قال الدكتور احمد جلال وزير المالية السابق ، وكبير الاقتصاديين فى البنك الدولى لفترات طويلة قبل توليه الحقيبة المالية فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى التى تولت بعد ثورة 30 يونيو 2013، ان ثمة تطورا ايجابيا ملموسا فى الاداء الاقتصادى تعكسه تحسن مؤشرات معدل النمو. وتحسن تصنيف مصر الائتمانى من جانب وكالات التصنيف الدولية ،لافتا الى ان ثمة اهتماما من جانب حكومة المهندس ابراهيم محلب بتحفيز الاستثمار ، مع العدالة الاجتماعية . ولكن جلال دعا – فى حواره الشامل – الى اهمية وجود استراتيجية واضحة الرؤى على المسار الاقتصادى والاجتماعى من اجل تحقيق طفرة اقتصادية تستحقها مصر بما لديها من امكانات ، وموقع فريد ، واشار الى بعض الملاحظات المهمة فى عدم وضوح السياسات المالية فى الموازنة العامة الحالية وعما كانت انكماشية ام توسعية ، اضافة الى انها لم تتطرق الى استكمال هيكلة دعم الطاقة ، مؤكدا ان الصمت على هذه القضية امر غير مبرر . وقال جلال ان طرح السندات الدولارية فى الاسواق العالمية كان يجب ان يسبقه استنفاد الاقتراض من المؤسسات الدولية التى يتميز الاقتراض منها بسعر فائدة منخفض مثل البنك الدولى والصناديق العربية ، والاقليمية . ولكن وزير المالية والخبير السابق فى البنك الدولى ، يرى ان الوقت غير مناسب لإعادة التفاوض للحصول على قرض صندوق النقد الدولى ، لتعارض خطته ومقترحاته مع الاستراتيجية التى تحتاجها مصر حاليا من اجل تحقيق الانطلاق الاقتصادى والعدالة الاجتماعية التى تمثل صلب اهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو .. وإلى نص الحوار : كيف ترى اداء الاقتصاد المصرى حاليا ، خاصة بعد افتتاح مشروع قناة السويس؟ ربما كان من المناسب ان ابدأ من فترة تولى اول حكومة بعد ثورة 30 يونيو ، والتى شرفت بان كنت وزير المالية فيها ، حيث بدأنا الخطوات الأولى نحو تلبية مطالب الثوار بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ولكننا ما زلنا فى مرحلة مبكرة لتحقيق هذه المطالب بشكل مقبول، ولا شك أن هذا سوف يستغرق سنوات وليس شهورا. لقد ورثنا اقتصادًا متباطئاً عقب انتهاء ثورة 30 يونيو 2013 يصحبه معدلات بطالة مرتفعة، وعجز شديد فى الموازنة العامة للدولة والدين العام بالاضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة. ولذلك فقد عملت حكومة الدكتور الببلاوى على تغيير مسار السياسات الاقتصادية لمواجهة المشكلات الثلاث وتمهيد الطريق للازدهار الاقتصادى وذلك عن طريق اتباع سياسات توسعية تراعى تنشيط الاقتصاد والعدالة الاجتماعية. وجاءت حكومة المهندس محلب وأعطت أولوية لتحفيز الاستثمار وإعطاء دفعة للمشروعات القومية مع اتخاذ عدد من المبادرات نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ومنها برامج كرامة وكفالة لمساندة الفئات الفقيرة . ولاشك ان هناك ملحوظة مهمة ،عند الحديث عن تطور الاوضاع الاقتصادية ، بعد ثورة 30 يونيو وارتباطها بالاحداث والاوضاع السياسية حيث أعطت حكومة الدكتور الببلاوى أولوية للاصلاح السياسى بعد 30 يونيو 2013 وهو ما كان من الواجب فعله، وفى هذا الاطار تم التصويت على دستور جديد وهذا يعد انجازاً حقيقياً، وتم انتخاب الرئيس وهو ايضًا خطوة فى غاية الاهمية. يبقى الآن انتخاب البرلمان فى أسرع وقت لتكتمل المنظومة. وباختصار شديد هناك تقدم على المسارين الاقتصادى والسياسى ولكن الازدهار الحقيقى لمصر يحتاج تغييرات جذرية فى الرؤى السياسية والاقتصادية لتلبية تطلعات ثوار 25 يناير. قبل ان تتولى وزارة المالية كنت خبيرا بالبنك الدولى لفترات طويلة ..ماهى توقعاتك لانتعاش الاستثمار الاجنبى خاصة مع نجاح المؤتمر الاقتصادى وتحسن تصنيف مصر الائتمانى؟ لا شك أن الاقتصاد الآن فى وضع أفضل مما كان عليه فى 30 يونيو 2013 إلا أننا فى بداية الطريق نحو تحقيق نمو مستدام ينعم فيه كل المصريين بعوائد النمو. وتحسن تصنيف مصر الائتمانى من وكالات التقييم الدولية سواء ستاندرد اند بورز او موديز او فيتش يعكس الوضع الاقتصادى والسياسى فى المدى القصير، وخاصة فيما يتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلى والاستقرار السياسي. أما نحن كمصريين فهمُّنا أكثر من ذلك بكثير. نعم النمو والتوازن الكلى مهمان، والاستقرار السياسى أيضًا. إلا أن تحقيق النهضة الشاملة يجب أن يكون هدفنا وهذا يعنى بناء دولة ديموقراطية، مدنية، حديثة تعتمد على مؤسسات راسخة وسياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة عما كنا عليه لعقود. ببساطة مصر والمصريين يستحقون أفضل ممما نحن عليه الآن.. ولاشك ان هذا الامر سيحقق لمصر طفرة فى تدفق الاستثمار بحكم توافر عناصر الجذب وفى مقدمتها الموقع الفريد والسوق الكبيرة ، توافر الموارد البشرية خاصة مع اعطاء اولوية للتعليم والتدريب . كيف ترى التطور فى مسار تحقيق العدالة الاجتماعية؟ العدالة الاجتماعية هدف مازال بعيد المنال، وتحقيقه يتطلب أن نتأكد من أن السياسة الاقتصادية مبررة اجتماعيًا وليس بمعيار الكفاءة فقط. علينا ايضًا العمل على تحسين الخدمات الصحية والتعليم لضمان أن الفقراء والطبقة المتوسطة لديهم الفرصة فى حياة كريمة، بالاضافة الى حماية الفئات الضعيفة فى المجتمع. حتى الآن تم اتخاذ خطوات متواضعة فى هذه الاتجاهات، ربما لقصر عمر الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011. والحقيقة أنا أعول على الحكومة التى سيتم تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية لإحداث نقلة نوعية نحوالانتقال لمزيد من العدالة الاجتماعية. ما تقييمكم لنتائج المؤتمر الاقتصادى بعد مضى نحو 5 اشهر من انعقاده؟ لقد كان مؤتمر شرم الشيخ حدثًا ناجحًا بالفعل ولكن لا يجب أن ننظر لهذا النجاح على أنه تذكرة مصر للمستقبل! وهو بالتأكيد ليس بديلًا لعمل ما تستوجبه هذه المرحلة للاستفادة من القدرات المتاحة واستغلال الطاقات العاطلة فى القطاعين الرسمى وغير الرسمى مع تحفيز الجميع على العمل بجدية. مارأيك فى القدرة على خفض العجز الى 9.9 % كما تستهدف .. الموازنة العامة بنهاية العام المالى الحالى 15/2016 ؟ خفض عجز الموازنة إلى 9.9% هو شيء مرغوب فيه لأن تزايد الدين العام هو الثمن الذى ندفعه جميعا من زيادة عجز الموازنة. ومع ذلك، فلدى بعض التحفظات عما أعلن عن الموازنة العامة ، فليس من الواضح اذا كانت السياسات المالية توسعية أم انكماشية، فضلًا عن عدم اتخاذ إصلاحات هيكلية لنفقات الدولة أو إيراداتها. بالاضافة إلى ذلك، فإن الصمت عن دعم الطاقة غير مبرر. هل تعتقد ان الوقت مناسب لاستعادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولى للحصول على القرض ؟ خاصة مع ارتفاع الدين العام الداخلى ؟ الاجابة القصيرة هى لا. فمصر لا تزال بحاجة إلى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى لا تتوافق مع الخطة المقترحة لصندوق النقد الدولي. فما زلنا بحاجة لتنشيط الاقتصاد على عكس ما ستؤدى له حزمة اصلاحات صندوق النقد الدولي. ومازلنا نعطى أهمية للجوانب التوزيعية للسياسات الاقتصادية وهذا ليس من أولويات صندوق النقد الدولي، واليونان مثالا على ذلك. صحيح أننا بحاجة للتخلص من دعم الطاقة واعتماد سياسات أكثر مرونة لسعر الصرف بدلا من فرض قيود كمية، ولكننا نحتاج أيضًا أن نستثمر فى البنية التحتية ونصلح قطاعى التعليم والصحة وشبكة الضمان الاجتماعي. ما تقييمكم لطرح السندات الدولارية فى السوق العالمى خاصة وأن سعر الفائدة عليها يدور حول 6.5 % ؟ الاقتراض من الخارج بنسبة %6.5 يعكس حالة الاقتصاد المصرى من حيث الاختلالات فى الاقتصاد الكلى والأمن والمخاوف السياسية. ولذلك قد يكون من الأفضل فى الوقت الحالى أن نستنفذ فرص الاقتراض من المؤسسات التنموية الدولية مثل البنك الدولى والصندوق العربى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحفيز المصريين فى الخارج على زيادة التحويلات لمصر وكذلك جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة دون المبالغة فى شروط جذبهم إلى مصر. هل انت متفائل بقدرة الاقتصاد على الانتعاش ومعالجة الاختلالات الهيكلية ؟ انا متفائل بالطبع ، ولكن كما ذكرت فإننا نحتاج الى استراتيجية واضحة الرؤى الاقتصادية والاجتماعية ، والمضى قدما فى إعادة هيكلة الدعم وضمان وصوله الى مستحقيه ، والاهتمام بالصحة والتعليم.