسات جديدة « للحسبة» «والتعليم» «والقضاء الشرعي» «ولإدارة النفط والمواني» مما أدى بالحكومة الشرعية الليبية الى الاستنجاد بالمجتمع الدولي تارة وبالجامعة العربية تارة اخري . ويشير إلى انه رغم تجاوب المجتمع الدولي مع هذا الاستنجاد تضمن اعترافا بخطر »داعش » التوسعي وضرورة التصدي له، إلا أن هذا التجاوب جاء مقترنا ببعض الانتهازية السياسية حيث طالبت عدة قوى كبري بضرورة توقيع الجميع اولا على مشروع الاتفاق السياسي حتى يمكن لحكومة الوفاق الوطني ان تدير بنفسها الحرب على داعش وغيره من تنظيمات إرهابية ، وتكون بذلك مدعومة من جميع الليبيين ومن جميع الأطراف الإقليمية والدولية أما الجامعة العربية فقد تعاملت مع استنجاد الحكومة الشرعية فى ليبيا بنفس الطريقة التى درجت عليها فى كثير من المواقف والأزمات السابقة وهو أسلوب الإمساك بكل البدائل وإتاحة الفرصة للأطراف الراغبة او القادرة للتحرك على نحو ما يوافق تلك الأطراف فصدر قرار مجلس المندوبين الدائمين متضمنا تقديرا لأهمية المسار السياسي الذى ترعاه الأممالمتحدة وضرورة التوصل فيه الى اتفاق، وفي الوقت نفسه دعت الدول العربية الأعضاء الى تقديم الدعم اللازم للحكومة الليبية فى حربها ضد الإرهاب بما فى ذلك التحرك العاجل - مجتمعين أو فرادى لمواجهة داعش . ومن الجدير بالملاحظة ان الجامعة قد استدعت من أرشيف الذاكرة العربية » معاهدة الدفاع العربي المشترك » كمرجعية قانونية لهذا التحرك المحتمل . وبين ما تحمله استجابة المجتمع الدولي واستجابة الجامعة العربية لما يحدث فى ليبيا يوضح السفير خلاف بعض الملاحظات من واقع الخبرة بالشئون الليبية والشئون العربية والدولية حيث تكشف الملاحظة الأولي أن هناك أطرافا دولية وعربية تضع محاربة الإرهاب فى أولوية تسبق اى استحقاق آخر وهناك أطراف أخري تري أن ترتيب البيت الوطني من الداخل وإعادة بناء مؤسساته وسياساته على أسس توافقية وديمقراطية من شأنه زيادة القدرة والفاعلية لمحاربة الإرهاب، أما الملاحظة الثانية فتتركز في أن اغلب تجارب الأطراف الدولية والعربية فى مواجهة حالات الانقسام والإرهاب بالوسائل العسكرية تعتبر غير مشجعة . وبعضها يدل على نوع من قصر النظر او سوء التخطيط. ويشير الى الملاحظة الثالثة والتي تتمحور حول أن الحالة الليبية تختلف فى اكثر من وجه عن حالات الدول والمواقع الاخري التى شهدت حروبا اهلية وظواهر ارهابية، الامر الذى يستدعي معالجات خاصة للاوضاع الليبية، أما الرابعة فيري انه اذا كانت الطريقة التى اتبعها المبعوث الدولي ليون فى هندسة مشروعه للتوافق السياسي بين جميع الفرقاء الليبيين قد نجحت فى التوصل مع جميع المشاركين فى الحوار الى تحديد واضح للتنظيمات الارهابية الواجب محاربتها كأول استحقاق لحكومة الوفاق الوطني الجديدة، بعد تشكيلها وتشكيل جيشها الوطني الجديد الا ان هناك نوعا من الغموض الذى يكتنف مشروعه وخاصة فيما يتعلق بكيفية الفرز والادماج لبعض الميليشيات المسلحة ذات المنطلقات او التوجهات الدينية المتشددة وإلحاقها ضمن المؤسسات العسكرية والامنية الجديدة بالدولة . وفي ملاحظته الخامسة فيؤكد أن خبرة الجامعة العربية بالعمل العسكري الجماعي متواضعة الى حد كبير، وما تزال آليات القوة العربية المشتركة تحت البحث والتشاور مما يجعل اي تحرك ميداني عاجل مرهونا بقدرة وجاهزية بعض الأطراف العربية دون غيرها، أما الملاحظة السادسة فيشير خلالها أن اى عمل عسكري تقوم به أطراف خارجية فى ليبيا ينبغي أن يستهدف أولا تأمين الحدود المشتركة مع ليبيا لمنع تسلل عناصر داعش الى الدول المجاورة ، ثم يأتي بعد ذلك دعم القدرات العسكرية والأمنية للمؤسسات الليبية لتمكينها من التعامل مع بؤر وقواعد الإرهاب داخل الأراضي والمدن الليبية بما فى ذلك مسئولية التمييز بين العناصر الإرهابية وباقي السكان المدنيين والمرافق الاقتصادية والحيوية .